علو الإمام أو المأمومين

علو الإمام أو المأمومين

علو الإمام أو المأمومين

 

الحمد لله رب العالمين,والصلاة والسلام على رسول الله,وعلى آله وصحبه.

 أمَّا بعدُ:

فإن التفقه في مسائل الدين من الأمور المحمودة؛ لكي يعبد الإنسان ربه على علم وبصيرة، ومن المسائل التي تهمُّ المسلم فيما يتعلق بالإمامةِ مسألة علو الإمام على المأمومين أو علو المأمومين على الإمام.

 وسوف نبدأ بذكر الكلام في المسألة الأولى وهي:

حكمُ علو الإمامِ على المأمُومين:

اختلف العلماءُ في ذلكَ على قولينِ:

القول الأول: أن علو الإمام على المأمومين مكروه إلا إذا كان لقصد التعليم فلا يكره.

وهو قول الإمام الشافعي وأصحابه،وهو رواية عن الإمام أحمد.. واستدلُّوا على ذلكَ بما يأتي:

عن همام بن الحارث القيسي,قال:صلى بنا حذيفة-رضي الله عنه- على دكان مرتفع فسجد عليه،فجبذه أبو مسعود-رضي الله عنه- فتابعه حذيفة، فلمَّا قضى الصلاة, قال أبو مسعود: أليس قد نُهيَ عن هذا؟ قال حذيفة: ألم ترني قد تابعت.1

فدل الحديث على أن علو الإمام على المأمومين منهي عنه، حيث أنكر ذلك أبو مسعود البدري على حذيفة بن اليمان..

 ومن الأدلةِ أنَّ عمَّار بن ياسر كان بالمدائن فأقيمتِ الصلاة،فتقدَّم عمَّار وقام على دُكَّان يُصلِّي،والناسُ أسفل منه، فتقدَّم حذيفةُ، فأخذ على يديه فاتبعه عمَّار حتى أنزله حذيفةُ، فلمَّا فرغ عمَّار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: " إذا أم الرجل القوم فلا يَقُم في مكان أرفع من مقامهم " أو نحو ذلك، قال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذتَ على يدي.2

والحديث واضح الدلالة.

هذا النهي فيما إذا لم يكن علو الإمام لغير التعليم، فأما إن كان لتعليم الناس الصلاة المشروعة بأحكامها التي يجهلها الناس فإن ذلك جائز؛ لما روي عن سهل بن سعد أنه قال: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام عليه أي المنبر فكبر وكبر الناس وراءه.3

القول الثاني: يكره علو الإمام على المأمومين مطلقاً.. وهو قول الأحناف والمالكية والإمام أحمد في المشهور عنه.

واستدلوا على قولهم هذا بالأدلة السابقة التي استدل بها أصحاب القول الأول.

وعللوا المنع حتى للتعليم بأن المأموم يحتاج أن يرفع بصره ليرى الإمام وهو مرتفع خاصة في الركوع والسجود، ورفع البصر في الصلاة منهي عنه.

والقول الصحيح الذي تدل عليه الأدلة وتجتمع عنده هو القول الأول. والله أعلم.

ثانياً: علو المأموم على الإمام:

الصحيح من أقوال أهل العلم أن علو المأموم على الإمام يجوز من غير كراهة، وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو مذهب المالكية، إلا أنهم استثنوا من ذلك إذا كان الارتفاع تكبراً فإن صلاته باطلة. وهو مذهب الشافعي ومذهب الحنابلة.

والدليل على ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- حيث صلى على سقف المسجد بصلاة الإمام.4

والقول الثاني أنه مكروه إلا من حاجة كأن يبلغ المأموم تكبيرات الإمام كما ذكر ذلك النووي عن الأصحاب من الشافعية. وهو رواية الأصل عن أبي حنيفة.5

إذن نخلص إلى أن علو المأموم على الإمام والعكس من المسائل المختلف فيها بين العلماء، والذي يترجح أن علو الإمام على المأمومين مكروه إلا إذا قصد به التعليم. وأن علو المأمومين جائز غير مكروه إلا إذا قصد به التكبر فهو حرام قطعاً.

وقد جاء في  فتوى للجنة الدائمة في بلد الحرمين حول هذا الموضوع أنه:

يجوز أن يقام المسجد من دورين أو أكثر إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ويلاحظ أثناء الصلاة فيه تأخر المأمومين عن الإمام مع القرب منه حسب الإمكان، بالأدلة الدالة على أفضلية الصف الأول فالأول، والدنو من الإمام وبالله التوفيق.. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.6


1– رواه أبو داود وابنُ خزيمة والشافعي،وقال النووي-في المجموع-: إسناده صحيح(4/169).

2– رواه أبو داود,وحسَّنه الألبانيُّ في صحيح أبي داود,برقم (558).

3– رواه البخاري ومسلم.

4– رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، قال ابن حجر في الفتح (1/486): وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة عن طريق صالح مولى التوأمة، قال: صليت مع أبي هريرة فوق المسجد بصلاة الإمام، وصالح فيه ضعف، لكن رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي هريرة فاعتضد).

5– للزيادة وبيان المصادر انظر أحكام الإمامة والائتمام ص271-276.

6– فتوى رقم 2789 بتاريخ/ 26/1/1400هـ.