التفاؤل في زمن اليأس

التفاؤل في زمن اليأس

التفاؤل في زمن اليأس

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على المعلم الأول، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

إن التفاؤل روح تسري في الروح؛ فتجعل الفرد قادراً على مواجهة الحياة وتوظيفها، وتحسين الأداء، ومواجهة الصعاب.

والناس يتفاوتون في ملكاتهم وقدراتهم، ولكن الجميع قادرون على صناعة التفاؤل، فالجبرية المطلقة انتحار، واعتقاد المرء أنه ريشة في مهب الريح، أو رهن للطبائع والأمزجة التي رُكّب عليها أو ورثها عن والديه، أو تلقاها في بيئته الأولى، وأنه ليس أمامه إلا الامتثال؛ كل ذلك يعتبر إهداراً لكرامته الإنسانية، فلا بد من قرار بالتفاؤل؛ فالتفاؤل قرار ينبثق من داخل النفس هذا أولاً.

ثانياً: المظهر والشكل الموحي بالثقة في المشي والحركة، والالتفات والقيام، والقعود والنظر، والكلام والمشاركة مهم؛ فلا تتوهم أن الناس ينظرون إليك بازدراء، واثق الخطوة يمشي ملكاً،

وحتى تلك العيوب أو الأخطاء في مظهرك وشكلك وحركتك عليك ألاّ تقف عندها طويلاً، ولا تعرْها اهتماماً زائداً.

ثالثاً: تدرّب على الابتسامة، وكن جاهزاً لتضحك باعتدال، فتبسّمك في وجه أخيك صدقة، والبسمة تصنع في قلبك وحياتك الكثير خصوصاً إذا كانت ابتسامة حقيقية يتواطأ فيها القلب مع حركة الوجه والشفتين، وليست ابتسامة ميكانيكية.

إن النكت الطريفة في حياة الناس حقيقة قائمة يصنعونها أو يروونها، فالوقورون والمشاهير، والعلماء والساسة، ومن يحافظون على مهابتهم أمام الناس يتبادلون الطرائف والظرف والنكت في مجالسهم الخاصة وأحاديثهم وبيوتهم، وليالي سهرهم وسمرهم، وأحياناً النكت الثقيلة، وقد كان الشافعي – رضي الله عنه – يقول: "ليس من المروءة الوقار في البستان".

ولا شك أن لكل شيء قدراً؛ فليس المقصود أن يتحول الإنسان إلى كائن ضاحك، لا هم له إلا الضحك، ولا بد من وضع الأمر في نصابه، ولكن ينبغي أيضاً أن نتذكر أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي جُبل على الضحك؛ فهي إحدى خصائصه، وعليه أَلّا يهدره1.

تفاؤل النبي – صلى الله عليه وسلم –:

إنّ من الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله بها نبيه الكريم ورسوله العظيم – عليه الصلاة والسلام – صفة التفاؤل، إذ كان – صلى الله عليه وسلم – متفائلاً في كل أموره وأحواله، في حلِّه وترحاله، في حربه وسلمه، في جوعه وعطشه، وفي صحاح الأخبار دليل صدق على هذا، إذ كان – صلى الله عليه وسلم – في أصعب الظروف والأحوال يبشر أصحابه بالفتح والنصر على الأعداء، ويوم مهاجره إلى المدينة فراراً بدينه، وبحثاً عن موطئ قدم لدعوته نجده يبشر عدواً يطارده يريد قتله بكنز سيناله، وسوار مَلِكٍ سيلبسه، وأعظم من ذلك دين حق سيعتنقه، وينعم به ويسعد في رحابه.

نعم إنه التفاؤل، ذلك السلوك الذي يصنع به الرجال مجدهم، ويرفعون به رؤوسهم، فهو نور وقت شدة الظلمات، ومخرج وقت اشتداد الأزمات، ومتنفس وقت ضيق الكربات، وفيه تُحل المشكلات، وتُفك المعضلات، وهذا ما حصل مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عندما تفاءل وتعلق برب الأرض والسماوات؛ فجعل الله له من كل المكائد والشرور والكُرب فرجاً ومخرجاً.

فالرسول – صلى الله عليه وسلم – من صفاته التفاؤل، وكان يحب الفأل ويكره التشاؤم، ففي الحديث الصحيح عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ: الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ)2 والطيرة هي التشاؤم.

