كيف تكون صديقاً حقيقياً؟

كيف تكون صديقاً حقيقياً

كيف تكون صديقاً حقيقياً؟

 

لا شك أن كسب الأصدقاء الصادقين الأوفياء في هذه الأيام أمر يحتاج إلى وقت وخبرة بحياة الناس وطبائعهم، وهي مهارة يعرف بها الذكي أصدقاءه من أعدائه، أما الغبي فإنه عاطفي إلى درجة أنه يختار له في كل يوم صديق، والمشكلة هي الاغترار بالظواهر والمظاهر، وتقديم العاطفة على العقل في كثير من التصرفات.

وقد تكلم الناس قديماً وحديثاً عن الأصدقاء ووفائهم وخيانتهم، وتحمل ما صدر منهم، فالإنسان معرض للخطأ في أي وقت، وقديماً قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: "احذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله".1

ويقول أبو بكر الخوارمي:

تغربت أسأل من عنَّ لي  *** من الناس هل من صديق صدوق!

فقالوا: عزيزان لا يوجدان  *** صديق صدوق وبيض الأنـوق2

ومما جاء في كتاب "الصداقة والصديق" لأبي حيان التوحيدي:

فلا تصحب أخا الجهل *** وإيــاك وإيــاه

فكم من جـاهل أردى ***  حليماً حـين آخاه

يقـاس المرء بالمـرء *** إذا ما هـو ماشـاه

وفي الشيء من الشيء *** مقاييس وأشــباه

وكان يبلغ محمد بن الحنفية عن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه – ما يكره، فقال له أصحابه: إن إمساكك عنه يجرئه عليك، قال: ليس بحكيم من لم يعاشر من لا يجد بداً من معاشرته بالمعروف حتى يجعل الله له منه فرجاً ومخرجاً، وقد يدفع الله باحتمال المكروه مكروهاً أعظم منه.

ويبين أحدهم أن الصديق إنما يعرف عند الحاجة فإذا لم يكن كذلك فهي صداقة ظاهرية فقط ليس فيها حب ووفاء وتضحية بالمال، فيقول:

ومن الناس من يودك حقاً *** صافي الود ليس بالتكدير

فإذا ما سألته دفع فلس *** ألحق الود باللطيف الخبير

ويتمنى أحد الشعراء صديقاً تجتمع فيه صفات الأخوة الحقة التي يعز وجودها في هذه الحياة فيقول:

أحب من الإخوان كل مواتي *** وكل غضيض الطرف عن عثراتي

يساعدني في كـل أمر أحبه *** ويحفظني حــياً وبعد وفـاتي

فمن لي بهذا ليت أني وجدته *** فقاسمته مالي من الحســنات

ويبين آخر أن من لوازم الصداقة التغاضي عن بعض الأخطاء لأن الإنسان ذو خطأ، ولا يسلم أحد من ذلك فيقول:

اقبل معاذير من يلقاك معتذراً *** إن بر عندك فيما قال أو فجرا

خير القرينين من أغضى لصاحبه *** ولو أراد انتصاراً منه لانتصرا

ويقول الآخر:

إذا أنت لم تترك أخاك لزلة *** إذا زلها أوشكتما أن تفرقا

وقال آخر في معنى ذلك:

إذا أنت لم تغفر ذنوباً كثيرة *** تريـبك لم يسلم لك الدهر صاحب

ومن لا يغمض عينه عن صديقه *** وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب

وما أكثر أصدقاء الكلام الذين يكثرون المودة باللسان فإذا ما جاءت المواقف الصعبة التي يحتاج إليها الإنسان تولى عنه أصدقاء الزور:

يقول الشاعر:

بلوت الناس قرناً بعد قرن *** فلم أر غير خـلان المقال

ولم أر في الخطوب أشد هولاً *** وأصعب من معاداة الرجال

وذقت مرارة الأشياء طراً *** فما طعم أمـرُّ من السؤال

وقال فيلسوف: من لم يرض من أخيه بحسن النية لم يرض منه بحسن العطية.

وقال أعرابي: الحفاظ عمود الإخاء.

