رسول الله زوجاً

 

 

رسول الله زوجاً

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد أمر الله سبحانه وتعالى الأزواج بمعاشرة الزوجات بالمعروف فقال جل ذكره: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(سورةالنساء:19)، والمعروف: كلمة جامعة لكل فعل وقول وخلق نبيل؛ يقول ابن كثير رحمه الله: “أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله؛ كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(سورةالبقرة:228)”1.

وإذا تأملنا سيرة قدوتنا عليه الصلاة والسلام وأخلاقه فسنرى أنه قد كان أكمل الناس وأعظمهم خلقاً كما قال عنه تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(سورة القلم:4)، وقد استعمل أخلاقه العظيمة والنبيلة مع كل أحد؛ لكننا أحببنا هنا في هذا المقال أن نبرز خلقه  مع زوجاته وفي بيوته لأهمية ذلك، فلقد كان خير زوج لزوجاته جميعاً جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي    قال: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))2، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  :((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خيارهم لنسائهم))3، وفي لفظ: ((وألطفهم بأهله))4،وفي المقابل فقد رهَّب وخوَّف من كان له أكثر من زوجة ثم لم يعدل بينهن فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ­  قال: ((من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل))5، وبهذا أعلن للناس أن العدل بين الزوجات مما أوجب الله ورسوله؛ ويكون ذلك في المبيت،والمسكن، والنفقة.

وبعد: فهذه عبارة عن توطئة ومقدمة لما سيكون حديثنا عنه حول هذا الموضوع، والذي سيدور عن النقاط التالية:

أولاً: حبه عليه الصلاة والسلام لزوجاته، وحرصه على إظهار ذلك.

ثانياً: لينه عليه الصلاة والسلام، وتلطفه مع زوجاته.

ثالثاً: صبره عليه الصلاة والسلام على أذى زوجاته.

رابعاً: وفائه صلى الله عليه وسلم لزوجاته.

خامساً: تواضعه صلى الله عليه وسلم وتعاونه مع زوجاته.

سادساً: مشاورة زوجاته والأخذ بذلك.وإليك بيان ذلك بشيء من التفصيل:

أولاً: حبه عليه الصلاة والسلام لزوجاته، وحرصه على إظهار ذلك:

فمما يلفت النظر في حياة الرسول   الزوجية ليس حبه لزوجاته فقط؛بل حرصه على إظهار ذلك، حيث كان   يظهر ويجاهر بذلك فكان يقول عن خديجة كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: ((إني قد رزقت حبها)) رواه مسلم (4464).

ومن حبه لزوجاته أنه  ذات مرة أبى أن يستضاف لوحده وأراد أن تكون زوجته معه فعن أنس رضي الله عنه أن جاراً لرسول الله فارسياً كان طيب المرق، فصنع لرسول الله ثم جاء يدعوه، فقال: (وهذه؟) يعني عائشة، فقال الفارسي:لا، فقال رسول الله: (وهذه؟) فقال: لا، فقال رسول الله: (لا)، ثم عاد الفارسي يدعوه، فقال رسول الله   : (وهذه؟) فقال: نعم في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله. رواهمسلم (3798).

ومن شدة حبه لزوجاته وإظهاره لذلك علم الناس بذلك وبخاصة حبه لعائشة رضي الله عنها؛فعن عروة قال: “كان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله  أخَّرها حتى إذا كان رسول الله   في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة” رواه البخاري (2393).

ثانياً: لينه عليه الصلاة والسلام، وتلطفه مع زوجاته:

فقد حثَّ عليه الصلاة والسلام الأزواج على التحلي بذلك عند تعاملهم مع زوجاتهم،ورغَّب في كل قول وفعل يؤدي توطيد العلاقة الزوجية وترسيخها؛ فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : ((وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى فِيِّ امرأتك))رواه البخاري (2537).