وإذا تتبعنا مواقفه – صلى الله عليه وسلم – في جميع أحواله فسوف نجدها مليئة بالتفاؤل والرجاء، وحسن الظن بالله، بعيدة عن التشاؤم الذي لا يأتي بخير أبداً.

فمن تلك المواقف ما حصل له – صلى الله عليه وسلم – ولصاحبه أبي بكر – رضي الله عنه – وهما في طريق الهجرة، وقد طاردهما سراقة، فدعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فساخت قدما فرس سراقة – أي غاصت قوائمها في الأرض – إلى بطنه3.

ومنها تفاؤله – صلى الله عليه وسلم – وهو في الغار مع صاحبه، والكفار على باب الغار وقد أعمى الله أبصارهم، فعن أنس عن أبي بكر – رضي الله عنهما – قال: (كنت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في الغار، فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: (اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)4.

ومنها تفاؤله بالنصر في غزوة بدر، وإخباره – صلى الله عليه وسلم – بمصرع رؤوس الكفر وصناديد قريش.

ومنها تفاؤله – صلى الله عليه وسلم – عند حفر الخندق حول المدينة، وذكره لمدائن كسرى وقيصر والحبشة، والتبشير بفتحها وسيادة المسلمين عليها.

ومنها تفاؤله – صلى الله عليه وسلم – بشفاء المريض، وزوال وجعه بمسحه عليه بيده اليمنى وقوله: (لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)5، كل ذلك وغيره كثير مما يدل على تحلِّيه – صلى الله عليه وسلم – بهذه الصفة الكريمة.

فما أحوج الناس اليوم إلى اتباع سيرة نبينا – صلى الله عليه وسلم -، والله يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) سورة الأحزاب.

إن واقع أمة الإسلام اليوم، وما هي فيه من محن ورزايا؛ ليستدعي إحياء صفة التفاؤل، تلك الصفة التي تعيد الهمة لأصحابها، وتضيء الطريق لأهله6.

 

التفاؤل في زمن اليأس:

ونحن نرى ما نرى من الابتلاءات والشدائد التي تمر به أمة الإسلام من قتل وتشريد، وبعد عن الإسلام وهجر له، وشماتة بالمسلمين، وما رافق ذلك من المعاصي والذنوب، وبالتالي الفتن والمصائب هنا وهناك؛ لابد أيضاً أن نفتح أعيينا على الجوانب المشرقة التي تحققت للأمة في العقدين الأخيرين على مستوى الشعوب على الأقل؟! فمن ذا الذي ينكر هذا الخير العميم الذي انتشر في بلاد الإسلام؟ ومن الذي يكابر في هذه الأفواج الكبيرة العائدة إلى الله، أو الداخلة في دين الله – تعالى-؟! كم هم حفظة القرآن؟ كم هم المشتغلون بحفظ السنة؟ ألم تر عينك أفواج الشباب التي تعتكف في الحرمين في العشر الأواخر من رمضان؟ ألم تسمع عن أخبار المجاهدين الذين رووا أرض الجهاد بدمائهم في فلسطين، وأفغانستان، والشيشان، وكشمير، والعراق وغيرها من البلاد؟! متى كان الشباب يعلنون أن أغلى أمانيهم أن يموت أحدهم شهيداً؟! كم هن النساء اللاتي عدن إلى الحجاب وهن في وسط الفتن، رغم قوة الصوارف والمغريات؟!

إن هذه مكاسب كبرى يجب أن تكون رافعةً لهمتنا، ومبشرةً لنا بأن عمل من سبقنا من المصلحين – رغم ضعف إمكانياتهم، وقلة اتصالاتهم – آتى ثماراً يانعة.

إن بشائر النصر تلوح في الأفق، وهي – بمقياس الزمن الطويل – ليست ببعيدة – بإذن الله -، ولكننا – أحياناً – نستعجل، وربنا لا يعجل لعجلتنا.

يقال هذا، وتُذكر هذه البشائر؛ ونحن جميعاً نعلم أن في الأمة جوانب كثيرة تحتاج إلى إصلاح، نعم لكن لماذا نستمر في جلد ذواتنا، وتحطيمِ ما شُيِّد من جهود كبيرة، وكأننا لا نملك أي بصيص من الأمل؟! قلب نظرك – أخي – في صفحات التاريخ فستجد أن الأمة مر بها أنواع من الفتن والابتلاءات أضعفتها، وأنهكتها فترة من الزمن، ولكنها عادت بعد ذلك قويةً، وحسبنا هنا أن نشير إلى إحدى الابتلاءات الكبار التي تعرضت لها الأمة وهي غزو التتار، ونسوق كلام عالمين أرّخا ورصدا مشاعر الأمة في تلك الفتنة العمياء الصماء، أحدهما أدرك أولها، والآخر أدرك آخرها.

