التحذير من استماع الأغاني

التحذير من استماع الأغاني

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

إن نعم الله – تبارك وتعالى – على عباده كثيرة جداً، لا تعد ولا تحصى {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}1، ومن هذه النعم التي أنعم الله بها علينا نعمة السمع الذي ندرك به الأصوات {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}2, فهل أدَّينا شكر هذه النعمة العظيمة؟ وهل جنبنا أسماعنا كل ما يغضب الله – تبارك وتعالى -، أم سمعنا ما حرم الله؟

لقد أخبرنا – سبحانه وتعالى – أننا مسؤلون عن هذه النعمة فقال في محكم التنزيل: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}3، ومن هذه الأشياء المحرمة التي بُلِيَ بها الشباب؛ سماع الأغاني الماجنة والساقطة, وقد دل الكتاب والسنة على تحريمها، وكلامنا هنا سيدور حول موضوع الأغاني وحكمها في الإسلام:

أسماء الغناء في الشريعة الإسلامية:

قال العلامة ابن القيم الجوزية – رحمه الله -: "له (أي الغناء) في الشرع بضعة عشر اسماً: اللهو, واللغو, والباطل, والزور, والمكاء, والتصدية, ورقية الزنا, وقرآن الشيطان, ومنبت النفاق في القلب, والصوت الأحمق, والصوت الفاجر, وصوت الشيطان, ومزمور الشيطان, والسمود".

أسماؤه دلت على أوصافه            تباً لذي الأسماء والأصاف4

ذكر الأدلة على تحريمه من القرآن وأقوال المفسرين عليها:

قال الله – تبارك وتعالى -: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً}5 قال بعض المفسرين: عني به الغناء؛ وقال مجاهد في قوله: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: لا يسمعون الغناء6، وقال أبو جعفر: وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسَّن لأهله حتى قد ظنوا أنه حق؛ وهو باطل، ويدخل فيه الغناء لأنه أيضاً مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحلي سامعه سماعه، والكذب أيضاً قد يدخل فيه لتحسين صاحبه إياه حتى يظنّ صاحبه أنه حق، فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور"7.

ومن الأدلة على تحريمه قول الله – تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}8، روي عن مطر في قول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الحَدِيث} أنه قال: اشتراؤه: استحبابه؛ وقال بعضهم: هو الغناء والاستماع له9.

وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "هو الغناء والاستماع له"10؛ وروي عن جابر – رضي الله عنه – أنه قال: "هو الغناء والاستماع له"11؛ وقال مجاهد – رحمه الله -: "الغناء والاستماع له وكل لهو"12.

وقال الحسن البصري – رحمه الله -: "أنزلت هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} في الغناء والمزامير"13، وسئل عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} فقال: "الغناء والله الذي لا إله إلا هو" يرددها ثلاث مرات؛ وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه الغناء، وكذلك قال عكرمة، وميمون بن مهران, ومكحول؛ وروى شعبة, وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: " الغناء ينبت النفاق في القلب"، وقاله مجاهد، وزاد: "إنه لهو الحديث"14.

– ومن الأدلة على تحريمه قول الله – تبارك وتعالى -: {وَأَنتُمْ سَامِدُونَ}15، وروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله – تعالى -: {سَامِدُونَ} قال: "هو الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن تَغَنَّوا ولعبوا"16.

– ومن الأدلة على تحريمه: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً}17 قال ابن عباس – رضي الله عنه -: " وصوته كل داع يدعو إلى معصية الله تعالى"؛ وقال مجاهد – رحمه الله -: "الغناء والمزامير واللهو".18

ذكر بعض الأدلة على تحريمه من السنة:

عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري – رضي الله عنهما – أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم – يعني الفقير – لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة))19.

وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة))20.

