أوقات الصلاة في القرآن

أوقات الصلاة في القرآن

من الأمور المهمة التي ينبغي أن تضبط في مساجدنا المباركة مسألة أوقات الصلاة، ولا يتم هذا إلا بمعرفة علامة دخول وقت الصلاة كما بيَّنه الله ​​​​​​​ في كتابه الكريم، وبيَّنه النبي  في سنته المطهرة، ومن ثم يحصل التحري في دخول الوقت حسب ما هو مذكور لكل صلاة.

وكثيراً ما يذكر الناس أوقات الصلاة الموجودة في الأحاديث النبوية الصحيحة، ويغفلون عن أوقات الصلاة التي ذكرت في القرآن الكريم في مواضع ذكرها أهل التفسير حيث جاء في أضواء البيان: “قوله تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً(النساء:103) ذُكر في هذه الآية الكريمة أن الصلاة كانت ولم تزل على المؤمنين كتاباً أي: شيئاً مكتوباً عليهم، واجباً حتماً موقوتاً أي: له أوقات تجب بدخولها، ولم يشر هنا إلى تلك الأوقات، ولكنه أشار لها في مواضع أُخَر كقوله: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (الإسراء:78)، فأشار بقوله: لدلوك الشمس وهو زوالها عن كبد السماء على التحقيق إلى صلاة الظهر والعصر؛ وأشار بقوله: إلى غسق الليل وهو ظلامه إلى صلاة المغرب والعشاء؛ وأشار بقوله: وقرآن الفجر إلى صلاة الصبح، وعبر عنها بالقرآن بمعنى القراءة؛ لأنها ركن فيها من التعبير عن الشيء باسم بعضه، وهذا البيان أوضحته السنة إيضاحاً كلياً، ومن الآيات التي أشير فيها إلى أوقات الصلاة كما قاله جماعة من العلماء قوله تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ (الروم:17-18)، قالوا: المراد بالتسبيح في هذه الآية الصلاة، وأشار بقوله: حين تمسون إلى صلاة المغرب والعشاء، وبقوله: وحين تصبحون إلى صلاة الصبح، وبقوله: وعشياً إلى صلاة العصر، وبقوله: وحين تظهرون إلى صلاة الظهر، وقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ }(هود:114)، وأقرب الأقوال في الآية أنه أشار بطرفي النهار إلى صلاة الصبح أوله، وصلاة الظهر والعصر آخره أي: في النصف الأخير منه، وأشار بزلف من الليل إلى صلاة المغرب والعشاء”1.

وقد ورد خلاف في تأويل قوله تعالى: لدلوك الشمس فقال البعض أن الدلوك الزوال، وقال الآخرون أن الدلوك الغروب، ونقل الخلاف الإمام الشوكاني فقال: “وقد اختلف العلماء في الدلوك المذكور في هذه الآية على قولين: أحدهما: أنه زوال الشمس عن كبد السماء قاله عمر وابنه، وأبو هريرة وأبو برزة، وابن عباس، والحسن، والشعبي وعطاء، ومجاهد وقتادة، والضحاك وأبو جعفر الباقر، واختاره ابن جرير.

والقول الثاني: أنه غروب الشمس قاله علي، وابن مسعود وأبي بن كعب، وروي عن ابن عباس، قال الفراء: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها، قال الأزهري: معنى الدلوك في كلام العرب الزوال، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار: دالكة، وقيل لها إذا أفلت: دالكة لأنها في الحالتين زائلة، قال: والقول عندي أنه زوالها نصف النهار لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس”2.

ويقول الله تعالى في كتابه العزيز: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ(هود:114) يقول الإمام السعدي رحمه الله: “يأمر تعالى بإقامة الصلاة كاملة طرفي النهار أي: أوله وآخره، ويدخل في هذا صلاة الفجر، وصلاتا الظهر والعصر، وزلفاً من الليل ويدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء، ويتناول ذلك قيام الليل فإنها مما تُزَلَّف العبد، وتقربه إلى الله تعالى”3.

ويورد ابن كثير -رحمه الله- احتمالاً عن هذه الآية كونها لا يراد بها الصلوات المفروضة فيقول -رحمه الله-: “وقد يحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء؛ فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها، وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة، ثم نسخ في حق الأمة، وثبت وجوبه عليه، ثم نسخ عنه أيضاً في قول، والله أعلم”4.

ويرد هذا الاحتمال الشنقيطي -رحمه الله- حيث يقول: “الظاهر أن هذا الاحتمال الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بعيد؛ لأن الآية نزلت في أبي اليسر في المدينة بعد فرض الصلوات بزمن، فهي على التحقيق مشيرة لأوقات الصلاة، وهي آية مدنية في سورة مكية، وهذه تفاصيل أوقات الصلاة بأدلتها المبينة لها من السنة، ولا يخفى أن لكل وقت منها أولاً وآخراً، أما أول وقت الظهر فهو زوال الشمس عن كبد السماء بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس فاللام للتوقيت، ودلوك الشمس زوالها عن كبد السماء على التحقيق”5.

وفي قول الله تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ (الروم:17-18) “قال ابن عباس : الصلوات الخمس في القرآن، قيل له: أين؟ فقال: قال الله تعالى: فسبحان الله حين تمسون صلاة المغرب والعشاء، وحين تصبحون صلاة الفجر، وعشياً العصر، وحين تظهرون الظهر، وقاله الضحاك وسعيد بن جبير”6.

ومما سبق نعلم أموراً عظيمة:

– عظمة الصلاة، وأنها الصلة بين العبد وربه، وكم في القرآن من أمر لله بإقامة الصلاة وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ(البقرة:43)، ويقول تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  (البقرة:110)، وقال جل وعلا: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (النور:56) وغير ذلك كثير، فكيف – بالله عليكم – نضيع هذه الصلاة؟ وكيف نؤخرها عن وقتها؟!

– أن هذا الدين ليس عرضة للعقول تعبث فيه، أو تزيد فيه وتنقص، بل هو كامل أتمه الله جل في علاه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (سورة المائدة:3)، ويقول النبي : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد رواه البخاري (2499)، ومسلم (3242).

– تخفيف الله على عباده في العبادة حيث أن أوقات الصلاة مرتبة، ومنظمة، ومفرقة بحيث يؤدي الناس الصلاة ثم يسعون في معايشهم وأعمالهم دون أن يشق عليهم أمر الصلاة: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا (البقرة:286)، ولو تأملنا كيف كانت الصلاة عندما فرضت في بداية الأمر خمسين صلاة وكيف كنا سنؤديها، وكيف ستكون أوقاتها؟ ومتى يذهب الناس إلى أعمالهم؟ ومتى ينامون؟ لعلمنا عظيم رحمة الله بنا، وتمام حكمته في ذلك ولطفه علينا، وهو أرحم الراحمين.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته، وأن يسهل لنا عبادته، وأن يثبت قلوبنا على دينه، والحمد لله رب العالمين.


1 أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/280) للعلامة محمد الأمين الشنقيطي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان، الطبعة: 1415 هـ- 1995م.

2 فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (3/250) لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار النشر: دار الفكر – بيروت.

3 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (1/391) لعبد الرحمن بن ناصر بن السعدي، المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1420هـ -2000 م.

4 تفسير القرآن العظيم (4/355) لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، المحقق: سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420هـ – 1999م.

5 أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/280).

6 الجامع لأحكام القرآن (14/14)، تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار النشر: دار الشعب – القاهرة.