أما الذي أدرك أولها فهو العلامة ابن الأثير في كتابه "الكامل" 10 / 399 – حيث يقول – في أحداث سنة 617هـ: "لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدم رجلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسياً منسياً، إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله – سبحانه وتعالى – آدم وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها.

ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بختنصر ببني إسرائيل من القتل وتخريب البيت المقدس وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج، وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه، وهؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"

وهذا الوصف من ابن الأثير وهو بعد لم يدرك تلك الفاجعة العظمى والنكبة الكبرى لسقوط بغداد، ونهاية الخلافة الإسلامية الكبرى، يقول ذلك وهو لم يعلم بتجاوز التتار بلاد العراق إلى بلاد الشام، وما تبع ذلك من مآس ومصائب والتي وصفها إمام آخر وقف على أحداثها يصفها ويشخص فيها أحوال الناس، ويصور مشاعرهم ومواقفهم بدقه وخبرة؛ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حين يقول: "فينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسنة الله وأيامه في عباده ودأب الأمم وعاداتهم، لاسيما في مثل هذه الحادثة العظيمة التي طبق الخافقين خبرُها، واستطار في جميع ديار الإسلام شررها، وأطلع فيها النفاق ناصية رأسه، وكشر فيها الكفر عن أنيابه وأضراسه، وكاد فيها عمود الكتاب أن يجتث ويخترم، وحبلُ الإيمان أن ينقطع وينصرم، ودارُ المؤمنين أن يحل بها البوار، وأن يزول هذا الدين باستيلاء الفجرة التتار، وظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض أنْ ما وعدهم الله ورسوله إلا غرورا، وأن لن ينقلب حزب الله ورسوله إلى أهليهم أبداً، ونزلت فتنة تركت الحليم فيها حيران، وأنزلت الرجل الصاحي منزلة السكران، وتركت اللبيب لكثرة الوساوس ليس بالنائم ولا اليقظان، وتناكرت فيها قلوب المعارف والإخوان حتى بقي للرجل بنفسه شغل عن أن يغيث اللهفان، وميز الله فيها أهل البصائر والإيقان من الذين في قلوبهم مرض أو نفاق أو ضعف إيمان، ورفع بها أقواماً إلى الدرجات العالية، كما خفض بها أقواماً إلى المنازل الهاوية، وكفّر بها عن آخرين أعمالهم الخاطئة، وحدث من أنواع البلوى ما جعلها قيامه مختصرة من القيامة الكبرى… وفرّ الرجل فيها من أخيه، وأمه وأبيه، إذْ كان لكل امرئ منهم شأن يغنيه، وكان من الناس من أقصى همته النجاة بنفسه لا يلوي على ماله ولا ولده ولا عرسِه، وبليت فيها السرائر، وظهرت الخبايا التي كانت تكنها الضمائر، وتبين أن البهرج من الأقوال والأعمال يخون صاحبه أحوج ما كان إليه في المآل" انتهى كلامه – رحمه الله -.

ثم لا بد أن نعلم أن من حكم الابتلاء: تمحيص الصفوف، تكفير الذنوب، وهذا أمرٌ بين، فكم هم الدخلاء على الصف الإسلامي الذين لا يعرفهم إلا الندرة من الناس، فإذا جاءت مثل هذه المحن والابتلاءات ميّزت الطيب من الخبيث، وشرح ذلك يطول جداً.

هذا دين الله الذي تكفّل بنصره، وأمرنا بأن نسعى لذلك، ولم يكلفنا أن نحصد ثمرة النصر، بل هذه لم تطلب من الأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام -.

تأمل أخي.. لقد مات النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو لم يفتتح من بلاد الإسلام القائمة اليوم إلا ما يشكل الربع تقريباً أو أقل، ولكن تابع أصحابه والتابعون لهم بإحسان الفتوحات، فوصلوا إلى حدود الصين شرقاً، وإلى جنوب فرنسا غرباً، وكل ذلك محسوب ومضاف إلى رصيده.

