مجلس أهل الحي

 

مجـلس أهـل الحـي

مقدمة: دور المسجد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين النبي الأمي الذي بعثه الله على حين فترة من الرسل، فبلغ البلاغ المبين وهدى الناس إلى الحق والصواب، صلى الله عليه ما طلع نجم ولاح، وما ظهر كوكب وراح، وما غرد طائر وصاح، وما انتشر عطر وفاح، وعلى آله وصحبه وسلم.. أما بعد:

فإن المسجد يعتبر قطب رحى الحارات والأحياء السكنية، وقلوب الناس المؤمنين تهفو إليه في اليوم مرات عديدة. والمسجد في الإسلام له مكانته وأهميته في واقع الأمة، وقد كان هو المأوى الذي يأوي إليه كثير من التائهين عن الله تعالى.. لقد برز دور المسجد واضحاً جلياً في الأزمنة القريبة من النبوة في عدة نواحي:

  1.  . الناحية التعبدية: بما فيها من خضوع وخشوع لله، وتذكير بالله كل يوم على الأقل خمس مرات، مما يدل على ارتباط المسلم الدائم بهذا المحل الطاهر.

2. الناحية الأخوية: فالأخوة الإيمانية من أعظم علامات الإيمان، وهي الركيزة الثانية التي أسس عليها الرسول مجتمعه؛ حيث بدأ ببناء المسجد، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وتبرز هذه الناحية من خلال الالتقاء الدائم بالأصحاب، والأحباب، والجيران، وحل المشاكل المشتركة والخاصة، في جو مملوء بالأخوة والتعاون.

3. الناحية الإعدادية: بما فيها الإعداد الإيماني والعلمي، وذلك بالدروس العلمية، والكلمات الوعظية و التناصح المستمر. وكذا الإعداد المادي، حيث كان المسلمون يعدون في جميع مجالات حياتهم انطلاقاً من المسجد.

لا يصنع الأبطال إلا *** في مساجدنا الفساح

في روضة القرآن *** في ظل الأحاديث الصحاح

شعب بغير عقيدة *** ورق يذريه الرياح

إن إعداد أهل القيادة والريادة والسيادة من علماء ومصلحين ودعاة ووعاظ كان أساسهم المسجد، وكان المسلمون يجتمعون فيه إذا حزبهم أمر، فهو المأوى وقت الأزمات؛ ليخرج أولئك برأي سديد تجاه ما حزبهم من أمر شديد.

ولقد ورد أن الحبشة كانوا يترامون بالنبل في مسجد رسول الله، والرسول -صلى الله عليه وسلم- ينظر ولا ينكر، وما ذاك إلا ليتعلم أولئك أساليب القتال؛ لدحر الأعداء.

