أذان الأعمى

 

 

 

 

حكم أذان الأعمى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

إن البصر نعمة عظيمة من نعمة الله-عزوجل-، وهي صفة مستحبة في المؤذن لأن البصير أولى من الأعمى، وذلك لعلمه بدخول الوقت، إلا أنه يصح أذان الأعمى فقد اتّفق الفقهاء جميعاً على صحة أذان الأعمى، وعلى أنه لا يكره إذا كان معه من يخبره بدخول الأوقات، أو إذّا أذّن بعد بصير1.

واستدّلوا على ذلك بما يلي:

أولاً: من السنّة: أن مؤذن النّبيّ عبد الله بن أُمّ مكتوم كان أعمى، كما دلّت على ذلك الأحاديث الصحيحة، ومنها حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- وفيه قوله:”وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت”2.ولا يختلف في حِلّ أذانه3.

أما من المعقول:

1- أن الإعلام يحصل بصوت الأعمى4.

2- أن قول الأعمى مقبول في الأمور الدينية فيكون ملزم5.

3- لإمكان الوقوف على المواقيت من قبل غيره ممن يثق به ويتثبت في أمره6.

4- أن الأعمى لا يوجد العيب في دينه، وإنما العيب في عينيه7.

واختلف الفقهاء في كراهة أذان الأعمى إذا لم يكن معه من يخبره بدخول الأوقات، أو لم يكن مقلّداً لغيره من المؤذنين المبصرين، مع اتفاقهم على صحته-كما تقدم- وذلك على قولين:

1- أنه لا يكره، وهو قول الحنفية والمالكية8.

أدلتهم: استدلّوا بالأدلّة الدالَّة على صحة أذان الأعمى، وعدم كراهته إذا كان معه من يخبره بالأوقات أو أذّن بعد أذان بصير كحديث ابن عمر المتقدم وغيره9.

2- أنه يكره ، وهو قول الشافعية والحنابلة10.

 واستدلوا بما يلي:

أ‌- من الآثار: ما روي عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-أنّه قال: “مَا أُحِبُّ أَن يَكونَ مُؤَذِّنُوكُمْ عُمْيانكُم”11.

ب‌- ما روي عن ابن عباس-رضي الله عنه- أنه كره إقامة الأعمى12.

ج‌- ما روي أن ابن الزبير-رضي الله عنه- كان يكره أن يؤذن المؤذّن وهو أعمى13.

 من المعقول:

1- أن الأعمى لا علم له بدخول الوقت لعدم قدرته على مشاهدة دخول الوقت، وهو في الأصل مبنيّ على المشاهدة14.

2- أنه ربما غلط في الوقت15.

3- أن الأعمى يفوّت على الناس فضيلة أول الوقت وذلك لاشتغاله بمعرفة دخول الوقت بسؤال غيره ونحو ذلك16.

وأخيراً: إن القول بكراهة أذان الأعمى إذا لم يكن معه من يخبره بدخول الأوقات أو لم يكن مقلداً لغيره فهو قول وجيه، وتتأكد الكراهة إذا نصب كمؤذن راتب، وليس معه من يخبره بدخول الأوقات، إلا أنه يلاحظ في وقتنا الحالي أن أذان الأعمى يصح بلا كراهة في الغالب، وذلك لكثرة الوسائل الحديثة التي يعرف بها دخول أوقات الصلوات، وتعدّده17.

 اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،


1 – بدائع الصنائع(1/150)، والمغني (2/69).

2 – متفق عليه.

3 – بدائع الصنائع(1/150).

4 – المصدر السابق.

5 – البحر الرائق(1/279).

6 – بدائع الصنائع(1/150).

7 – مواهب الجليل(1/451).

8 – رد المحتار(1/392).

9 – أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(269).

10 – الأم(1/84).وشرح مسلم للنووي(4/83).

11 – أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/197). رقم (2252).، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات” مجمع الزوائد(2/102).

12 – أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/197) رقم(2253).

13 – أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/197)، رقم (2254). والبيهقي في السنن الكبرى (2/201) رقم (2045).

14 -بدائع الصنائع(1/150).

15 – المغني(2/69).

16 – المجموع(3/111).

17 – راجع: أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(270) بتصرف يسير.