التكبير في الصلاة

التكبير في الصلاة

التكبير في الصلاة

 

الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم وكان فضله علينا كبيراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:

فإن الصلاة عمود الإسلام وأهم أركانه بعد الشهادتين، ولهذا ينبغي للمسلم أن يعرف أحكامها حتى يؤديها على بينة من أمره لا جاهلاً ولا متردداً، ويعيب على المرء المسلم أن يصلي صلاة خاطئة ناقصة لو عرضت على حداد لردها! فكيف بالله رب العالمين! وقد كان رجل يصلي في المسجد النبوي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يراه فلما أكمل صلاته السريعة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فصل فإنك لم تصل)1 وكم من الناس اليوم من يصلي أمثال صلاة هذا الرجل..!

فإذن يحتاج الرجل والمرأة على السواء أن يتعلموا أحكام الصلاة وما يبطلها ويفسدها، والأكمل من ذلك معرفة سننها ومستحباتها، حتى تكون صلاة كاملة متقبلة عند الله رب العالمين..

ومن المسائل المتعلقة بالصلاة التكبير، فإنه منه الفرض والواجب، ولسوف نتعرف من خلال كلام العلماء على ذلك في السطور القادمة..

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "فمن أحسن التكبير لم يكن داخلا في الصلاة إلا بالتكبير نفسه، والتكبير: الله أكبر، ولا يكون داخلاً بغير التكبير نفسه، ولو قال: الله الكبير، الله العظيم، أو الله الجليل أو الحمد لله، أو سبحان الله، أو ما ذكر الله به لم يكن داخلا في الصلاة إلا بالتكبير نفسه وهو: الله أكبر، ولو قال: الله أكبر من كل شيء وأعظم، والله أكبر كبيرا فقد كبر، وزاد شيئا فهو داخل في الصلاة بالتكبير، والزيادة نافلة، وكذلك إن قال: الله الأكبر وهكذا التكبير وزيادة الألف واللام لا تحيل معنى التكبير.

ومن لم يحسن التكبير بالعربية كبر بلسانه ما كان وأجزأه، وعليه أن يتعلم التكبير والقرآن والتشهد بالعربية، فإن علم لم تجزه صلاته إلا بأن يأتي به بالعربية. قال الشافعي: ولو أن رجلاً عرف العربية وألسنة سواها فأتى بالتكبير نفسه بغير العربية لم يكن داخلا في الصلاة، إنما يجزيه التكبير بلسانه ما لم يحسنه بالعربية، فإذا أحسنها لم يجزه التكبير إلا بالعربية.

فمن قال كلمة مما وصفت أنه لا يكون داخلا بها في الصلاة أو أغفل التكبير فصلى فأتى على جميع عمل الصلاة منفردا أو إماما أو مأموما أعاد الصلاة، وإن ذكر بعد ما يصلي ركعة أو ركعتين أنه لم يكبر ابتدأ التكبير مكانه، ينوي به تكبيرة الافتتاح وألغى ما مضى من صلاته؛ لأنه لم يكن في صلاة، وكان حين كبر داخلا في الصلاة، ولا أبالي أن لا يسلم لأنه لم يكن في صلاة، وسواء كان يصلي وراء إمام أو منفرداً، فإن كان منفرداً فهو الاستئناف، ولا يزول من موضعه إن شاء، وإن زال فلا شيء عليه، وإن كان مأموماً فكذلك يبتدئ التكبير ثم يكون داخلا في الصلاة من ساعته التي كبر فيها، ولا يمضي في صلاة لم يدخل فيها إذا لم يكبر للدخول فيها.

فإن كان مأموما فأدرك الإمام قبل أن يركع أو راكعاً فكبر تكبيرة واحدة فإن نوى بها تكبيرة الافتتاح أجزأته وكان داخلا في الصلاة، وإن نوى بها تكبيرة الركوع لم يكن داخلا في الصلاة، وإن كبر لا ينوي واحدة منهما فليس بداخل في الصلاة، وإن كبر ينوي تكبيرة الافتتاح وجعل النية مشتركة بين التكبير الذي يدخل به في الصلاة وغيره فإذا ذكر فيما ذكرت أنه ليس بداخل به في الصلاة فاستأنف فكبر تكبيرة ينوي بها الافتتاح كان حينئذ داخلا في الصلاة؛ لأنه لم يكن في صلاة، وإن ذكر فيما قلت هو فيه داخلا في نافلة وكبر ينوي المكتوبة لم يكن له مكتوبة؛ لأنه في صلاة حتى يسلم منها، ثم يدخل في المكتوبة بتكبير بعد الخروج من النافلة، ولو كبر ونوى المكتوبة وليس في صلاة وهو راكع لم يجزه ولا يجزيه حتى يكبر قائما، فإن كان مع الإمام فأدركه قبل أن يرفع رأسه من ركوعه فقد أدرك الركعة، وإن لم يدركه حتى يرفع رأسه من الركوع فقد فاتته تلك الركعة…" إن أن قال:

وإذا كان بالمصلي خبل لسان حركه بالتكبير ما قدر وبلغ منه أكثر ما يقدر عليه وأجزأه ذلك؛ لأنه قد فعل الذي قد أطاق منه وليس عليه أكثر منه، وسواء في هذا الأخرس ومقطوع اللسان ومن بلسانه عارض ما كان، وهكذا يصنع هؤلاء في القراءة والتشهد والذكر في الصلاة.