4. الناحية الاجتماعية: لا يكفي المسجد أن يكون موضعاً للعبادة والصلاة، أو التسبيح والاستغفار، إن المسجد -كما تقدم- هو مأوى الناس حيث يجد فيه الفقراء والمحتاجون بلغتهم من المساعدة والعون المادي والمعنوي. وإنه لا بد من أن يكون المسجد الصلة الوثيقة بين أغنياء الأحياء والقرى والأرياف وبين فقرائهم؛ لأن كثيراً من الأغنياء لا يعرفون الفقراء، فلهذا كان المسجد هو حلقة الوصل بين هؤلاء وأولئك، وأقصد بكون المسجد هو حلقة الوصل: أن يكون القائمون عليه من أهل الاحتساب والتفاعل في تلك الحلقة، وإلا لتعطل دور المسجد وأصبح خاملاً، بدل أن يكون مسجداً فاعلاً. وتحقيقاً وتطبيقاً لما سبق من أهمية المسجد ودوره الكبير، فإنه لا يمكن أن يقوم كل ذلك الجهد والنشاط إلا بوجود جماعة تنظم سيره، وتنفذ ما تخطط تنفيذاً يومياً مستمراً، وهذا الأمر يرجع إلى مجموعتين: الأولى: جماعة المسجد بمعنى أن يكون لهم دور كبير في إحياء رسالة المسجد، وهؤلاء هم: الإمام و الخطيب ومدير نشاط المسجد والقيم الذي يهتم بالأذان والنظافة والعلاقات المختلفة. والثانية: أهل الحي؛ لأنه لو ظل النشاط تتحمله جماعة المسجد لظللنا ندور في حلقة مفرغة، وذلك أنه لو لم يكن هناك تنسيق مستمر بين جماعة المسجد وأهل الحي؛ لما أعطى المسجد ثماره المرجوة.. نعم ستكون هناك ثمار تنفذها جماعة المسجد لوحدها لكن ليست كما لو تم التنسيق والارتباط المباشر مع أهل الحي.. والمقصود هنا أن يكون لأهل الحي أو القرية دور فاعل في المسجد في مختلف المجالات، وقد يتحقق كثير من ذلك عبر التنسيق العشوائي غير المنظم، وذلك بدعوة أهل الحي لدعم نشاط معين، فيقوم أولئك بالتفاعل في دعم نشاط معين، وهكذا.. لكن قد يستمر ذلك التفاعل، وقد ينقطع أو يضعف؛ نتيجة للعشوائية في التفاعل والبذل.. وكان من المقترح لأهل المساجد أن يكون لهم مع أهل الحي مجلس مشترك تناقش فيه قضايا عدة لإنجاح رسالة المسجد واستمراريتها.

مجلس أهل الحي

المقصود بالمجلس أن يكون هناك مجلس يناسب المكان الذي يوجد فيه المسجد، بمعنى أن يختار أعضاؤه من تلك البيئة، فقد تكون بيئة غنية أو فقيرة مثقفة أو غير مثقفة… إلخ.. ولا بد من انتقاء أفضل الموجودين، من حيث الوجاهة والعلم، أو من حيث قوة التفاعل وحسن التعامل..

إن إنشاء مجلس لأهل الحي -يكون غرضه دعم المسجد في مسيرته – لأمر هام جداً في ظل زمان أهملت فيه المساجد من قبل الحكومات؛ لأنه في الزمن الأول كان يهتم بأمور المسجد أولياء أمور المسلمين، أما اليوم وقد تغيرت الأحوال، وكثرت الأقوال مع قلة الأفعال، فإنه لا بد من السعي في إنشاء ذلك بشروط:

1. أن يكون غرض المجلس خدمة بيت الله، وتوفير اللازم مما يحتاجه.

2. ألا يؤدي ذلك المجلس إلى خلق مشاكل حزبية، أو مهاترات طائفية.

3. اختيار أعضائه من ذوي الوجاهة والمكانة. والمقصود بالوجاهة – أن يكون من أهل النفوذ، ليكون بذلك حصن يرد عن المسجد كل محاولة استغلال سيء، وهذا مشروط بألا يستغل صاحب الوجاهة المسجد لأغراض تنافي المنهج الحق – منهج أهل السنة والجماعة – ويكون ذلك بمعرفة عدم ارتباطه بأحزاب متعصبة أو أحزاب علمانية. والأولى أن يختار الملتزم بدينه، المستقيم على مبدئه الحق، ويراعى في اختيار أصحاب الوجاهة عدم فرض سيطرتهم وآرائهم على المسجد وسير نشاطه، خاصة مع غرورهم أو جهلهم، وهاتان مصيبتان تكفيان لحل هذا العضو من المجلس. على أنه لا يشترط في الاختيار أن يكون كل الأعضاء من أهل المكانة في الحي، بل يكفي ولو واحداً، ويستحسن أن يكون بقية الأعضاء من أهل الديانة وحب الخير والتفاعل معه.

4. أن يكون لذلك المجلس مديراً أو مسؤولاً؛ لإدارة نشاطه، وهذا مطلوب في كل عمل جماعي، ولا يتم إلا به.

