إمامة الخنثى

إمامة الخنثى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

اعلم أن الله – تعالى – خلق بني آدم ذكوراً وإناثاً فقال – سبحانه -: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء}1، وقال: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ}2، وبيَّن حكم كل واحد منهما، ولم يبين حكم من هو ذكر وأنثى في الوقت نفسه، فدل على أنه لا يجتمع الوصفان في شخص واحد.

وهذه المسألة تسمى “الخنثى”، وهي من المسائل التي تطرق إليها العلماء، وأفردوها بالكلام في مصنفاتهم السابق منهم واللاحق، لكنها وإن لم تكن بكثير فائدة لاعتبار ندرة وقوعها؛ إلا أنها حادثة واقعة، وتفريعاتها كثيرة، وسنأخذ في هذا المقال ما يخص الإمامة، وسنتناولها من خلال الآتي:

*ما المقصود بالخنثى:

الْخُنْثَى: أَصْلُهُ من خَنَثَ الطَّعَامُ إذَا اشْتَبَهَ أَمْرُهُ، فلم يَخْلُصْ طَعْمُهُ الْمَقْصُودُ منه3.

قال الشافعي: الخنثى هو الذي له ذكر كالرجال، وفرج كالنساء، أو لا يكون له ذكر ولا فرج، ويكون له ثقب يبول منه.4

* أقسام  الخنثى:

ينقسم الخنثى إلى:

1- مشكل.

2- غير مشكل.

فالذي يتبين فيه علامات الذكورية أو الأنوثة فيعلم أنه رجل أو امرأة فليس بمشكل، وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة، أو امرأة فيها خلقة زائدة، فإذا ظهرت علامات مثل: نبات لحيته، وخروج المني من ذكره؛ فالخنثى رجل عملاً بالعلامة للزوم اطرادها، أو ظهرت فيه علامات النساء من الحيض، والحمل، وسقوط الثديين، أو تفلكهما قال في القاموس: وفلك ثديها وأفلك وتفلك أي: استدار فهو امرأة5.

وليس يهمنا في هذا المبحث الخنثى غير المشكل لأنه سيعطى حكم ما حكمنا عليه بذكورة أو أنوثة، وبناء على تحديد جنسه يترتب عليه أحكام الرجال، وإمامتهم في الصلاة – إن كان رجلاً -، أو أحكام النساء وإمامتهن في الصلاة – إن كانت امرأة -.

إنما المشكل في الخنثى هو المشكل وهو من لا يتبين فيه علامات الذكورة أو الأنوثة، ولا يعلم أنه رجل أو امرأة، أو تعارضت فيه العلامات، فتحصل من هذا أن المشكل نوعان:

1- نوع له آلتان، واستوت فيه العلامات.

2- ونوع ليس له واحدة من الآلتين، وإنما له ثقب.

والضابط العام أنه يؤخذ فيه بالأحوط، والأوثق في أمور الدين، ولا يحكم بثبوت حكم وقع الشك في ثبوته.

إِمَامَتُهُ:

لا خلاف بين الفقهاء في أن الخنثى لا تصح إمامته لرجل ولا لمثله لاحتمال أنوثته وذكورة المقتدي، وأما النساء فتصح إمامة الخنثى لهن مع الكراهة أو بدونها عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة؛ لأن غايته أن يكون امرأة، وإمامتها بالنساء صحيحة، قال صاحب روضة الطالبين: “فالخنثى المشكل فيه وجهان: أصحهما الأخذ بالأشد، فيجعل مع النساء رجلاً، ومع الرجال امرأة”6.

* واختلفوا في كيفيتها:

فذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة ما عدا ابن عقيل؛ إلى أن الخنثى إذا أمَّ النساء قام أمامهن لا وسطهن؛ لاحتمال كونه رجلاً، فيؤدي وقوفه وسطهن إلى محاذاة الرجل للمرأة.

