اتباع منهج السلف الصالح

اتباع منهج السلف الصالح

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد:

فبداية ينبغي أن نبين معنى كلمة السلفية لغة واصطلاحاً:

فالسلفية: نسبة إلى السلف، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: سلف السين واللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون.

وقال الراغب الأصفهاني في المفردات: السلف: المتقدم قال الله – تعالى -: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ1 أي معتبراً متقدماً، ولفلان سلف كريم: أي آباء متقدمون، جمعه: أسلاف وسلوف.

والسلف في الاصطلاح الآن: هم الصحابة والتابعون وتابعوهم من الأئمة الذين يقتدى بهم كالأئمة الأربعة، وسفيان الثوري، والبخاري، وسفيان بن عيينة وغيرهم من الأئمة الأجلاء الأعلام الذي شُهد لهم بالإمامة في الدين والورع والتقوى.

والسلفية: هي المدرسة التي تلقت العقيدة والمنهج الإسلامي من الكتاب والسنة طبقاً لفهم السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وأبرز خصائص أتباع هذه المدرسة التمسك بمنهج النقل، ولهذا يعرف أتباعها أيضاً بأهل الحديث، وأهل الأثر؛ تمييزاً بينهم وبين من انسلخ من هذا المنهج.

ولا ريب أن هذا المنهج هو المنهج الذي يجب على كل مسلم اتباعه .قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً"2، والأدلة على صحة هذا المنهج كثيرة، نذكر منها:

قوله – تعالى-: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ3، فجعل الله – سبحانه – الإيمان بمثل ما آمن به الصحابة علامة على الهداية، وجعل التولي عن ذلك دليلاً على الشقاق والضلال.

وقوله – تعالى -: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً4، وسبيل المؤمنين ما كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام قولاً وعملاً واعتقاداً، حرم الله الخروج عنها، واتباع غيرها، وتوعد على ذلك بجهنم وسوء المصير.

وقوله – تعالى -: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ5، فأثنى الله على من اقتدى بالصحابة بقوله: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ وهذا لأن الصحابة – رضي الله عنهم – تلقوا الدين عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بلا واسطة، ففهموا مقاصده – صلى الله عليه وسلم-، وعاينوا من أقواله، وسمعوا منه مشافهة ما لم يحصل لمن بعدهم؛ قال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز – رحمه الله -: "قف حيث وقف القوم؛ فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشفها كانوا أقوى … فلئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر، وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفوا، وتجاوز آخرون فضلوا، وإنهم فينا بين ذلك لعلى هدى مستقيم" أخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن بطة في الإبانة الكبرى، وابن القيم في إعلام الموقعين، وقد روى شيخ الإسلام كلاماً شبيهاً بهذا عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة.

ولقد سار التابعون وتابعوهم على نهج الصحابة، واقتفوا أثرهم، ولهذا صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم… ))6.

قال إبراهيم النخعي – من التابعين -: "لو بلغني عن الصحابة أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفراً ما جاوزته، وكفى بالقوم وزراً أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم – صلى الله عليه وسلم -".

والآثار عن التابعين وتابعيهم مستفيضة بذلك، فالسعيد من سار مسار هذه القرون الثلاثة المفضلة، ولم يحد عنه يمنة أو يسرة، نسأل الله أن يجمعنا بهم في جنته مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

والله أعلم.


 


1 الزخرف (56).

2 وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5484، 14527، 23342، 26056.

3 البقرة (137).

4 النساء (115).

5 التوبة (100).

6 رواه البخاري بر قم (2457).