نزع السلاح في المسجد

نزع السلاح في المسجد

نزع السلاح في المسجد

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن لبيوت الله حرمتها ومكانتها، وقد جاءت النصوص الصحيحة بالحث على تعظيمها وتكريمها، وصيانتها، وتطهيرها، كما جاءت بالتحذير والنهي عن العبث بها، وتقذيرها، وتنجيسها، بل جاءت النصوص أيضاً بالنهي عن أذية وترويع روادها وعمارها، ومن تلك النصوص ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم: عن أبي موسى –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها –أو قال-: فليقبض بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء). وفي البخاري ومسلم عن جابر: أن رجلا مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها فأمر أن يأخذ بنصولها لا يخدش مسلما. وفي البخاري عن أبي بردة عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من مرّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها لا يعقر بكفه مسلماً).

قال المناوي -رحمه الله- : "ومحل النهي عن ذلك إن كان النصل غير مغمود، ولا ينافي الحديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد؛ لأن التحفظ في صورة اللعب بالحراب يسهل، بخلاف مجرد المرور فقد يقع بغتة فلا يتحفظ"1..

وقال النووي: "فيه هذا الأدب، وهو الإمساك بنصالها عند إرادة المرور بين الناس في مسجد أو سوق أو غيرهما… وفيه اجتناب كل ما يخاف منه ضرر"2..

وقال ابن بطال: "هذا من تأكيد حرمة المسلم لئلا يروع بها أو يؤذى؛ لأن المساجد مورودة بالخلق، ولاسيما في أوقات الصلوات، فخشي عليه السلام أن يؤذى بها أحد، وهذا من كريم خلقه، ورأفته بالمؤمنين"3..

فذكر في هذا الحديث علة ذلك، وهو: "خشية أن تصيب مسلما من حيث لا يشعر صاحبها، وسوى في ذلك بين السوق والمسجد؛ فإن الناس يجتمعون في الأسواق والمساجد فليس للمسجد خصوصية بذلك حينئذ"4.

وهذا كله "لأن النبال رءوسها محددة، فإذا دخل بها المسجد أو الموضع المزدحم بالناس لم يؤمن أن يجرح بها إنسانًا على حين غفلة، والمسلم حرام سفك قليل دمه وكثيره، وذلك دليل حرمة المسجد أن يجرح فيه أحد من المسلمين، فمن دخله ومعه شيء محدد كسيف، أو خنجر، أو سكين فعليه أن يمسك برءوسها إذا مرَّ بين الناس، مخافة أن يطعن بها أحدًا من المسلمين"5.

وأما الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن عائشة قالت: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا على باب حجرتي، والحبشة يلعبون في المسجد، وفي لفظ: والحبشة يلعبون بحرابهم6.. فأجيب بأنه أذن لهم للتدرب على القتال، وتعليم حمل السلاح والكر والفر، ولأن فيه استعانة على إعداد القوة للكفار، ولأن المتدربين يستطيعون حفظ سلاحهم، ويتحكمون فيه، بخلاف من مرَّ في المسجد بسهام أو نبال حال وجود المصلِّين، فقد يغفل فيجرح بها أحدًا وهو في غفلة7..

هذا ما يتعلق بالأسلحة القديمة، وأما السلاح الآلي المعاصر فإن إدخاله للمسجد في حال السلم والأمن من العبث بالناس خاصة في المدن الآمنة والأماكن المدنية الحديثة، فإن الناس تعودوا فيها وفي مساجدها على السكينة، فمن أشغل الناس بهذه الأسلحة كما هو الواقع في بعض بلدان المسلمين التي ينتشر فيها الفساد والفوضى فقد أخذ بحظه من الإثم..

وإنما يحمل السلاح في أماكن القتال المعروفة ليكون المسلم على حذر، أما أن يزعج الناس بما لا طائل تحته فهو من الفوضى التي لا يرضاها الإسلام ولا يقرها..

فينبغي على المسلم أن يخرج من هذه الدنيا وليس عليه لأحد حق لا في مال ولا عرض ولا دم، و(لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)8، كما أخبر المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.

والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ومن تعمد الأذية بعدما جاءته البينة فقد باء بالإثم العظيم، إنما التسامح مع الجاهل بالحكم الشرعي.. والله المستعان.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين.


 


1 فيض القدير(1/443).

2 شرح النووي على مسلم(16/169).

3 شرح البخاري لابن بطال(3/122).

4 فتح الباري(3/249) ابن رجب.

5  فصول ومسائل تتعلق بالمساجد، صـ(71).

6 رواه البخاري ومسلم.

7 فصول ومسائل تتعلق بالمساجد(72).

8 رواه البخاري.