ومن تلطفه ولينه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أنه كان يبالغ في التلطف معهن إذا مرضت إحداهن، أو اشتكت تقول عائشة رضي الله عنها وهي تروي خبر الإفك: “فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي” رواه مسلم (4974)، فتأمل قولها: “اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي”، وكان   هيناً ليناً مع أزواجه، يحرص على تحقيق ما يرغبنه ويشتهينه إن استطاع، ولم يكن في ذلك محذور؛ فحين حجَّت عائشة رضي الله عنها وحاضت لم تتمكن من أداء عمرتها، فلما جاء وقت الحج أمرها النبي أن تفعل ما يفعل الحاج غير ألا تطوف بالبيت، فلما طهرت وطافت وسعت بين الصفا والمروة؛ حزنت على أن لم تكن اعتمرت كما اعتمر الناس، فقالت: يا رسول الله أيرجع الناس بنسكين وأرجع بنسك واحد؟ وفي رواية: أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر واحد؟ فبعث بها النبي   مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج” رواه مسلم (1211)، وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “وكان رسول الله   رجلاً سهلاً، إذا هويت الشيء تابعها عليه” رواه مسلم (2127) فأين هذا ممن يَعُدُ مجرد موافقة المرأة في رأي سبة وعيباً وعاراً؟.

ثالثاً: صبره عليه الصلاة والسلام على أذى زوجاته:

فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: “استأذن عمر على رسول الله  وعنده نسوة من قريش يعني من أزواجه يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله  ، فدخل عمر ورسول الله يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي  : ((عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب))، فقال عمر: فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله، ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟ فقلن: نعم أنت أفظ وأغلظ” رواه البخاري (3051) ومسلم (4410).

رابعاً: وفاءه لزوجاته:

فقد كان   آية الوفاء في دنيا المروءة، ومن وفائه أنه حفظ لخديجة رضي الله عنها ذكراها بشكل منقطع النظير، وكان يذكرها دائماً بخير، حتى أن عائشة رضي الله عنها لم تغر من امرأة ما غارت من خديجة وهي متوفاة قالت له مرة: “… خديجة خديجة لكأنما ليس في الأرض امرأة إلا خديجة، فتركها فترة، ثم عاد وأمها أم رومان عندها، فقالت له أمها: يا رسول الله مالك ولعائشة، إنها حديثة السن، وأنت أحق من يتجاوز عنها، فلم يدعها حتى أخذ بشدقها معاتباً، وهو يقول لها: ((…ألست القائلة: كأنما ليس على وجه الأرض امرأة إلا خديجة؟)) رواه البخاري (3534).

خامساً: تواضعه وتعاونه مع زوجاته:

فقد كان هو المثل الأعلى في التواضع؛ حيث كان عليه الصلاة والسلام لا يأنف أن يقوم ببعض عمل البيت، ومساعدة الأهل في ذلك، وقد سُئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي   يصنع في بيته؟ قالت: “كان يكون في مهنة أهله (أي: في خدمتهم)، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة” رواه البخاري (635)، وفي رواية: “كان بشراً من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه”6، وفي رواية أخرى: “كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم”7.

سادساً: مشاورة زوجاته والأخذ بمشورتهن:

فقد كان   يستشير زوجاته، ويأخذ برأيهن فيما يعرض عليه من أمور،ومن ذلك ما فعله حين جاءه جبريل أول مرة، فرجع فزعا إلى زوجه خديجة رضي الله عنها وهو يقول: ((زملوني زملوني))، ثم أخبر خديجة بالخبر وقال: ((لقد خشيت على نفسي)) رواه البخاري(3).

وفي البخاري أن رسول الله  قال: ((قوموافانحروا، ثم احلقوا)) قال الراوي: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً”رواه البخاري (2529).

خاتمة:

فإلى كل زوج: عليك أن تقتدي برسول الله   في كل شأن من شؤونك، ومن ذلك الاقتداء والتأسي به في تعاملك مع زوجاتك وأهلك، فإن الزواج آية من آيات الله،وهو مودة ورحمة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم:21).

نسأل الله عز وجل أن يصلح ذات بيننا، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور، والله الموفق.


1 تفسير القرآن العظيم (1/576) لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، المحقق: محمود حسن، دار الفكر.

2 رواه ابن ماجة (1967)، والترمذي (3830)، وقال شعيب الأرناؤوط: “حسن لغيره”؛ كما في صحيح ابن حبان بترتيب ابن حبان (4186).

3 رواه الترمذي (1082)، وأحمد (9735)، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: “صحيح، وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عمرو فمن رجال أصحاب السنن” برقم (7396).

4 أخرجه الترمذي (2537)، وأحمد (32073)، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: “حديث صحيح لغيره” برقم (24721).

5 رواه النسائي (8890 )، وقال الألباني: “صحيح” كما في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1949).

6 رواه  أحمد (26237)، وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة (671).

7 رواه أحمد (23756)، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: “حديث صحيح”.