وقال فيلسوف: لكل جليلة دقيقة، ودقيقة الموت الهجر.

ويعيب أحدهم على تلون الصديق وتقلبه في مواقفه التي يتخذ منها طابعاً مختلفاً بحسب مصلحته من صديقه، فيقول:

قل للذي لست أدري من تلوُّنه *** أناصح أم على غش يداجيني

إني لأكثر مما سمتني عـجباً *** يد تشج وأخرى منك تأسوني

تغتابني عند أقوام وتمدحني *** في آخـرين وكل عنك يأتيني.3

وكتب أحدهم فقال:

هل لك أصدقاء؟ سؤال لو وجهته لمجموعة من الناس لكانت الإجابة بنعم، حتى الأطفال منهم ستكون إجابتهم (نعم)، ولكن من هو صديقك؟ هل هو من ساعدك يوماً ما؟ أم من استمع إليك في وقت كنت فيه في أمسّ الحاجة إليه؟ أم يا ترى هو من شاركك أفراحك وأحزانك؟.

كل هذه الأمور جيدة ولا تصدر إلا من صديق، ولكن مع كثرة من حولك لم تعد تميز من هو صديقك؟ ومن هو زميلك؟ بشرط أن تكون أنت أحد الذين يستحقون حمل هذا الوسام الذي يحمل في طياته أقدس معنى ينشده البشر ألا وهو الصدق.

والحاجة إلى صديق حاجة نفسية ضرورية في حياة الإنسان، إذ أن الإنسان اجتماعي بطبعه يسعى إلى إقامة العلاقات الإنسانية السوية التي تحقق الغرض من وجوده، ومهما علا الإنسان وارتفعت مكانته يبقى ضعيفاً إذا اكتفى بنفسه دون الآخرين، فهو في حاجة دائمة إلى من يسمع إليه، يشكوه همه، ويخفف أحزانه، وفي الوقت ذاته يجب أن يتحمل مسؤولية هذه الصداقة، ويكون عوناً لمن يصادقه، وبذلك تستمر الحياة، وتنشأ العلاقات السوية، والمجتمعات ذات العلاقات الإنسانية الراقية.

ولكي تصبح أهلاً لهذه الصداقة فمن الواجب عليك كصديق أن تستمع لصديقك بقلبك وعقلك، وتساعده على اجتياز أحزانه، وتوجهه إلى الطريق الصحيح لمواجهة الواقع، ومن الواجب عليك أيضاً أن تحرص على انتقاء الكلمة التي تزيده فرحاً، وترسم الابتسامة على وجهه، ترعى مشاعره وتقدره، ورأس الأمور كلها أن تحفظ سره فهو من اختارك من بين الناس صديقاً له، فهل تكافـئه بأن تكون أول من تفضحه؟!

وينبغي أن تظهر الصداقة الحقة في مراعاتك له بكل أحاسيسك ومحاولاتك للتخفيف عنه وإن كنت حاملاً لهم أكبر من همه، وألا تبرز فرحك في وقت حزنه.

كن أنت اليد الأمنية والقوية التي تعينه على النهوض مرة أخرى، وإن أظهر غضبه وتكدره، ولتذكر الخير منه ترَ نفسك راضي النفس غير حانق، وللسلف الصالح في الأصدقاء أقوال، ومنها قول أحدهم: "لا تدم مودتك لأخ حتى تكون إذا أضناه الألم ضويت معه، وإذا عضّه الجوع خويت أنت، إذا مسه الضر لم تعرف كيف تبيت ليلتك".4

وإن من أعظم الحسنات بعد طاعة الله ورسوله صديق صدوق صادق الوعد منصف، ولا خير في الدنيا إذا لم يكن بها أمثال هؤلاء الأصدقاء، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 ربيع الأبرار، للزمخشري.

2 ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، للثعالبي (ج 1 / ص 149).

3 الأبيات السابقة منقولة من كتاب "الصداقة والصديق" (ج 1 / ص 43) لأبي حيان التوحيدي.

4 نقلاً عن/ منتدى الساحة الكشفية.