النداء بالصلاة في الرحال

الأذان والنداء بالصلاة في الرَّح

 

الأذان والنداء بالصلاة في الرَّحال

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد,وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعدُ:

لم يكن النداءُ بالصَّلاةِ في الرَّحالِ بعيداً عن كلامِ الفُقهاء، فقد اتفقَ الفقهاءُ على مشروعيَّةِ قولِ المؤذِّنِ عندَ المطرِ أو الرِّيحِ أو البردِ:"ألا صلُّوا في رِحَالِكم"، أو " الصلاة في الرِّحَال"1، استدلُّوا على ذلك بأدلَّةٍ,منها:

1-  ما رُوي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه-:" أنه أذَّن بالصلاة- في ليلة ذات برد وريح-ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله-صلى الله عليه وسلم –كان يأمر المؤذن –إذا كانت ليلة ذات برد ومطر- يقول:"ألا صلوا في الرحال"2.

2-  حديث أسامة الهذلي-رضي الله عنه-:" أنَّ يوم حُنين كان يوم مطرٍ, فأمر النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم –مناديه أن الصلاة في الرحال"3.

3-  وعن أسامة الهذلي-رضي الله عنه-أنه قال:"لقد رأيتنا مع رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-يوم الحديبية وأصابتنا سماء لم تبلَّ أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"صلوا في رحالكم"4.

موضع قول المؤذن "الصلاة في الرحال" من الأذان:

اختلف الفقهاء في موضع هذه الجملة: "الصلاة في الرحال"أو" ألا صلّوا في رحالكم" بعد اتفاقهم على مشروعيتها، هل تُقال أثناء الأذان أم بعد الفراغ منه؟ على أربعة أقوال:

1-      أنها تقال في أثناء الأذان بدلاً من الحيعلة، وهو وجه للشافعية وظاهر مذهب الحنابلة5.

أدلتهم:

أ‌-    عن عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ,قالَ:"خطبنا ابنُ عبَّاس في يوم ردغ6، فلمَّا بلغ المؤذنُ حي على الصلاة فأمره أنْ يُنادي: الصلاة في الرِّحَال، فنظر القومُ بعضُهم إلى بعضٍ، فقالَ: فعل هذا مَنْ هو خيرٌ منهُ وإنها عَزمة"7.

ب‌-  وفي روايةٍ:" أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أنَّ محمداً رسولُ الله، فلا تقُلْ: حي على الصلاة، قل: "صلُّوا في بيوتكم"8، وجه الدلالة أنَّ الحديثَ صريحٌ في أنها تقال بدلاً من الحيعلة،حيث قال له:" فلا تقلْ حيّ على الصلاة"9.

2-      أنها تقال في أثناء الأذان,ولكن بعد الحيعلة(فيجمع بينها وبين الحيعلة) وهو وجه للشافعية10.

    أدلتهم:

أ‌-  حديث نعيم بن النحام، قال: سمعت مؤذن النبي-صلى الله عليه وسلم-في ليلة باردة وأنا في لحاف فتمنيت أن يقول: صلوا في رحالكم، فلما بلغ حي على الفلاح، قال: صلوا في رحالكم، ثم سألت عنها فإذا النبي- صلى الله عليه وسلم- كان أمر بذلك11. وفي رواية قال: فقلت: " ليت المنادي قال: ومن قعد فلا حرج ، فلما قال" الصلاة خير من النوم" ، قال : " ومن قد فلا حرج".

ب‌- عن رجل من ثقيف: " أنه سمع منادي النبي-صلى الله عليه وسلم-يعني في ليلة مطيرة في السفر- يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، صلُّوا في رحالكم"12 وجه الدلالة من هذينِ الحديثينِ أنهما صريحان في الجمع بين الحيعلةِ وقول المؤذِّن" صلُّوا في رحالِكم"13

3-      أنَّها تُقال بعد الفَرَاغِ من الأذانِ، وهُو مذهبُ الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ، ووجهٌ للشافعيَّةِ14.

أدلتهم:

 عن نافع قال:" أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان15، ثم قال: " صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم–كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر"16. وجه الدلالة أن قوله" ثم يقول على إثره"، صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان"17.

4-   أن الأمر في هذا واسع، سواء قالها في أثناء الأذان أو بعد الفراغ منه فكله جائز، ولكن الأولى أن يكون بعد الفراغ منه، وهو رأي لبعض الحنفية، ومذهب الشافعية18.

أدلتهم :الأحاديث المتقدمة في أدلة الأقوال الأخرى- ولكن قوله بعد الأذان أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه"19.

خلاصة المسألة:

 أن الأمر في هذا واسع، فقد ثبت في السنّة جميع ما قيل في الأقوال السابقة، ولا منافاة بين الأحاديث الواردة في ذلك؛ لأن هذا جرى في وقت, وذلك في وقت، والكلُّ صحيحٌ20.

والله الموفق،،


1 – المجموع(3/136). وعمدة القاري(5/128).

2 – البخاري(666).

3 – رواه أبو داود(1057).،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود(1/292).

4 – رواه ابن ماجه(936). وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.

5 – انظر : فتح الباري(2/117).

6 – جمع ردغة وهو : طين ووحل كثير.(النهاية (2/197).

7 – البخاري(616).

8 – مسلم (699).

9 – أحكام الأذان والإقامة(104).

10 – راجع: نهاية المحتاج(1/304).

11 – رواه أحمد.

12 سنن النسائي (652).

13 – أحكام الأذان والإقامة ص (106).

14 –  عمدة القاري(5/128).

15 – جبل بناحية مكة.

16 – البخاري(632).، ومسلم(697).

17 – فتح الباري(2/134).

18 -المجموع(3/136).

19 – شرح مسلم للنووي(5/207).

20 – انظر: شرح مسلم للنووي(5/207).