متابعة المؤذن عند الإفطار

متابعة المؤذن عند الإفطار

متابعة المؤذن عند الإفطار

 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه, وسلَّم تسليماً كثيراً, أما بعد: فقد اختلف العلماء في حكم إجابة المؤذن ومتابعته في كلمات الأذان والصحيح -وهو قول جمهور العلماء- أن متابعته مستحبة غير واجبة, وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة.

قال النووي -رحمه الله-: "مذهبنا أن المتابعة سنة ليست بواجبة، وبه قال جمهور العلماء، وحكى الطحاوي خلافاً لبعض السلف في إيجابها"1. وعن الإمام أحمد أنه قال: "وإن لم يقل كقوله فلا بأس"2.

ويدل على ذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام- لمالك بن الحويرث ومن معه: (إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)3.

فهذا يدل على أن المتابعة لا تجب، ووجه الدلالة: أن المقام مقام تعليم، وتدعو الحاجة إلى بيان كل ما يحتاج إليه، وهؤلاء وَفْدٌ قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- في متابعة الأذان، فلما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه، وكون هؤلاء وفداً لبثوا عنده عشرين يوما ثم غادروا يدل على أن الإجابة ليست بواجبة، وهذا هو الأقرب والأرجح"4.

وروى مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يُصَلُّون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون, قال ثعلبة: جلسنا نتحدث, فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد, قال ابن شهاب: "فخروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام"5.

قال الشيخ الألباني رحمه الله: "في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان، وسكوت عمر عليه، وكثيراً ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب؟ فأجبت بهذا"6.

وبناء على ما سبق، فلا إثم على من ترك إجابة المؤذن ولم يتابعه، سواء كان تركه لانشغاله بطعام أو غيره، غير أنه يفوته بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى, فقد روى مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ, قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ, ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ, قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ)7.

 فمن هنا ينبغي ألا يفرط المسلم في هذه العبادة لما في ذلك من الفضل والأجر العظيم, وليس ثمَّة تعارض بين تعجيل الفطر والترديد خلف المؤذن؛ فيستطيع الصائم أن يبادر بالفطر بعد غروب الشمس مباشرة، وفي الوقت نفسه يردد خلف المؤذن، فيكون قد جمع بين الفضيلتين: فضيلة المبادرة بالفطر، وفضيلة الترديد خلف المؤذن.

ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتكلمون على طعامهم، ولا يرون الطعام شاغلاً لهم عن الكلام، مع التنبيه أن تعجيل الفطر يحصل بأي شيء يأكله الصائم ولو كان شيئاً يسيراً، كتمرة أو شربة ماء، وليس معناه أن يأكل حتى يشبع, وكذلك يقال أيضاً إذا أذن للفجر الأول أو الثاني وهو يأكل السحور، فيمكن الجمع بين الأمرين بلا مشقة ظاهرة, غير أنه إذا كان المؤذن يؤذن للفجر بعد دخول الوقت، فيجب الكف عن الأكل والشرب عند سماع أذانه.8

ثم بعد الانتهاء من الرد على المؤذن يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة, لتحل له شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ, ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا, ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ, وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ, فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)9.

وتستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة, ومن أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله أو نحوها ومنها أن يكون في صلاة فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة وسمع المؤذن لم يوافقه في الصلاة فإذا سلم أتى بمثله.

فلو فعله في الصلاة هل يكره فيه قولان للشافعي ففي أظهرهما يكره لكن لا تبطل صلاته, فلو قال حي على الصلاة والصلاة خير من النوم بطلت صلاته إن كان عالماً بتحريمه؛ لأنه كلام آدمي ولو سمع الأذان وهو في قراءة وتسبيح ونحوهما قطع ما هو فيه وأتى بمتابعة المؤذن, ويتابعه في الإقامة كالأذان10.

والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.


 


1 المجموع (3/127).

2 المغني لابن قدامة (1/256).

3 رواه البخاري (5662) ومسلم (674).

4 انتهى من الشرح الممتع لابن عثيمين (2/75).

5 موطأ الإمام مالك (1/312)

6 تمام المنة للألباني -رحمه الله- (340).

7 رواه مسلم (385).

http://forum.ozkorallah.com/showthre…8

9 رواه مسلم (384) وانظر: شرح النووي على مسلم (4/85).

10 عمدة القاري