قصة الأذان

 

قصة الأذان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين .. أما بعد:

نداءٌ نسمعه كل يوم خمس مرات، يتردد صداه في قلوبنا، يبعث الحياة، ويطرد الكسل، ويجلب النشاط، كل يوم تجده في أبهى حُلَّه، يعانق قلوب المؤمنين قبل آذانهم، يدخل عبيره بيوتهم فتطيب به نفوسهم، إنه شعار الإسلام، وعنوان التوحيد، من أراد أن يعرف ما أراد الله فليتدبر معانيه، إنه صوت الحق، إنه الأذان، ترى ما قصته؟ وكيف جاء إلينا؟ كيف اهتدى إليه المسلمون؟ وكيف توصلوا إليه؟ أسئلة لا بد أن يعرف جوابها كل محب لهذا الأذان الذي ميزنا الله – عز وجل – به عن سائر الأمم، واصطفاه لنا حتى صار علامةً لنا نُعرف بها.

كان الأمر بداية أنه إذا جاء وقت الصلاة فإن الناس يتجهون تلقائياً إلى بيوت الله – عز وجل – بلا أذان ولا نداء ولا غير ذلك، وقد جاء أن ابن عمر – رضي الله عنهما – كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلاة ليس ينادى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا بلال قم فناد بالصلاة))1، وقال ابن خزيمة – رحمه الله تعالى -:  "باب ذكر الدليل على أن بدء الأذان إنما كان بعد هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة، وأن صلاته بمكة إنما كانت من غير نداءٍ لها، ولا إقامة"2، وقال ابن إسحاق – رحمه الله تعالى -: "وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين قدم المدينة إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة"3، فكان ذلك همّاً عند النبي – صلى الله عليه وسلم – كيف يجتمع الناس للصلاة، حتى جاء أمر الله – عز وجل -، فعن أبي عميرٍ بن أنسٍ عن عمومةٍ له من الأنصار قال: "اهتم النبي – صلى الله عليه وسلم – للصلاة كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع يعني الشبور (هو البوق كما في رواية البخاري)4، وقال زياد: شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال: ((هو من أمر اليهود))، قال فذكر له الناقوس، فقال: ((هو من أمر النصارى))، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتمٌ لهمِّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأُريَ الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره، فقال له: يا رسول الله إني لبين نائمٍ ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً، قال: ثم أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال له: ((ما منعك أن تخبرني؟))، فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله))، قال: فأذن بلالٌ، قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضاً؛ لجعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مؤذناً"5، ففرح النبي – صلى الله عليه وسلم – بهذا الرؤيا فرحاً شديداً، وحمد الله عليها كما في الرواية الأخرى " فلما سمع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – نداءَ بلالٍ بالصلاة خرج إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يجر إزاره، وهو يقول: يا رسول والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي قال، قال: فقال رسول – صلى الله عليه وسلم -: ((فلله الحمد))6.

بل جاءت صيغة الأذان أيضاً في روايةٍ أخرى، فعن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد همَّ بالبوق، وأمر بالناقوس فنحت، فأرى عبد الله بن زيد في المنام، قال: رأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً، فقلت له: يا عبد الله تبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: أنادي به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك؟ قلت: وما هو؟ قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمد رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: فخرج عبد الله بن زيد حتى أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره بما رأى، قال: يا رسول الله رأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً، فقص عليه الخبر، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن صاحبكم قد رأى رؤيا، فاخرج مع بلال إلى المسجد فألقها عليه، وليناد بلالٌ؛ فإنه أندى صوتاً منك))، قال: فخرجت مع بلالٍ إلى المسجد فجعلت ألقيها عليه وهو ينادي بها، قال: فسمع عمر بن الخطاب بالصوت فخرج فقال: يا رسول الله، والله لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال أبو عبيد فأخبرني أبو بكر الحكمي أن عبد الله بن زيد الأنصاري قال في ذلك:

أحمد الله ذا الجلال وذا الإكـ      رام حمداً على الأذان كثيراً

إذ أتاني به البشير من اللــ        ـه فأكرم به لدي بشيراً

في ليالٍ والى بهن ثــلاث         كلما جاء زادني توقيراً"7

وأما زيادة (الصلاة خير من النوم) فقد قالها بلال – رضي الله عنه -، وأقره عليها النبي – صلى الله عليه وسلم -، فعن بلالٍ – رضي الله عنه – "أنه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – يؤذنه بصلاة الفجر فقيل: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، فأقرت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك"8.

وبهذا علمنا تاريخ هذا الأذان الذي ما زال يشنف آذاننا، وهو نعمة نسأل الله أن يعيننا على شكرها، ويحفظها لنا حتى نفتح بها مشارق الأرض ومغاربها.

والحمد لله رب العالمين.


 


1 البخاري (579)، مسلم (377).

2 صحيح ابن خزيمة (1/189).

3 قال الألباني: إسناده حسن، انظر فقه السيرة بتحقيق الألباني (1/181).

4 سبق تخريجه.

5 أبو داود (498)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (468).

6 أبو داود (499)، وقال الألباني صحيح، انظر صحيح أبي داود (469).

7 ابن ماجه (706)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (580).

8 ابن ماجه (716)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (586).