الاعتكاف

الاعتكاف

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه والتابعين, وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.. أما بعد:

فإن من خصائص العشر الأواخر من شهر رمضان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف فيها، والاعتكاف مشروع لأمته من بعده, ولنأخذ هنا بعضاً من أحكامه.

تعريف الاعتكاف:

لغة: الإقامة على الشئ ولزومه وحبس النفس عليه.

وشرعاً: عرفه الفقهاء بتعاريف مختلفة لفظاً، متقاربة المعنى كالتالي:

عند الحنفية: هو اللبث فى المسجد الذي تقام فيه الجماعة مع الصوم ونية الاعتكاف.

وعند المالكية: هو لزوم مسلم مميز مسجداً بصوم ليلة ويوم لعبادة بنية.

وعند الشافعية: هو اللبث فى المسجد من شخص مخصوص بنية.

وعند الحنابلة: هو لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة من مسلم عاقل مميزاً طاهراً مما أوجب غسلاً.

ويُسمَّى "جوارا" لقول السيدة عائشة -رضى الله عنها- كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ)1.

فهو إذن لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله -عز وجل- وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال الله -عز وجل-: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (187) سورة البقرة.

واعتكف النبي -صلى الله عليه وسلم- واعتكف أصحابه معه وبعده.

حكم الاعتكاف:

الاعتكاف في المساجد سنة نبوية, لفعل النبي –صلى الله عليه وسلم- ذلك منذ قدم المدينة كما ثبت عنه ذلك في الأحاديث الصحيحة, وليس بواجب إلا أن يكون نذراً فيلزم الوفاء به.

فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ, ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ, قَالَ: فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ فَقَالَ: (إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ, ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ) فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ»2.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ, ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ»3.

وعنها –أيضاً- قالت: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ, فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا»4.

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ, فَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ»5.

قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الاعتكاف مسنون"6.

والاعتكاف معروف في الشراثع السابقة, قال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (125) سورة البقرة. وهو مستحب في جميع أوقات السنة غير أنه يكون في رمضان أفضل من غيره.

وأفضل أماكنه المسجد الحرام ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى ثم المسجد الجامع.

الهدف من الاعتكاف:

إن الغاية من الاعتكاف تحقيق صفاء القلب بمراقبة الله -عز وجل- والإقبال عليه لعبادته في أوقات الفراغ، وهو من أشرف الأعمال وأحبها إلى المولى الكريم إذا كان عن إخلاص مع الصوم.

ولهذا كان من سُنةّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- الاعتكاف تلك العشر، وهذا فيه الاجتهاد في العبادة، وبذل الوسع في تحري تلك الليلة الفاضلة –ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر- فينقطع في المسجد تلك المدة عن كل الخلائق، مشتغلاً بطاعة الخالق، قد حبس نفسه على طاعته، وشغل لسانه بدعائه وذكره، وتخلى عن جميع ما يشغله، وعكف بقلبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له سوى الله وما شغل نفسه إلا بما فيه رضاه. فالمقصود بالاعتكاف إذن انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده طلباً لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر.

ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يتجنب ما لا يَعنيه من حديث الدنيا.

قال ابنُ القيم -رحمه الله- مبينًا المقصود من الاعتكاف : (وشرع لهم الاعتكافُ الذي مقصودهُ وروحهُ عكوفُ القلبِ على الله -تعالى- وجَمْعِيَّتُهُ عليه والخلوةُ به عن الاشتغال بالخلق، والاشتغَالُ به وحده سبحانه؛ بحيث يصير ذكرُه وحبُّه,والإقبالُ عليه في محلِّ هموم القلب، وخطراتهِ؛ فيستولي عليه بدلَها، ويصير الهمُّ كلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكرُ في تحصيل مراضيه، وما يُقرِّب منه؛ فيصير أُنْسُهُ بالله بدلًا عن أنسه بالخلق؛ فَيُعِدُّهُ بذلك لأُنسه به يومَ الوحشةِ في القبور حين لا أنيسَ لَه، ولا ما يَفْرَحُ به سواه؛ فهذا مقصودُ الاعتكافِ الأعظم)7.ا-هـ.

ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة، لحديث صفية أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ…الحديث»8.

والحقيقة أن الاعتكاف سُنّة مأثورة وشعيرة مبرورة، وقد أوشكت أن تكون بين الناس مهجورة، فينبغي -لمن تيسّر له أمره- إحياؤها والترغيب فيها، فإن (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ»9. كما أخبرنا بذلك النبي -عليه الصلاة والسلام-. وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»10.

شرط المعتكف: يشترط في المعتكف حتى يصح اعتكافه شروط, أولها: أن يكون مسلماً فلا يصح من كافر أو مرتداً. الثاني: أن يكون عاقلاً مميزاً فلا يصح من مجنون ولا طفل لعدم النية. ثالثها: أن يكون طاهراً مما وجب غسلاً, فلا يصح من جنب ونحوه ولو متوضئاً, ولا تمنع المستحاضة منه11.

شرط الاعتكاف:

ولا يصح الاعتكاف إلا بنية؛ لأنه عبادة محضة كالصوم, ولحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)12.

مبطلات الاعتكاف:

يحرم على المعتكف الجماع ومقدِّماته من التقبيل واللمس لشهوة لقوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (187) سورة البقرة. فإذا أنزل بجماع ونحوه بطل اعتكافه, أما القبلة واللمس بشهوة فقد قال أبو حنيفة وأحمد أنه قد أساء؛ لأنه قد أتى بما يحرم عليه، ولا يفسد اعتكافه إلا أن ينزل. وقال مالك: يفسد اعتكافه؛ لأنها مباشرة محرمة فتفسد كما لو أنزل، وعن الشافعي روايتان كالمذهبين. قال ابن رشد: وسبب اختلافهم، هل الاسم المشترك، بين الحقيقة والمجاز له عموم أم لا وهو أحد أنواع الاسم المشترك.

وأما خروجه من المسجد فإن كان ببعض بدنه فلا بأس به لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ"13. وفي رواية: "كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ حَائِضٌ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ"14.

وإن كان خروجه بجميع بدنه فهو على ثلاثة أقسام:

الأول: الخروج لأمر لا بد منه طبعاً أو شرعاً كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل الواجب لجنابة أو غيرها والأكل والشرب، فهذا جائز إذا لم يمكن فعله في المسجد، فإن أمكن فعله في المسجد فلا، مثل أن يكون في المسجد حمام يمكنه أن يقضي حاجته فيه وأن يغتسل فيه، أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه.

الثاني: الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك، فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه، مثل أن يكون عنده مريض يحب أن يعوده أو يخشى من موته، فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به.

الثالث: الخروج لأمر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء وجماع أهله ومباشرتهم ونحو ذلك، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط؛ لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه.

قضاء الاعتكاف:

 من شرع في الاعتكاف متطوعاً ثم قطعه استحب له قضاءه, وقيل: يجب.قال الترمذي: واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى.

فقال مالك: إذا انقضى اعتكافه وجب عليه القضاء، واحتجوا بالحديث: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من اعتكافه فاعتكف عشراً من شوال".

وقال الشافعي: إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شيء أوجبه على نفسه وكان متطوعاً, فخرج فليس عليه قضاء، إلا أن يحب ذلك اختياراً منه.

قال الشافعي: إذا دخلت فيه وخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة.

أما من نذر أن يعتكف يوماً أو أياما ثم شرع فيه وأفسده وجب عليه قضاؤه متى قدر عليه باتفاق ألائمة، فإن مات قبل أن يقضيه لا يقضى عنه. وعن أحمد: أنه يجب على وليه أن يقضي ذلك عنه.

آداب الاعتكاف:

للاعتكاف جملةٌ من الآداب يحسن بالمعتكفين مراعاتُها، والأخذُ بها؛ ليكون اعتكافُهم كاملًا مقبولًا بإذن الله, وهذه الآداب هي:

أولًا: استحضارُ النيَّةِ الصالحةِ، واحتسابُ الأجر على الله -عز وجل-.