ثم يرى الحنفية أن الخنثى لو صلى وسطهن فسدت صلاته بمحاذاتهن على تقدير ذكورته، وتفسد صلاتهن على هذا الأساس، والشافعية على أن التقدم عليهن مستحب، ومخالفته لا تبطل الصلاة، وقال ابن عقيل: يقوم وسطهن، ولا يتقدمهن، وصرح الحنابلة بأنه لا فرق في ذلك بين الفرض والتراويح وغيرها.

وفي رواية عن أحمد تصح في التراويح إذا كان الخنثى قارئاً، والرجال أميون؛ يقفون خلفه.

وأما المالكية فلا يتأتى ذلك عندهم؛ لأن الذكورة شرط عندهم في صحة الإمامة، فلا تجوز إمامة الخنثى ولو لمثله في نفل، ولم يوجد رجل يؤتم به.

ولأبي حفص البرمكي من الحنابلة أن الخنثى لا تصح صلاته في جماعة؛ لأنه إن قام مع الرجال احتمل أن يكون امرأة، وإن قام مع النساء أو وحده، أو ائتم بامرأة؛ احتمل أن يكون رجلاً، وإن أم الرجال احتمل أن يكون امرأة، وإن أم النساء فقام وسطهن احتمل أنه رجل، إن قام بين أيديهن احتمل أنه امرأة، ويحتمل أن تصح صلاته في هذه الصورة، وفي صورة أخرى وهو أن يقوم في صف الرجال مأموماً، فإن المرأة إذا قامت في صف الرجال لم تبطل صلاتها، ولا صلاة من يليها عند الحنابلة7.

* مسألة: إذا صلى رجل خلف الخنثى ولم يعلم؟

قال منصور بن يونس البهوتي: “ولو صلى رجل خلفه لم يعلم ثم علم؛ لزمته الإعادة “8.

قال المزني: قال الشافعي – رحمه الله -: “ولا يأتم رجل بامرأة، ولا بخنثى, فان فعل أعاد، قال الماوردي: وهذا صحيح، لا يجوز للرجل أن يأتم بالمرأة بحال، فإن فعل أعاد صلاته”9.

* وقوفه في الصف في صلاة الجماعة:

لا خلاف بين الفقهاء في أنه إذا اجتمع رجال، وصبيان، وخناثى، ونساء في صلاة الجماعة تقدم الرجال، ثم الصبيان، ثم الخناثى، ثم النساء، ولو كان مع الإمام خنثى وحده فصرح الحنابلة بأن الإمام يوقفه عن يمينه؛ لأنه إن كان رجلاً فقد وقف في موقفه، وإن كان امرأة لم تبطل صلاتها بوقوفها مع الإمام، كما لا تبطل بوقوفها مع الرجال، والمشهور عند الحنفية أن محاذاته للرجل مفسدة للصلاة10.

هذا ما تيسر جمعه في موضوع إمامة الخنثى، نسأل الله أن يفقهنا في الدين، ويعلمنا التأويل، والحمد لله رب العالمين.


1 النساء (1).

2 الشورى (49).

3 حاشية الدسوقي 4/489.

4 الحاوي الكبير 8/ 163.

5 كشف القناع 4/ 469.

6 روضة الطالبين (7/29).

7 ابن عابدين 1/380، والقوانين الفقهية 68، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 2/92، والدسوقي 1/326، وجواهر الإكليل 1/78 . ط مكة، والقليوبي 1/231، وروضة الطالبين 1/351، والأشباه والنظائر للسيوطي 243، والمغني 1/479، 2/199 – 200، كشاف القناع 1/479.

8 دقائق اولى النهى 1/275.

9 الحاوي الكبير للإمام الماوردي 2/412.

10 ابن عابدين 1/384 – 385، ومواهب الجليل 6/433، والأشباه والنظائر للسيوطي ص245، وكشاف القناع 1/488 – 489، والمغني 1/218 – 219، 2/199.