زهرة وفائدة

زهرة وفائدة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله – عز وجل – رحيم بعباده، رؤوف بهم، ومن رحمته أن رتب على بعض الأعمال اليسيرة أجوراً عظيمة، وسنقف مع بعض هذه الأعمال، لنتعرف على فضلها، وما فيها من الأجر والثواب؛ على سبيل التمثيل لا الحصر، فقد جعل الله – عز وجل – الباب مفتوحاً غير مقيد ليتزود العبد من الطاعات والخير {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}1.

الزهرة الأولى: الذكر:

ونقصد به مطلق الذكر، فإن ذكر الله نعمة كبرى، ومنحة عظمى، به تستجلب النعم، وبمثله تدفع النقم، وهو قوت القلوب، وقرة العيون، وسرور النفوس، وروح الحياة، وحياة الأرواح، وما أشد حاجة العباد إليه، وأعظم ضرورتهم إليه، لا يستغنى عنه المسلم بحال من الأحوال، ولما كان بهذه المنزلة الرفيعة، والمكانة العالية؛ فأجدر بالمسلم أن يتعرف على فضله، فقد ورد في فضله الشيء الكثير من النصوص، ومن ذلك:

v أن الله – عز وجل – حدد الذكر بأنه مما تطمئن به القلوب، وجعله من صفات المؤمنين فقال: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}2، أولئك الذين أنابوا إليه – تعالى – إيماناً وتوحيداً، فهداهم إليه صراطاً مستقيماً، فهؤلاء تطمئن قلوبهم فتسكن وتستأنس بذكر الله، وذكر وعده، وذكر صالحي عباده كمحمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، وقوله – تعالى -: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} أي قلوب المؤمنين، أما قلوب الكافرين فإنها تطمئن لذكر الدنيا وملاذها، وقلوب المشركين تطمئن لذكر أصنامهم"3.

v أن الذكر من الأسباب التي يغفر الله بها الذنوب قال – تعالى -: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}4.

v أن الذكر من أفضل الأعمال بل هو خيرها فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله – تعالى -، فقال معاذ بن جبل – رضي الله عنه -: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله))5.

الزهرة الثانية: الصلاة على محمد – صلى الله عليه وآله وسلم -:

وللصلاة على الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – فضل كبير، ومن فضلها:

v صلاة الله – سبحانه وتعالى – على من يصلي على الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – عشر مرات فعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أنه سمع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً … الحديث))6، "قالوا: والصلاة من الله على رسوله، أو من الله على عباده؛ رحمة، فإذا قال – صلى الله عليه وسلم -: اللهم صل على آل فلان، فمعناه: اللهم ارحم آل فلان"7.

v وفي الصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – امتثال أمر الله – سبحانه وتعالى -: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}8.

v وفي الصلاة على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – نفي اسم البخل عن المصلي فعن عبد الله بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده – رضي الله عنهم – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: ((إن البخيل من ذكرت عنده فلم يُصَلِّ عليَّ))9.

الزهرة الثالثة: صلاة اثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة:

وقد جاء في فضلها ما رواه الإمام مسلم عن أم حبيبة – رضي الله عنها – قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُنِيَ له بهن بيت في الجنة))10، قالت أم حبيبة: "فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -".

الزهرة الرابعة: الاستغفار:

وقد ورد في الاستغفار نصوص كثيرة كلها تدل على أهمية الاستغفار وفضله فمن ذلك:

v أن الاستغفار سبب للبركة، والرزق، والقوة، وكثرة الأموال، والأولاد، ونزول المطر قال الله – عز وجل – على لسان هود – عليه السلام -: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ}11، وقال على لسان نوح – عليه السلام -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا }12.

v وعن عبد الله بن بسر – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً))13.

v والاستغفار سبب لمغفرة الذنوب فعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من قال: "أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" ثلاثاً غفرت له ذنوبه وإن كان فاراً من الزحف))14.

الزهرة الخامسة: قراءة القرآن الكريم:

v فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين))15.

v وعن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: "البقرة وسورة آل عمران" فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة))16.

v وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))17.

الزهرة السادسة: قول "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم":

v فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده))18.

الزهرة السابعة: التسبيح، والتحميد، والتهليل:

v فعن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((لأن أقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" أحب إلى مما طلعت عليه الشمس))19.

v وعن مصعب بن سعد قال: حدثني أبى قال: كنا عند رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فقال: ((أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة))20.

v وعن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من قال حين يصبح وحين يمسى: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة؛لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه))21.

v وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: ((من قال: "سبحان الله وبحمده" في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))22.

الزهرة الثامنة: قول لا حول ولا قوة إلا بالله:

v فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: لما غزا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – خيبر، أو قال: لما توجه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -؛ أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله"، فقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً، وهو معكم، وأنا خلف دابة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فسمعني وأنا أقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" فقال: لي يا عبد الله بن قيس!!، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله))23.

v وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من قال – يعني إذا خرج من بيته -: "بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله"، يقال له: كفيت، ووقيت، وتنحى عنه الشيطان))24.

الزهرة التاسعة: الصلاة في وقتها وفي جماعة:

فقد تضافرت النصوص على تفضيل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، ومن خلال هذه النصوص يتبين عظم ثواب صلاة الجماعة، وعظم ثواب العبادة يدل على عظمة هذه العبادة وأفضليتها؛ ذلك لأن الذي يصلي في جماعة يحصل له الكثير من الخير لإحداثه العديد من الطاعات عندما يصلي في جماعة، ومنها: أن حاضر الجماعة يجيب المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، والتبكير إليها في أول الوقت؛ وكلاهما له أجر، ويمشي إلى المسجد وعليه السكينة، وقد ورد في فضل صلاة الجماعة:

v {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} قال ابن كثير: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} "أمرهم أن يركعوا مع الراكعين من أمة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم -، يقول: كونوا معهم ومنهم"25.

v وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة))26.

v وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة؛ لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: "اللهم صل عليه، اللهم ارحمه"، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة))27.

v وعن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصلي ثم ينام))28.

v وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: ((من غدا إلى المسجد وراح؛ أعدَّ الله له نزلة من الجنة كلما غدا أو راح))29.

هذه زهرات من بستان المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – تريد من يقطفها، ويشم عبقها وريحها الزكية، فمن يدخل هذا البستان اليانع، ويقطف هذه الأزهار النبوية؟.

نسأل الله – عز وجل – أن يهدينا سواء السبيل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.


1 سورة البقرة (197).

2 سورة الرعد (28).

3 أيسر التفاسير للجزائري (3/26).

4 سورة الأحزاب (35).

5 سنن الترمذي (3377)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (7/377).

6 صحيح مسلم (875).

7 شرح بلوغ المرام (129/9).

8 سورة الأحزاب (56).

9 المستدرك (2015)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/139).

10 صحيح مسلم (1727).

11 سورة هود (52).

12 سورة نوح (10-12).

13 سنن ابن ماجه (3818)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة (8/318).

14 المستدرك (1884)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (8/77).

15 المستدرك (2041)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (1/8)، وقال: صحيح لغيره.

16 صحيح مسلم (252).

17 سنن الترمذي (2910)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (9/107).

18 البخاري (16/199)، صحيح مسلم (7021).

19 مسلم (3597).

20 مسلم (7027).

21 مسلم (7019).

22 البخاري (6042).

23 البخاري (4202)، ومسلم (7037).

24 سنن الترمذي (3426)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (7/426).

25 تفسير ابن كثير (1/109).

26 البخاري (645).

27 البخاري (647).

28 البخاري (623).

29 البخاري (4750).