ثانيًا: استشعارُ الحكمةِ من الاعتكاف، وهي الانقطاع للعبادة، وجَمْعِيَّةُ القلب على الله تعالى.

ثالثًا: ألا يخرج المعتكفُ إلاَّ لحاجته التي لا بد منها.

رابعًا: المحافظةُ على أعمال اليوم والليلة من سنن وأذكار مطلقة ومقيَّدة، كالسنن الرواتب، وسنَّة الضحى، وصلاة القيام، وسنَّة الوضوء، وأذكار طرفي النهار، وأذكار أدبار الصلوات، وإجابة المؤذن، ونحو ذلك من الأمور التي يحسن بالمعتكف ألا يفوته شيء منها.

خامساً: الحرصُ على الاستِيقاظ من النوم قبل الصلاة بوقتٍ كاف، سواء كانت فريضة، أو قيامًا؛ لأجل أن يتهيأ المعتكف للصلاة، ويأتِيَها بسكينة ووقار وخشوع.

سادساً: الإكثار من النوافل عمومًا، والانتقالُ من نوع إلى نوع آخر من العبادة؛ لأجل ألا يدبَّ الفتور والملل إلى المعتكف؛ فَيُمْضِيَ وقته بالصلاة تارة، وبقراءة القرآن تارة، وبالتسبيح تارة، وبالتهليل تارة، وبالتحميد تارة، وبالتكبير تارة، وبالدعاء تارة، وبالاستغفار تارة، وبالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تارة، وبـ: لا حول ولا قوة إلا بالله تارة، وبالتدبُّر تارة، وبالتفكُّر تارة، وهكذا….

سابعاً: اصطحاب بعض كتب أهل العلم، وخصوصًا التفسير؛ حتى يستعانَ به على تدبُّر القرآن.

ثامناً: الإقلال من الطعام، والكلام والمنام؛ فذلك أدعى لرقَّة القلب، وخشوع النفس، وحفظ الوقت، والبعد عن الإثم.

تاسعًا: الحرص على الطهارة طيلة وقت الاعتكاف.

عاشراً: يحسن بالمعتكفين أن يتواصوا بالحق، وبالصبر وبالنصيحة والتذكير, وأن يتعاونوا على البر والتقوى، والإيقاظ من النوم، وأن يَقْبَل بعضُهم من بعض.

وبالجملة فليحرص المعتكف على تطبيق السنَّة، والحرص على كل قربة، والبعد عن كل ما يفسد اعتكافه أو ينقص ثوابه.

ملحوظات حول الاعتكاف:

هذه تنبيهات لأمور تصدر من بعض المعتكفين ينبغي تجنبها ليكون الاعتكاف تاماً مؤدياً الغرض على أكمل وجه:

أولًا: كثرةُ الزياراتِ وإطالتُها من قبل بعض الناس لبعض المعتكفين، وينتجُ عن ذلك كثرةُ حديثٍ، وإضاعةُ أوقات, وتفويت لمقصد الاعتكاف العظيم.

ثانيًا: كثرةُ الاتِّصالات والمراسلات عبرَ الجوال بلا حاجة.

ثالثًا: المبالغةُ في إحضار الأطعمة؛ وذلك يفضي إلى ثِقَلِ العبادة، وإيذاءِ المصلين برائحة الطعام؛ فالأولى للمعتكف أن يقتصد في ذلك.

رابعًا: كثرةُ النومِ، والتثاقلُ عند الإيقاظ، والإساءةُ لمن يوقِظُ من قبل بعض المعتكفين، بدلًا من شكره والدعاء له.

خامسًا: إضاعةُ الفرصِ؛ فبعضُ المعتكفين لا يبالي بما يفوته من الخير، فتراه لا يتحرى أوقات إجابة الدعَاء، ولا يحرص على اغتنام الأوقات، بل ربما فاته بسبب النوم أو التكاسل بعضُ الركعاتِ أو الصلوات.

