نواقض كلمة التوحيد

نواقض كلمة التوحيد

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً إلى يوم الدين, الحمد لله المتفرد بالكمال والجلال العظيم في سلطانه, العظيم المتعال عز فارتفع وذل كل شيء لعظمته وخضع, المحيي المميت, خلق الخلق وأحصاهم عدداً, القائل سبحانه لشيء إذا أراده كن فيكون, أشهد ألا إله معه ولا رب سواه, وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

فلا يخفى على أحد شرف توحيد الله تبارك وتعالى وإفراده بالعبادة, وإفراده في أفعاله, وإفراده في أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى, ثم اعلم أخي المسلم أن لكلمة التوحيد نواقض تبطل إسلام من فعلها أو ارتكبها، فلا ينتفع بنطقه وقوله لكلمة التوحيد, ولو أكثر من ذلك ما دام ينقضها بأفعاله، وهذا كالشخص الذي يريد أن يصلي ويتوضأ، ثم بعد ذلك يحدث، فإن وضوءه لا يفيد، بل عليه أن يتوضأ مرة أخرى، وكذلك من فعل ناقضاً من نواقض كلمة التوحيد فإنه يخرج من الإسلام، نسأل الله تبارك وتعالى السلامة والعافية, قال العلامة حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله في سلم الأصول:

وبشروط سبعة قد قيدت *** وفي نصوص الوحي حقا وردت

فإنه لم ينتفع قائلها *** بالنطق إلا حيث يستكملها

العلم واليقين والقبول *** والانقياد فادر ما أقول

والصدق والإخلاص والمحبة *** وفقك الله لما أحبه

وسوف نقتصر على ذكر عشر نواقض لكلمة التوحيد وهي التي ذكرها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وهي كالتالي:

الأول: الشرك في عبادة الله، إذ أن الشرك بالله تبارك وتعالى كبيرة من الكبائر الذنوب, وسبب في دخول النار, إذ لا يدخل الجنة رجل أشرك بالله تبارك وتعالى, قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء: 48]، وقال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء: 116], وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[المائدة: 72], ومن ذلك دعاءُ الأموات والاستغاثةُ بهم، والنذرُ والذبحُ لهم، ونحو ذلك، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: 162].

الثاني: من جعل بينه وبين الله تبارك وتعالى وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكّل عليهم فقد كفر إجماعاً، سواءً كانوا أنبياء أم ملائكة أم أولياء, قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[يونس: 18].

الثالث: من لم يُكفِّر المشركين أو شَكَّ في كفرهم أو صحّح مذهبهم كَفَر, بالله تبارك وتعالى, والعياذ بالله.

الرابع: من اعتقد أنَّ هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكملُ من هديه، أو أنَّ حكم غيره أحسنُ من حكمه، فهو كافرٌ؛ وكذلك رفض حكم الله تبارك وتعالى, ورسوله صلى الله عليه وسلم والتحاكم إلى غيرهما من القوانين الوضعية الجاهلية التي ابتلي بها المسلمون في هذا العصر والتي فرضها الاستعمار الكافر لما استولى على معظم بلاد المسلمين ولم يغادرها إلا بعد أن فرض عليها الحكم بقوانين أوروبية بعد تنحية الشريعة الإسلامية, وما خرج من بلاد المسلمين إلا بعد أن وضع فيها أذناباً له مخلصين لمبادئه قال الله تبارك وتعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: 44], وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة: 45], وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[المائدة: 47], ونفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمن يرفض الرجوع إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[النساء: 65].

الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به لكان كافراً والعياذ بالله, كالذين يبغضون الحدود الشرعية، أو الحجاب، أو بعض المظاهر الدينية، فقد كفر، قال الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد: 9], وذلك دليل على نفاقه نسأل الله السلامة, فالمطلوب من المسلم التسليم التام والقبول المطلق لكل ما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

السادس: من استهزأ بشيء من الدين, أو الله تبارك وتعالى, أو بالرسول صلى الله عليه وسلم, أو الثواب, أو العقاب, فقد كفر بالله تبارك وتعالى، ولو كان هذا الساخر والمستهزئ هازلاً مازحاً، فإن أمور الاعتقاد لا مزاح فيها وإنما هي جد قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}[التوبة: 65-66], سواء كان هذا الاستهزاء باللسان, أو بالأقلام كتابة على صفحات الجرائد والمجلات, أو في غيرها، فمن استهزأ حتى ولو بالإشارة بالله ورسوله وآياته كان مرتداً, والعياذ بالله تعالى.

السابع: السحرُ والشعوذة، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}[البقرة: 102], والشاهد من الآية قوله: {… حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ…}.

الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، وموالاتهم, والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: 51], وقال الله تبارك وتعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: 22], فالذين آمنوا ولاؤهم لله تبارك وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا, يحبون لله ويبغضون لله ولو كان أقرب قريب قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: 55], وللمولاة صور متعددة منها: التحالف معهم ضد المسلمين, والقتال تحت رايتهم, والدخول معهم في المنظمات الدولية, وكذلك التجسس لصالحهم, وعدم تكفيرهم ومحبتهم, وتهنئتهم بأعيادهم ومناسباتهم, ومشاركتهم فيها, ودخول كنائسهم, وغير ذلك نسأل الله السلامة.

التاسع: من اعتقد أنَّ بعض الناس يَسَعُه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: 85], قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب قتله"1

العاشر: الإعراض عن دين الله تبارك وتعالى لا يتعلّمه ولا يعمل به، وذلك مثل الإعراض عن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى, أو الإعراض عن العلم الشرعي تعلمه وتعليمه, إذا لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف: 57], وقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}[السجدة: 22], وقال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ}[الأحقاف: 3].  

فهذه عشرة نواقض لكلمة التوحيد, من ارتكب واحدة منها فهو كافر بالله تبارك وتعالى, ولا يكفي مجرد ارتكابها إطلاق التكفير عليه, بل لا بد من إقامة الحجة عليه, وذلك بأن تتحقق الشروط وتنتفي الموانع ثم بعد ذلك يحكم بتكفيره, والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


1 مجموع الفتاوى (3/422).