وأُحب للإمام أن يجهر بالتكبير ويبينه ولا يمططه ولا يحذفه، وللمأموم ذلك كله إلا الجهر بالتكبير، فإنه يسمعه نفسه ومن إلى جنبه إن شاء لا يجاوزه، وإن لم يفعل ذلك الإمام ولا المأموم وأسمعاه أنفسهما أجزأهما وإن لم يسمعاه أنفسهما لم يجزهما، ولا يكون تكبيرا مجزئا حتى يسمعاه أنفسهما، وكل مصل من رجل أو امرأة في التكبير سواء إلا أن النساء لا يجاوزن في التكبير استماع أنفسهن، وإن أمتهن إحداهن أحببت أن تسمعهن وتخفض صوتا عليهن، فإذا كبرن خفضن أصواتهن في التكبير في الخفض والرفع".2

هذا ما ذكره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقد فصل فيه وبين فجزاه الله خيرا عن ذلك.

ويتلخص مما سبق الآتي:

       أن التكبير للإحرام ركن من أركان الصلاة، وأن الصلاة لا تصح بدونه.

   أنه يجب الإتيان به باللغة العربية، فإن كان أعجمياً لا يقدر النطق بالعربية أتى به بلغته إلى أن يتعلمه، فإن تعلمه بالعربية ونطق به بلغته بطلت صلاته، وإن قال العربي بلغة أخرى بطلت صلاته، ويعيد التكبير باللغة العربية.

   أن من كان مسبوقاً وأدرك إمامه في الركوع وجب عليه أن يكبر تكبيرة الإحرام أولاً ثم تكبيرة الركوع، فإن لم يكبر للإحرام بطلت صلاته، ويجب عليه إعادة تكبيرة الإحرام.

   يستحب للإمام التكبير في محل التكبير حتى يسمع المصلين، ولا يستحب للمأموم إلا إسماع نفسه، فإن أسمع من حوله فلا بأس إن لم يكن في ذلك تشويش عليهم، وإلا فلا يجوز رفعه.

       أن النساء يخفضن التكبير، بحيث لا يسمعن إلا أنفسهن.

وقال في الشرح الكبير:

"والتكبير ركن لا تنعقد الصلاة إلا به لا يسقط في عمد ولا سهو، وهو قول مالك والشافعي، وقال سعيد بن المسيب والحسن والزهري والأوزاعي: من نسي تكبيرة الافتتاح أجزأته تكبيرة الركوع.

ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تحريمها التكبير)3 فدل على أنه لا يدخل الصلاة بدونه.

فصل: ولا يصح إلا مرتبا فإن نكسه لم يصح لأنه لا يكون تكبيرا. ويجب على المصلي أن يسمعه نفسه إماما كان أو غيره إلا أن يكون به عارض من طرش أو ما يمنع السماع فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمعه؛ لأنه ذكر محله اللسان فلا يكون كاملا بدون الصوت، والصوت ما يتأتى سماعه، وأقرب السامعين إليه، فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول، والمرأة سواء فيما ذكرنا.

فصل: ويبين التكبير ولا يمد في غير موضع المد، فإن فعل بحيث لم يغير المعنى أن يمد الهمزة الأولى في اسم الله تعالى فيقول آلله فيصير استفهاما أو يمد أكبر فيصير ألفا فيبقى جمع كبر وهو الطبل لم يجز؛ لتغير المعنى. وإن قال: الله أكبر وأعظم، ونحوه لم يستحب، نص عليه، وانعقدت به الصلاة… إلى أن قال:

مسألة: ويجهر الإمام بالتكبير كله ليسمع المأمومون فيكبروا بتكبيره، فإن لم يمكنه إسماعهم جهر بعض المأمومين ليسمعهم أو يسمع من لا يسمعه الإمام لما روى جابر قال: "صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر خلفه، فإذا كبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر أبو بكر ليسمعنا". متفق عليه.

مسألة: ويسر غيره به وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه، لا يستحب لغير الإمام الجهر بالتكبير لأنه لا حاجة إليه وربما لبس على المأمومين، إلا أن يحتاج إلى الجهر بالتكبير ليسمع المأمومين كما ذكرنا، ويجب عليه أن يكبر بحيث يسمع نفسه وكذلك القراءة؛ لأنه لا يسمى كلاما بدون ذلك، وقد ذكرناه قبل هذا.

فصل: وعليه أن يأتي بالتكبير قائما، فإن انحنى إلى الركوع بحيث يصير راكعا قبل إنهاء التكبير لم تنعقد صلاته إن كانت فرضا؛ لأن القيام فيها واجب ولم يأت به، وإن كانت نافلة فظاهر قول القاضي أنها تنعقد، فإن كبر في الفريضة في حال انحنائه إلى الركوع انعقدت نفلا لسقوط القيام فيه، فإذا تعذر الفرض وقعت نفلا، كمن أحرم بفريضة فبان قبل وقتها، قال شيخنا: ويحتمل أن لا تنعقد النافلة إلا أن يكبر في حال قيامه أيضا؛ لأن صفة الركوع غير صفة القعود، ولم يأت بالتكبير قائما ولا قاعدا ولأن عليه الإتيان بالتكبير قبل وجود الركوع منه.

فصل: ولا يكبر المأموم حتى يفرغ إمامه من التكبير، وقال أبو حنيفة: يكبر معه كما يركع معه.

ولنا: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا) متفق عليه، والركوع مثل ذلك إلا أنه لا تفسد صلاته بالركوع معه؛ لأنه قد دخل في الصلاة وههنا بخلافه، فإن كبر قبل إمامه لم تنعقد صلاته وعليه إعادة التكبير بعد تكبير الإمام.

 

هذه بعض المسائل المهمة في التكبير في الصلاة.


 


1 رواه البخاري ومسلم، وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد.

2 الأم للشافعي (1/199).

3 رواه أبو داود والترمذي، وغيرهما. وقال الألباني: حسن صحيح.