صلاة النساء في المسجد بفاصل عن الإمام

صلاة النساء في المسجد

صلاة النساء في المسجد

بفاصل عن الإمام

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:

فإن مما استحدث في الأزمنة المتأخرة في المساجد فصل مكان صلاة النساء عن الرجال ببناء ونحوه، وتقوم المرأة تصلي بعد الإمام وهي لا تراه ولا ترى المأمومين، وكل ذلك من أجل الابتعاد عن الفتنة التي يسببها الاختلاط، في أزمنة ضعف فيها الإيمان، وظهر الفساد في وسائل مختلفة تسهل المنكر.. فما حكم صلاة المرأة خلف الإمام والحالة هذه؟

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى السؤال التالي:

ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط؟

الجواب:

يجوز للمرأة وللرجل أيضاً أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء، فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام؛ لأن المكان واحد، والاقتداء ممكن سواء كان عن طريق مكبر الصوت، أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه، أو بصوت المبلغ عنه، ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين، وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد، فإن الفقهاء يقولون يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد إن رأى الإمام أو المأمومين , على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد وإن رأى الإمام أو المأمومين إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه , وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال، أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وائتمامه به سواء رأى الإمام أم لم يره إذا كانت الصفوف متصلة".1

وصلاة النساء في معزل عن الرجال أفضل لهن، واستحداث هذه المساجد بهذه الصورة التي تفصل النساء عن الرجال أبعد عن الفتنة وأقرب للتقوى.. والأصل في المرأة الابتعاد عن الرجال وعدم الاختلاط حتى في الطواف.. قال الماوردي وغيره: "ويستحب لها أن لا تدنو من الكعبة في الطواف إن كان هناك رجل، وإنما تطوف في حاشية الناس، والرجل بخلافها. قال السرخسي: وهكذا يُستحب لها في الطريق أن لا تخالط الناس وتسير على حاشيتهم تَحَرّزا عنهم".2

وقال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: وهذا الذي ذكرناه من استحباب القرب (أي من الكعبة) هو في حق الرجل، أما المرأة فيستحب لها أن لا تدنو في حال طواف الرجال، بل تكون في حاشية المطاف؛ بحيث لا تخالط الرجال، ويستحب لها أن تطوف في الليل فإنه أصون لها ولغيرها من الملامسة والفتنة، فإن كان المطاف خاليا من الرجال استحب لها القرب كالرجل".3

وقال الأستاذ محمد سعدي في الإجابة عن السؤال الآتي:

هل صلاة النساء في مسجد خلف إمام بحيث يكون الرجال في الطابق الأول وتكون النساء في الطابق الأرضي حيث تسمع منه عن طريق الميكرفون هل صلاة النساء بهذا الشكل جائزة؟

قال:

يجوز صلاة النساء في المسجد على الصورة الموجودة في السؤال؛ لأنه يكتفى داخل المسجد بسماع تكبير الإمام وهذا يكفي في الاقتداء.

قال في مختصر خليل من كتب السادة المالكية: (ومسِّمع واقتداء به، أو برؤيته، وإن بدار).

قال في مواهب الجليل: وقوله: (ومسمع واقتداء به، أو برؤيته، وإن بدار):

هو لما أفتى به مالك في المدونة، ونص ما فيها: وقال مالك: ولو أن دوراً محجوراً عليها، صلى قوم فيها بصلاة الإمام في غير جمعة، فصلاتهم تامة، إذا كانت لتلك الدور كوى ومقاصير يرون منها ما يصنع الناس أو الإمام، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، فذلك جائز، وكذلك إذا لم يكن لها كوى ولا مقاصير يرون ما يصنع الناس والإمام، إلا أنهم يسمعون الإمام، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده). ا.هـ.

وقال النووي من فقهاء الشافعية في المجموع: (لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الإمام في المسجد، وحال بينهما حائل لم يصح عندنا، وبه قال أحمد.

وقال مالك: تصح إلا في الجمعة. وقال أبو حنيفة: تصح مطلقاً.

وقال النووي أيضاً: يشترط لصحة الاقتداء علم المأموم بانتقالات الإمام، سواء صليا في المسجد، أو في غيره، أو أحدهما فيه، والآخر في غيره. وهذا مجمع عليه.

قال أصحابنا: ويحصل له العلم بذلك بسماع الإمام، أو من خلفه، أو مشاهدة فعله، أو فعله من خلفه، ونقلوا الإجماع في جواز اعتماد كل واحد من هذه الأمور، فلو كان المأموم أعمى اشترط أن يصلي بجنب كامل، ليعتمد موافقته مستدلا بها.

وجاء في المغني لابن قدامة:

قال ابن قدامة: (فإن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام، أو من وراءه، فقال ابن حامد: فيه روايتان:

إحداهما: لا يصح الائتمام به. اختاره القاضي؛ لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها: "لا تصلين بصلاة الإمام، فإنكن دونه في حجاب" ولأنه لا يمكنه الاقتداء في الغالب.

والثانية: يصح… ولأنه أمكنه الاقتداء بالإمام، فصح اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمى، ولأن المشاهدة تراد للعلم بحال الإمام، والعلم يحصل بسماع التكبير، فجرى مجرى الرؤية، ولا فرق بين أن يكون المأموم في المسجد، أو في غيره.

واختار القاضي أنه يصح إذا كانا في المسجد، ولا يصح في غيره". والله أعلم.4

إذن المسألة فيها خلاف، والصحيح الجواز لأن الجميع في مسجد واحد. والله أعلم.


 


1 "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/213).

2 المجموع للنووي (ج 7 / ص 361)

3 المصدر السابق (ج 8 / ص 38-39).

4 نقلاً عن موقع: إسلام أون لاين.