لا بد من الاستئذان

لا بد من الاستئذان

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،، أما بعد:

إن من نعمة الله تعالى أن جعل البيوت سكناً يأوي إليها أهلها، تطمئن فيها نفوسهم، وترتاح أجسادهم من عناء الحياة، وتقر فيها عيونهم ويأمنون على حرماتهم، يستترون بها مما يؤذي الأعراض والنفوس، ويتخففون فيها من أعباء الحرص والحذر.

وإن ذلك لا يتحقق على وجهه إلا حين تكون محترمة في حرمتها، لا يستباح حماها إلا بإذن أهلها في الأوقات التي يريدون، وعلى الأحوال التي يشتهون قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (27) (28) سورة النــور.

إن اقتحام البيوت من غير استئذان؛ هتك لتلك الحرمات، وتطلع على العورات، وقد يفضي إلى ما يثير الفتن، أو يهيئ الفرص لغوايات تنشأ من نظرات عابرة. تتبعها نظرات مريبة، تنقلب إلى علاقات آثمة، واستطالات محرمة. وفي الاستئذان وآدابه ما يدفع هاجس الريبة، والمقاصد السيئة.

 إن كل امرئ في بيته قد يكون على حالة خاصة، أو أحاديث سرية، أو شؤون بيتية، فيفجؤه داخل من غير إذن، قريباً كان أو غريباً، وصاحب البيت مستغرق في حديثه، أو مطرق في تفكيره، فيزعجه هذا أو يخجله، فينكسر نظره حياءً، ويتغيظ سخطاً وتبرماً.

ولقد يقصِّر في أدب الاستئذان بعض الأجلاف ممن لا يهمه إلا قضاء حاجته، وتعجُّل مراده، بينما يكون دخوله محرجاً للمزور مثقلاً عليه.

وما كانت آداب الاستئذان وأحكامه إلا من أجل ألا يفرِّط الناس فيه أو في بعضه.

ولا شك أن الذي يرغب في دخول بيت غيره لا يخلو: إما أن يكون أجنبياً أو من محارمه:

فإن كان أجنبياً؛ فلا يحل له الدخول فيه من غير استئذان؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}ومعنى (تستأنسوا)، أي : تستأذنوا؛ سواء كان الساكن في البيت أو لم يكن؛ لقوله تعالى:{فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ}.وسمي الاستئذان استئناساً؛ لأنه إذا استأذن أو سلم؛ أنس أهل البيت بذلك، ولو دخل عليهم بغير إذن؛ لاستوحشوا وشق عليهم.

ولا يفهم من هذا أن المحارم يصح لهم أن يدخلوا البيت من غير استئذان بل الاستئذان في حقهم أيضاً، ومن منا يحب أن يرى أمه أو أخته في صورة غير لائقة، فالأصل أن يستأذن المرء حتى على محارمه ولا يدخل إلى البيت أو الغرفة إلا بعد أن يستأذن فإن أذن له وإلا انصرف راشداً فذلك أزكى له كما ذكر الله ذلك، وفي هذا الأدب الإسلامي صون للبيوت والأعراض.1

أسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته وعبادته، والالتزام بشرعه، إنه سميع قريب مجيب الدعاء، والحمد لله رب العالمين.


1 نقلت بعض العبارات من موقع (المنبر) من خطبة للشيخ/ صالح ابن حميد.