حسن الخلق

حسن الخلق

حسن الخلق

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، أما بعد:

إن من أساسيات قيام أي حضارة من الحضارات، هو حسن تعامل أبنائها مع بعضهم البعض، وهو ما يمسى في ديننا الإسلامي بحسن الخلق، ومتى ما فقد ذلك كان ذلك مؤذناً بانهيار تلك الحضارة.

وديننا الإسلامي جاء متمماً لمكارم الأخلاق فقد قال عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(1).   قال تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا () وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا () وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا () إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا () وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ( ) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } الفرقان 63-68.

وهذا لقمان الحكيم عندما أراد أن يوصي ابنه بوصايا عظيمة أوصاه بجوامع حسن الخلق قال تعالى على لسانه :{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ () وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ () وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} لقمان 17-19.

لقد جعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – تتميم مكارم الأخلاق هدف من أهداف البعثة، فقال كما في الحديث السابق: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). ولطالما حث عليه الصلاة والسلام على حسن الخلق ورغب فيه فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)(2). وجعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – حسن الخلق دليل واضح على كمال إيمان العبد فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً)(3).

ولقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن حسن الخلق يقود صاحبه إلى أعلى الجنة فعن أبي أمامة الباهل – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)(4). وعندما سئل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أكثر شيء يدخل، أو أعظم سبب يدخل الجنة ذكر أنه حسن الخلق. فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: (تقوى الله وحسن الخلق).(5)

وحسن الخلق من الأمور التي تثقل ميزان العبد يوم القيامة فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)(6) ليس ذلك فسحب بل إن حسن الخلق ليعدل الصلاة والصوم فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة)(7). إن هذه الخصلة – حسن الخلق – لتجعل الإنسان محبوباً. يحبه الله تعالى ويحبه الرسول – صلى الله عليه وسلم – ويحبه الناس. بل إنها لتقرب العبد من النبي – صلى الله عليه وسلم – في يوم القيامة فعن جابر – رضي الله عنه – عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً. وأن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون  والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون)(8). والثرثار: هو كثير الكلام تكلفاً. والمتشدق هو: المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه.

إن حسن الخلق سبب عظيم في دخول كثير من الكفار والمشركين دين الله -عز وجل- فعن أنس – رضي الله عنه – قال: كنت أمشي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذ بردائه حبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء).(9) وهذا يدل على سعة صدر النبي – صلى الله عليه وسلم – وحلمه الشديد على الجاهل. وكم حدثت مواقف شبيهة بذلك فكان حلم النبي – صلى الله عليه وسلم – ورفقه وسعة صدره سبب لإسلام كثير من الناس. وما انتشر الدين في مشارق الأرض ومغاربها إلا بحسن الخلق، فلقد كان المسلمون يذهبون للتجارة في بلاد الكفار والعجم فيرون أخلاق المسلمين ووفائهم وتواضعهم فيكون ذلك سبباً في إسلامهم.

 ولقد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – ببعض الأخلاق خاصة؛ فعن عياض بن حمار – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد)(10)، وحث عليه الصلاة والسلام على التجاوز والسماح والعفو عن الآخرين فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي — صلى الله عليه وسلم — قال:( كان تاجراً يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه)(11).

إن الإنسان ليجد راحة نفسية وسعادة يجدها في صدره وراحة بال إذا خالق الناس بخلق حسن، وهذا أمر مجرب، وإنه ليجد ضيقاً في صدره وضنكاً ونكداً إذا تحلى بالخلق السيئ فلا هو يطيق الناس ولا هم يطيقونه. فلذلك نهى عليه الصلاة والسلام أن يحقر أحداً من المعروف ولو شيئاً يسيراً فعن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)(12).وقد يصنع رجل معروفاً بسيطاً يكون سبباً في دخوله الجنة فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:(مر رجل بغضن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة)(13). ومن حسن الخلق  أن يكون الإنسان رفيقاً غير غليظ فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير)(14). ومن مكارم الأخلاق مقابلة الإحسان بالإحسان والجميل بالجميل وهذا ما حث عليه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فعن ابن عمر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (… ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإلم تجدوا ما تكافئونه فادعوا الله له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)(15).

