الاذان والاقامة في السفر

 

 

الأذان والإقامة للصلوات الخمس في السفر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:

فقد اتفق الفقهاء على استحباب الأذان والإقامة في السفر للمنفرد والجماعة، إلا ما ذكره بعض المالكية عن الإمام مالك بعدم استحباب الأذان للمسافر(1). وقد استدلّ الفقهاء على استحباب ذلك بأدلّة، منها ما يلي:

1- حديث مالك بن الحويرث-رضي الله عنه-قال: “أتى رجلان إلى النبي  يريدان السفر، فقال النبي  🙁إذا أنتما خرجتما فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما)(2).

2- حديث عقبة بن عامر-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله  يقول: (يعجب ربك- عزوجل-من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن للصلاة ويصلي….) (3).

3- حديث سلمان الفارسي-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله  🙁إذا كان الرجل بأرض قِيٍّ(4)فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه)(5).

4- حديث أبي قتادة-رضي الله عنه-:”سرنا مع النبي ليلة، فقال بعض القوم: لو عرَّست(6) بنا يا رسول الله!، قال: (أخاف أن تناموا عن الصلاة)، قال: بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي وقد طلع حاجب(7) الشمس، فقال: (يا بلال! أين ما قلت؟) قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط. قال: (إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء, يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة), فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى”(8).

5- حديث عبد الرحمن بن أبي صعصعة-رضي الله عنه- أن أبا سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال له النبي  : (إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك-أو باديتك-فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن, ولا إنس, ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله  (9).

6- حديث أنس بن مالك، في قصة سماعهم لأذان صحاب المعز, والذي فيه أن رسول الله  كان يغير إذا طلع الفجر, وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله  : (على الفطرة)، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله  : (خرجت من النار)، فنظروا فإذا هو راعي معزى”(10).

وأما ما نقل عن الإمام مالك فقد استدلّ له بما يلي:

1- ما روي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- أنه كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلّا في الصبح فإنه كان ينادي فيها، ويقيم، وكان يقول: “إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه”(11).

2- ما روي عن عليّ بن أبي طالب-رضي الله عنه-أنه قال في المسافر: “إن شاء أذّن وأقام وإن شاء أقام”(12).

الترجيح:

يلاحظ من هذه الأدلة أن مذهب جمهور الفقهاء من استحباب الأذان والإقامة مطلقاً هو الراجح، وذلك لما يلي:

1- أن الأحاديث دلّت على أن الأذان والإقامة من شأن الصلاة لا يدعها مسافر ولا حاضر(13).

2- أثبتت تلك الأحاديث أن من سنّة النبي   الأذان والإقامة للصلوات في السفر، وأثبتت أيضاً أمره بذلك(14).

3- أن المقصود من الأذان لم ينحصر في الإعلام، بل كل منه ومن الإعلام بهذا الذكر نشراً لذكر الله ودينه في أرضه, وتذكيراً لعباده من الجنّ والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات من العباد(15).وإظهاراً لشعائر الإسلام(16). فدلّ على إبطال قول من زعم أنه لا معنى له إلا ليجمع الناس، بل له فضل كثير جاءت به الآثار(17).

إن ترك المسافر الأذان دون الإقامة، لم يكره باتفاق جمهور الفقهاء القائلين باستحباب الأذان والإقامة في السفر(18).

أما من تركها جميعاً أو ترك الإقامة فقد صرّح بكراهة ذلك فقهاء الحنفية، وهو الظاهر من كلام المالكية والحنابلة(19).

وعلّلوا ذلك بما يلي:

1- أنَّ من ترك الأذان والإقامة في السفر، فقد خالف الأمر المذكور في حديث مالك بن الحويرث(20).

2- ما روي عن عليّ-رضي الله عنه-أنه قال في المسافر: “إن شاء أذّن وأقام وإن شاء أقام”.

ووجه الدلالة من ذلك:

أن عليَّا-رضي الله عنه-لا يرى بأساً بترك الأذان في السفر، دون الإقامة.

3- أن السفر سبب الرخصة وقد أثر في سقوط شطر، فجاز أن يؤثر في سقوط أحد الأذانين، إلا أن الإقامة آكد ثبوتاً من الأذان فيسقط شطر الأذان دون الإقامة(21).

4- أن الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة ليحضروا، والقوم في السفر حاضرون، والإقامة للإعلام بالشروع في الصلاة وهم إليها محتاجون(22).

5- أن الأذان والإقامة من لوازم الجماعة، والسفر لا يسقط الجماعة فلا يسقط ما هو من لوازمها الشرعية(23)(24).

والله أعلم والهادي إلى سواء السبيل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد, والحمد لله رب العالمين،،،



1 – بدائع الصنائع(1/153).

2 – البخاري، كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد رقم(630).

3 – أبو داود في الصلاة باب الأذان في السفر..وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (1062)، وصحيح الجامع رقم(8102).

4 – الأرض القفر الخالية.

5 – أخرجه عبد الرزاق في المصنف(1/510) برقم(1955)، وابن أبي شيبة موقوفاً على سلمان(2/198).برقم (2277)، والبيهقي في السنن الكبرى(2/165).برقم(1946). وصحح وقفه ثم قال: ” وقد روي مرفوعاً، ولا يصحّ رفعه).

6 – التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة.(النهاية(3/186).)

7 – ناحية منها (لسان العرب(3/51).)

8 -متفق عليه.

9 –  البخاري، كتاب الأذان، باب رفع الصوت بالنداء رقم(609).

10 – مسلم في كتاب الصلاة ، باب الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان  رقم(382).

11 – مالك في الموطأ(1/69)رقم(160)، والبيهقي في السنن الكبرى(2/177). رقم (1983).

12 – البيهقي في السنن الكبرى(2/178).

13 – التمهيد(3/58).

14 – شرح موطأ الإمام مالك للزرقاني(1/224).

15 – فتح القدير(1/254).

16 – مواهب الجليل للحطاب(1/450).

17 – شرح موطأ الإمام مالك للزرقاني(1/225).

18 – بدائع الصنائع (1/153).

19 -بدائع الصنائع(1/153).

20 – فتح القدير(1/255).

21 – المبسوط(1/132).

22 – بدائع الصنائع(1/153).

23 -فتح القدير(1/255).

24 – راجع: أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(301-304).