ذكر بعض أقوال أهل العلم على ذلكك

قال عبدالله بن أحمد – رحمه الله -: سألت أبي عن الغناء فقال: "الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني" ثم ذكر قول مالك: "إنما يفعله عندنا الفساق", قال عبدالله: "وسمعت أبي يقول: سمعت يحيى القطان يقول: "لو أن رجلاً عمل بكل رخصة: بقول أهل الكوفة في النبيذ, وأهل المدينة في السماع, وأهل مكة في المتعة لكان فاسقاً"21؛ وقال إسحاق بن عيسى الطباع: سألت مالك بن أنس عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: "إنما يفعله عندنا الفساق"؛ وقال أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري: "أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء، وعن استماعه، وقال: إذا اشترى جارية ووجدها مغنية كان له ردها بالعيب، وهو مذهب سائر أهل المدينة"22، وقال البيهقي – رحمه الله -: "باب الرجل يغنى فيتخذ الغناء صناعة يؤتى عليه، ويأتى له، ويكون منسوباً إليه، مشهوراً به، معروفاً أو المرأة، قال الشافعي – رحمه الله -: "لا تجوز شهادة واحد منهما، وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل، فإن من صنع هذا كان منسوباً إلى السفه وسقاطة المروءة"23، وقال ابن القيم – رحمه الله -: "وأما سماعه من المرأة الأجنبية أو الأمرد فمن أعظم المحرمات وأشدها فساداً للدين، قال الشافعي – رحمه الله -: "وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه، ترد شهادته, وأغلظ القول فيه، وقال: هو دياثة، فمن فعل ذلك كان ديوثاً"؛ وقال القاضي أبو الطيب: "وإنما جعل صاحبها سفيهاً لأنه دعا الناس إلى الباطل، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيهاً فاسقاً"، قال: وكان الشافعي يكره التغبير وهو الطقطقة بالقضيب, ويقول: "وضعته الزنادقة ليشغلوا به عن القرآن", قال: "وأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام, ومستمعه فاسق, واتباع الجماعة أولى من اتباع رجلين مطعون عليهما"24، ثم قال: "وما خالف في الغناء إلا رجلان: إبراهيم بن سعد فإن الساجي حكى عنه: أنه كان لا يرى به بأساً، والثاني: عبيدالله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وهو مطعون فيه، قال أبو بكر الطرطوشي: وهذه الطائفة مخالفة لجماعة المسلمين لأنهم جعلوا الغناء ديناً"25.

وقال ابن القيم – رحمه الله- في النونية:

نزه سماعك إن أردت سماع ذيـ***ـاك الغناء عن هذه الألحان

لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحـ***ـرم ذا وذا يا ذلة الحرمان

إن اختيارك للسماع النازل الـ***أدنى على الأعلى من النقصان

والله أن سماعهم في القلب والـ*** إيمان مثـل السم في الأبدان

والله ما انفك الذي هو دأبــه *** أبـداً من الإشراك بالرحمن

فالقلب بيت الـرب جل جلاله *** حباً وإخلاصـاً مع الإحسان226

عبد الله: راقب الله – تعالى – في كل لحظة من لحظاتك, وفي كل حركة من حركاتك، واعلم أنك عبد لله، وأنك مسؤول بين يديه قال الله – تعالى -: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}27  فهل أعددت الجواب؟!

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يستعملنا في طاعته، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، إنه كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


1 سورة النحل (18).

2 سورة النحل (78).

3 سورة الإسراء (36).

4 إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/237).

5 سورة الفرقان (72).

6 تفسير الطبري (19/313).

7 تفسير الطبري (19/314).

8 سورة لقمان (6).

9 تفسير الطبري (20/127).

10 تفسير الطبري (20/128).

11 تفسير الطبري (20/128).

12 تفسير الطبري (20/129).

13 تفسير ابن كثير (6/331).

14 تفسير القرطبي (14/52).

15 سورة النجم (61).

16 تفسير الطبري (22/559).

17 سورة الإسراء (64).

18 تفسير القرطبي (10/288).

19 رواه البخاري في صحيحه برقم (5268).

20 حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3527).

21 إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/229).

22 تفسير القرطبي (14/55).

23 السنن الكبرى للبيهقي (10/223).

24 إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/230).

25 إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/230).

26 الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (2/80).

27 سورة الإسراء (36).