الوسائل المعينة على أداء رسالة المسجد

الوسائل المعينة على أداء رسالة ا

الوسائل المعينة على أداء رسالة المسجد

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين أما بــعد:

فإن أهم الوسائل المعينة على أداء رسالة المسجد على أتم وجه وأكمل حال؛ هي كالتالي:

1- مكان المسجد

2- مؤذن المسجد

3- إمام المسجد

4- خطيب المسجد.

وسنتكلم عن كل وسيلة من هذه الوسائل على حده:

مكان المسجد:

يعتبر مكان المسجد من أهم الوسائل المعينة على أداء رسالته، بحيث يتوسط مساكن الحي فيستطيع سكان الحي الوصول إليه بدون مشقة وعناء، وأن لا يكون في جهة من الحي فيبعد على أهل الجهة الأخرى، فيتكاسلون عن الحضور إلى المسجد؛ لبعده عن منازلهم، ويتركون صلاة الجماعة، وحضور المحاضرات، فحينها تتعطل رسالة المسجد، ومن هنا ندرك شكوى بني سلمه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ديارهم من المسجد؛ لأن ذلك يؤدي إلى نوع من التكاسل، لاسيما لمن كان الوازع الإيماني في قلبه ضعيفاً، ولكن النبي – صلى الله عليه وسلم – رغبهم وحفزهم بإيضاح ما لهم من الثواب في ممشاهم، فلما لمحوا فجر الأجر هان عليهم ظلام التكليف فقالوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}1.

فإذا أردنا من المسجد أن يؤدي رسالته فلنضعه في المكان المناسب لكل رواده لاسيما إذا كان هو الوحيد في الحي، متأسين في ذلك بخليل الله إبراهيم – عليه السلام -، فإنه لما أراد أن يبني بيت الله الحرام استخار ربه في موضعه؛ فبوأ الله له أرض مكة؛ لأنها وسط العالم، وقلب الجزيرة، وقطب الرحى في كيان هذه الأمة، والسر في اختيار هذا المكان؛ حتى يسهل على كل مسلم في أرجاء المعمورة قصد هذا البيت فقال- سبحانه وتعالى -: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}2.

ويجب في مكان المسجد أن يكون حلالاً خالصاً لاشبهة فيه، وأن لا تكون أرضه مغصوبة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما قدم المدينة، وأراد أن يبني المسجد؛ أخذ الأنصار يستقبلونه وكل منهم يأخذ بخطام ناقته، ويعرض عليه أرضاً ليبني فيها المسجد فقال: ((دعوها فإنها مأمورة))، حتى استقرت في حائط بني النجار، فقال: لمن هذا الحائط؟ فقالوا: ليتيمين فقال: ثامنوني حائطكم هذا، ودفع إليهم ثمنه، فقالوا: والله لا نطلب ثمنه إلا من الله؛ فأعطاهم ثمنه حتى يكون حلالاً خالصاً.

مؤذن المسجد:

المؤذن يعتبر وسيلة هامة من الوسائل المعينة على أداء رسالة المسجد؛ لأنه المعلن عن أوقات الصلاة، وهو المنادي لها، فلابد أن يكون صاحب صوت حسن جهوري، ولهذا جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – بلالًا مؤذناً بليل لأنه صاحب صوت جهوري يوقظ النائم، ويسمعه البعيد، وابن أم مكتوم يؤذن الأذان الثاني؛ لأنه كان لا يميز بين الليل من الصبح إلا إذا قيل له أصبحت أصبحت، فخص النبي – صلى الله عليه وسلم – كل منهما بما يناسبه

وجلجلة الأذان بكل حي           ولكن أين صوت من بلال

إمام المسجد:

لا تؤدى رسالة المسجد إلا إذا كان الإمام أفضل من في الحي لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا))3.

وأن يكون متقناً لكتاب الله، عاملاً به، مخلصاً لله في إمامته، ملازماً للمسجد ((وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ))4.

وأن يكون حسن الصوت، متغنياً بالقرآن لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ))5.

وأن يكون مؤثراً على المأمومين؛ يعايش أحوالهم؛ ويحل مشاكلهم؛ ويزور مريضهم؛ ويتبع جنازتهم؛ ويرفق بعاصيهم؛ ويسأل عن غائبهم؛ ويتواضع لهم مقتدياً بالنبي – صلى الله عليه وسلم -، وأن يكون قدوةً حسنة تطابق أفعاله أقواله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}6.

خطيب المسجد:

ينبغي أن يكون خطيباً مؤثراً، إذا علا المنبر احمر وجهه، واشتد غضبه، وعلا صوته، وانتفخت أوداجه، كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم كما كان حال النبي – صلى الله عليه وسلم -، وأن يعرف كيف يضع النقاط على الحروف، وأن يخاطبهم بما يفهمون، بأسلوب حسن، وذاكرة خلابة، وذهن صافي، يجمع بين الترغيب والترهيب، إذا تحدث أصغت الآذان، وسكنت الجوارح، وانشرحت الصدور، هدفه الارتقاء بالقلوب إلى الله علام الغيوب، الحكمة عنده سجية، والزهد له طبيعة، والفصاحة عنده سليقة

ولست بنحوي يلوك لسانه                  ولكن سليقي أقول فأعرب

وأن يراعي في خطبته توزيع النظرات على الحاضرين، يتوسط بين القصر والإطالة، وأن تكون عنده قدرة على إشباع الموضوع، وإعطائه حقه من التحضير، وقوة الطرح، وحسن التعبير، وأن يتكلم فيما يتقنه لأن قيمة كل امرئ ما يحسنه كما قال القائل:

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه               والجاهلون لأهل العلم أعداء

ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، نسأل الله أن يوفقنا لإيصال رسائل المسجد إلى قلوب العباد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 


1– (البقرة: من الآية285).

2– (الحج:26).

3– رواه  مسلم برقم (673).

4– رواه البخاري برقم (660).

5– رواه أبو داود برقم(1468).

6– (البقرة: من الآية44).