سادسًا: بعض الناس يشجع أولاده الصغار على الاعتكاف، وهذا أمرٌ حسن، ولكنْ قد يكون  الأولادُ غيرَ متأدبين بأدب الاعتكاف، فيحصل منهم أذية، وإزعاج، وكثرةُ مزاح وكلام، وخروج من المسجد، ونحو ذلك, فإذا كان الأمر كذلك فبيوتهم أولى لهم.

خاتمة: نختم درسنا هذا بفتوى عامة حول الاعتكاف لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- حيث سئل عن حكم الاعتكاف للرجل والمرأة، وهل يشترط له الصيام، وبماذا يشتغل المعتكف، ومتى يدخل معتكفه، ومتى يخرج منه؟ فأجاب -رحمه الله- قائلاً:

الاعتكاف سنة للرجال والنساء لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يعتكف في رمضان، واستقر أخيراً اعتكافه في العشر الأواخر، وكان يعتكف بعض نسائه معه، ثم اعتكفن من بعده، عليه الصلاة والسلام.

ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك, وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم، ولا يشترط له الصوم ولكن مع الصوم أفضل.

والسنة له أن يدخل معتكفه حين ينوي الاعتكاف ويخرج بعد مضي المدة التي نواها, وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك لأن الاعتكاف سنة ولا يجب بالشروع فيه إذا لم يكن منذوراً ويستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.

ويستحب لمن اعتكفها دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ويخرج متى انتهت العشر, وإن قطعه فلا حرج عليه إلا أن يكون منذوراً كما تقدم.

والأفضل أن يتخذ مكاناً معيناً في المسجد يستريح فيه إذا تيسر ذلك، ويشرع للمعتكف أن يكثر من الذكر وقراءة القرآن, والاستغفار والدعاء والصلاة في غير أوقات النهي، ولا حرج أن يزوره أحد وأن يتحدث معه  كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزوره بعض نسائه، ويتحدثن معه، وزارته مرة صفية -رضى الله عنها- وهو معتكف في رمضان، فلما قامت قام معها إلى باب المسجد.15 فدل على أنه لا حرج في ذلك. انتهى كلامه رحمه الله.

اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, ووفِّقْنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، وأحسن عاقبتنا وأكرم مثوانا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين16.

 


1 رواه البخاري -1888- (7/160).

2 رواه مسلم -1994- (6/77).

3 رواه البخاري –1886-(7/157) ومسلم -2006- (6/91).

4 رواه البخاري -1903- (7/190).

5 رواه الترمذي -732- (3/295) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم(803).

6 المغني لـ(ابن قدامة) (6/208), شرح منتهى الإرادات لـ(مَنْصُورُ بْنُ يُونُسَ بْنِ صَلَاحِ الدِّينِ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ )(3/391).

7 زاد المعاد لـ(ابن قيم الجوزية –رحمه الله)(3/82).

8 رواه البخاري -3039- (11/59) ومسلم -4041- (11/151).

9 رواه مسلم -1691- (5/198).

10 صحيح مسلم -3509- (9/486).

11 كشاف القناع عن متن الإقناع  – (6/159).

12 رواه البخاري -1- (1/3) ومسلم -3530- (10/14).

13 رواه البخاري -290- (1/499) ومسلم -448- (2/160).

14 رواه البخاري -1905- (7/194).

15 سبق تخرجه.

16 استفيد الموضوع من المراجع التالية:

1- مجالس شهر رمضان –لفضيلة الشيخ: (محمد بن صالح بن عثيمين –رحمه الله).

2-  دروس رمضان للشيخ (محمد إبراهيم الحمد).

3- مفاهيم إسلامية لـ(أ.د/عاصم أحمد الدسوقي).

4- تذكرة الصوَّام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام لـ(عبد الله بن صالح القصير).

5- تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام لفضيلة الشيخ(عبد العزيز بن عبد الله بن باز –رحمه الله).

6- زاد المعاد لـ(ابن القيم –رحمه الله). 7-المغني لـ(ابن قدامة المقدسي-رحمه الله). 8- فقه السنة لـ(سيد سابق).