الأذان بآلة التسجيل

الأذان بآلة التسجيل

الأذان بآلة التسجيل

الحمد لله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، والصلاة والسلام على نبينا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن نهل من منهجهم واستمد، أما بعـد:

فالأذان من أفضل العبادات القولية، ومن شعائر الإسلام الظاهرة التي إذا تركها أهل بلد استحقوا العقوبة، وهو العلامة الفارقة بين دار الإسلام ودار الكفر.

وقد شرع للصلوات الخمس المفروضة، والمقصود الأعظم منه هو الإعلام بدخول وقت فريضة من فرائض الصلاة.

وقد ذكر الفقهاء شروطاً لصحته وصفاتٍ تشترط فيمن يؤذن، فمن شروط صحته: وجود النية، فإذا أتى المؤذن بألفاظ الأذان دون قصد لم يصح الأذان -على القول الراجح- فلا بد من أن ينوي المؤذن عند أدائه الأذان أن هذا أذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها.

ومن الصفات المشترطة في المؤذن أن يكون مسلماً عاقلاً ذكراً مميزاً، ولهذا لا يصح الأذان من الصبي غير المميز باتفاق الفقهاء، ولا من السكران والمجنون والمغمى عليه على رأي الجمهور.

وقد جرت العادة أخيراً في بعض بلاد الإسلامية على إذاعة الأذان في المذياع أو بواسطة اسطوانة أو شريط تسجيل تسجل عليه كلمات الأذان، والأصل في هذا التسجيل أن مؤذناً قد ردد كلمات الأذان وسجلوا هذه الكلمات ثم أعادوا إذاعتها بعد ذلك.

والمراد من إذاعة هذا الأذان المسجل هو لفت الناس إلى أن وقت الفريضة قد دخل، ولكن الأذان على حقيقته يتم إذا كان هناك مؤذن بالفعل ينوي عند أدائه الأذان أن هذا أذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها، ثم يجهر بالأذان لإسماع الآخرين.

والأصل إذا كان هناك جماعة يتأهبون لأداء الفريضة أن يؤذن أحدهم لا أن يستعينوا بالاسطوانة أو الشريط، ولهذا فقد صدرت فتاوى وقرارات من الهيئات والمجمعات الفقهية الإسلامية تتضمن عدم الأخذ بذلك، وأنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن الشريط المسجل عليه الأذان، ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأن على المسلمين في كل جهة تقام فيها الصلاة أن يعينوا من بينهم من يحسن أداءه عند دخول وقت الصلاة1.

فمن تلك القرارات قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بشأن حكم الأذان للصلوات في المساجد عن طريق مسجلات الصوت "الكاسيت" ومحاذير ذلك ونصه:

"الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي المنعقد بدورته التاسعة في مكة المكرمة من يوم السبت 12/7/1406هـ إلى يوم السبت 19/7/1406هـ… وبعد استعراض ما تقدم من بحوث وفتاوى والمداولة في ذلك، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تبين له ما يلي:

1-  أن الأذان من شعائر الإسلام التعبدية الظاهرة، المعلومة من الدين بالضرورة بالنص وإجماع المسلمين، ولهذا فالأذان من العلامات الفارقة بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، وقد حكي الاتفاق على أنه لو اتفق أهل بلد على تركه لقوتلوا.

2-  التوارث من المسلمين من تاريخ تشريعه في السنة الأولى من الهجرة وإلى الآن، ينقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصلوات الخمس في كل مسجد وإن تعددت المساجد في البلد الواحد.

3-  في حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)2.

4-  أن النية من شروط الأذان، ولهذا لا يصح من المجنون ولا من السكران ونحوهما؛ لعدم وجود النية في أدائه، فكذلك في التسجيل المذكور.

5-  أن الأذان عبادة بدنية، قال ابن قدامة –رحمه الله-: "وليس للرجل أن يبني على أذان غيره؛ لأنه عبادة بدنية، فلا يصح من شخصين كالصلاة.

6-    أن في توحيد الأذان للمساجد بواسطة مسجل الصوت على الوجه المذكور عدة محاذير ومخاطر منها:

أ- أنه يرتبط بمشروعية الأذان أن لكل صلاة في مسجد سنناً وآداباً، ففي الأذان عن طريق التسجيل تفويت لها وإماتة لنشرها مع فوات شرط النية فيه.

ب- أنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم؛ لما يفضي إليه من ترك الأذان بالكلية والاكتفاء بالتسجيل.

وبناء على ما تقدم فإن مجلس القضاء المجمع الفقهي الإسلامي يقرر ما يلي:

أن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلوات في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الآن.

والله الموفق، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين3.


 


1  انظر فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (2/113، 112) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/67،66) فتوى رقم 4091 ورقم 10189.

2 رواه البخاري (785) ومسلم (674).

3 مستفاد من كتاب أحكام الأذان والنداء والإقامة لـ(سامي بن فراج الحازمي).