5. أن يختار ذلك المدير برأي أهل المجلس؛ ليكون أقرب إلى القبول والموافقة.

6. أن ترسم الخطط والمشاريع التي تخدم المسجد ويتم تنفيذها أولاً بأول.

7. أن يشتمل نشاط ذلك المجلس على الأمور الآتية:

النشاط الاجتماعي، ويكون بما يلي:

أ‌- تفقد الأسر الفقيرة ومد يد العون لها.

ب‌- تفقد المرضى والمصابين وزيارتهم.

ج‌- مساعدة الشباب على الزواج وتيسيره لهم.

د‌- تنسيق زيارات لمساجد أو أماكن أخرى، كالمستشفيات أو المقابر للاتعاظ.

هـجمع الصدقات وتوزيعها على مستحقيها.

وإيجاد فرص عمل لبعض العاطلين، من خلال إشغالهم في أعمال مناسبة.

النشاط الدعوي، ويكون:

أ‌- دعوة قاطعي الصلاة إلى إقامتها والأخذ على أيديهم.

ب‌- توزيع الكتب والمنشورات الهادفة لمعالجة وضع معين، أو مشكلة في الحارة، أو مشكلة تشغل بال الأمة، أو معالجة خلق.

ج‌- التنسيق مع دعاة لإقامة مختلف الأنشطة الدعوية من: محاضرات، وندوات، وحلقات علمية، أو تربوية وغيرها.

دحث الناس لحضور المحاضرات والندوات، ويكون بدعوات رسمية، كالرسائل، أو المشافهة وغير ذلك.

– أنشطة أخرى:

ومنها: المساهمة في استمرارية الدعم والعطاء لمشاريع المسجد، وإكمال مرافق المسجد من: مدرسة تحفيظ، ومركز تعليم، سواء كان رجالياً أو نسائياً.. والسعي عند فاعلي الخير لإنشاء مشاريع أخرى في الحي، كالقيام بإنشاء مكان خيري لإغاثة الأسر المحتاجة، وهذا يكون بإنشاء مخبز، بحيث يكون مستمر العطاء، ويكفله مجموعة من أهل الجَدِّ والسعة، ويقوم موظفو المشروع بتوزيع الأكل والخبز يومياً لأسر معدودة محصورة محتاجة، مع توزيع الحنان والابتسامة؛ لاكتمال الصورة المشرقة للعمل الإسلامي المجيد. إن كثيراً ممن يقرأ هذا الكلام سيصاب لأول وهلة بالدهشة؟ ويقول: هل هذا الكلام نابع عن عواطف الكاتب؛ ليكمل بذلك مسيرة الخيال؟ أم أننا دائماً نعيش في آمال بلا أعمال! وعندما يستغرب يكون لاستغرابه سبب وجيه، وهو أننا -نحن- عندما لم نمارس مثل هذه الأعمال الخيرية، ولم توجد في كثير من الأحياء، بل والدول، ننشأ هذا الاستغراب!… أما وإن كاتب هذه السطور لم يأت بهذا من فراغ، ولكن مشاهد رأيناها، وسمعنا عنها في كثير من الأحياء، وهي قد تكون مجتمعة وهذا نادر، أو متفرقة يوجد بعضها في مسجد ما لا يوجد في الآخر. إلا أنني جمعتها لعدم استحالتها في نفس الوقت، وبإمكان المخلص لله أن يعملها، وبإمكان الغيور لدينه، والمحب لمجتمعه وإخوانه أن يفعلها ولا غرابة! وهي إن لم تكن موجودة في مكان، فستوجد -بإذن الله- في مكان آخر، وإن لم توجد في زمان معين فستوجد -بمشيئة الله- في زمن آخر ينعم فيه أهله بالإسلام الصحيح، والإحساس بحياة الجد والعطاء والنماء والإحسان.. والموفق الله وحده.