فالواجب علينا أن نتبنى مشروعات دعوية تقوم على العمل المؤسسي – إن أمكن – لأن ذلك أدعى لاستمرارها وبقائها، إذ لن يؤثر عليها موت شخص أو سجنه، بل هي تسير وفق خطة وسياسة واضحة يتلقاها اللاحق عن السابق.

وإني لأعجب من مسلم يقرأ قوله – تعالى-: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (171-173) سورة الصافات, كيف يدب اليأس إلى قلبه؟

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقله عنه ابن عبد الهادي في "اختيارات ابن تيمية ص (70-71): "وهذا يشكل على بعض الناس، فيقول: الرسل قد قتل بعضهم فكيف يكونون منصورين؟ فيقال: القتل إذا كان على وجهٍ فيه عزة الدين وأهله كان هذا من كمال النصر، فإن الموت لا بد منه، فإذا مات ميتةً يكون بها سعيداً في الآخرة فهذا غاية النصر، كما كان حال نبينا – صلى الله عليه وسلم -، فإنه استشهد طائفة من أصحابه فصاروا إلى أعظم كرامة، ومن بقي كان عزيزاً منصوراً، وكذلك كان الصحابة يقولون للكفار: أخبرنا نبينا أنّ من قتل منا دخل الجنة، ومن عاش منّا ملك رقابكم، فالمقتول إذا قتل على هذا الوجه كان ذلك من تمام نصره، ونَصْرِ أصحابه، ومن هذا الباب حديث الغلام الذي رواه مسلمٌ لما اتبع دين الراهب، وترك دين الساحر، وأرادوا قتله مرة بعد مرة فلم يستطيعوا، حتى أعلمهم بأنه يقتل إذا قال الملك: بسم الله رب الغلام، ثم يرميه، ولما قتل آمن الناس كلهم، فكان هذا نصراً لدينه" انتهى كلامه.

وفي ظل هذه الفتن، وتتابع هذه المصائب؛ يجب ألا تشغلنا هذه الفتن عن عباداتنا الخاصة بيننا وبين ربنا، فالضرورة تتأكد بوجوب العناية بإصلاح القلب، وهذا يتحقق بأمور منها:

أ – التعلق بالله – عز وجل – دائماً، واللجوء إليه، وكثرة الإلحاح عليه بالدعاء، فإن الله – تعالى- نعى على قومٍ أصيبوا بالضراء، فلم يكن ذلك سبباً في تضرعهم قال – تعالى-: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (42-43) سورة الأنعام.

فما أحوجنا إلى اللجوء والتضرع إلى ربنا في كشف ضرنا، وإصلاح أحوالنا، والاستغاثة به في طلب النصر، وكبت العدو وخذلانه.

ب- لا بد لكل واحدٍ منا من عبادة يلازمها، ويكثر منها، مع العناية ببقية العبادات، فإن للعبادة أثراً عظيماً في سكون القلب، واستقرار النفس.

وسبب ذلك – والله أعلم – أنه في زمن الفتن يخف أمر الدين، ويقل الاعتناء بأمره، ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه، ومعاشه، ونفسه وما يتعلق به.

فمن فتح عليه في نوافل الصلوات، أو في الصيام، أو في الصدقة، أو في قراءة القرآن، أو في غيرها من العبادات؛ فليلزمها، وليكثر منها، فإنها من وسائل الثبات بإذن الله – تعالى-.

ج – الإقبال على قراءة القرآن بتدبر، وقراءته قراءة المستشفي به، الطالب للهدى منه، المحرك لقلبه به، فإن ذلك من أعظم الأدوية وأنفعها للقلب خصوصاً في هذه الأزمنة التي انفرط عقد الفتن ولا حول ولا قوة إلا بالله7.

نسأل الله تعالى أن يعلي شأن هذه الأمة، وأن ينصر دينه إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.


 


1  موقع الإسلام اليوم من مقال ل د. سلمان بن فهد العودة.   

2 رواه البخاري (5424) ومسلم (2224).

3  رواه البخاري (3419) ومسلم (3419).

4 رواه البخاري (3707) ومسلم (2381) واللفظ للبخاري.

5  رواه البخاري (5332)

6  موقع الشبكة الإسلامية.

7 مستفاد بتصرف من كتاب: "الأمة بين سنتي الابتلاء والعمل" (ج 1 / ص 65).