وهذا قدوتنا النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلمنا حسن الخلق لا بأقواله فقط، وإنما بأفعاله أيضاً فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن أعرابياً بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم النبي – صلى الله عليه وسلم -: دعوه وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)(16). ومن حسن خلقه اختياره لأحسن الألفاظ للتعامل مع الآخرين فعن عائشة – رضي الله عنه – أن يهود أتوا النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: السام عليكم فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله و غضب عليكم. قال: مهلاً يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيَّ)(17).

ومن أخلاقه عفوه عمن أساء إليه فعن جابر – رضي الله عنه – أنه غزا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل نجد، فلما قفل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاة، فنزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وتفرق الناس يستظلون بالشجر. فنزل رسول الله  تحت شجرة وعلق سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول يدعونا وإذا عنده أعرابي، فقال: (إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتاً فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله ثلاثاً، ولم يعاقبه وجلس)(18) . ومن أخلاقه عليه الصلاة والسلام حياؤه الشديد فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – أشد حياءً من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه)(19). ومما قيل في الخلق: قال علي – رضي الله عنه -: حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم وطلب الحلال، والتوسعة على العيال)(20). وعن الحسن – رضي الله عنه – قال: حسن الخلق: الكرم والبذل والاحتمال)(21). وعنه أيضاً: حسن الخلق بسط الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى)(22) وعن ابن المبارك رحمه الله قال في حسن الخلق: أن تحتمل ما يكون من الناس)(23).وقال الإمام أحمد رحمه الله: (حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد)(24). وقال ابن القيم رحمه الله: جمع النبي – صلى الله عليه وسلم – بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه. فتقوى الله توجب محبة الله وحسن الخلق يدعوا الناس إلى محبته)(25) وقد جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: هو أن يكون كثير الحياء قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولاً وقوراً شكوراً، رضياً حليماً، رفيقاً عفيفاً، شفيعاً، لا لعاناً ولا سباباً، ولا نماماً ولا مغتاباً، ولا عجولاً، ولا حقوداً، ولا حسوداً بشاشاً هشاشاً، يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق)(26).

وفي الأخير نسأل الله أن يرزقنا حسن الخلق، وأن يجنبنا أسوأ الأخلاق وأرذلها، إنه سميع قريب مجيب الدعاء،

والحمد لله رب العالمين،،،


 


1– أحمد (4/381) والحاكم (2/613) وقال: على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

2– الترمذي (1978). وقال حديث حسن صحيح.

3– الترمذي (1162). واللفظ له. وأحمد (2/250-472).

4– أبو داوود (4800) واللفظ له.

5– الترمذي (2004). وقال: حديث صحيح غريب.

6– الترمذي (2002)، وقال: حسن صحيح.

7– الترمذي (2003). وأبو داود (4799).

8– الترمذي (2018). وقال: حديث حسن.

9– البخاري مع الفتح (6088) ومسلم (1057) واللفظ له.

10– مسلم (2865).

11– البخاري مع الفتح (2078) واللفظ له. ومسلم (1562).

12– مسلم (2626).

13– مسلم (1914).

14– الترمذي (2013). وقال: حديث حسن صحيح، ومسلم بلفظ (من يحرم الرفق يحرم الخير). (2592).

15– أبو داود (1672). واللفظ له والنسائي (5/82) الزكاة.

16– البخاري مع الفتح (6128). ومسلم (248) من حديث أنس – رضي الله عنه -.

17– البخاري مع الفتح (6030) ومسلم (2165).

18– البخاري مع الفتح (2910). ومسلم (843).

19– البخاري مع الفتح (6102). ومسلم (2320).

20– إحياء علوم الدين (3/57).

21– جامع العلوم  والحكم 160.

22– إحياء علوم الدين (3/75). س

23– جامع العلوم والحكم (160).

24– جامع العلوم والحكم (160).

25– الفوائد (75).

26– إحياء علوم الدين (3/72).