المجاوبة للأذان عبر المذياع

المجاوبة للأذان عبر المذياع

 

غير خافٍ على أحد ما وصل إليه العلم الحديث من قفزة عظيمة، ووثبة رهيبة على كافة الأصعدة، وفي مختلف  المجالات، وخاصة فيما يتعلق بوسائل التواصل التي جعلت من العالم المترامي الأطراف قرية صغيرة، تتنقل فيها في لمحة البصر، وسرعة البرق، رغم بون المسافات، وبُعد القارات.

ولقد ساعدت هذه التكنولوجيا على تخطى ساعات الزمن، وقربت البعيد، وسهلت المحال، وجاءت للبشرية بمطالب نهضت بها من كبوة الرقود العلمي والحضاري إلى عالم التقدم والرقي الصناعي، بما أحدثته من ضجة في الاختراعات خدمة الإنسانية، وفتحت لها آفاق بهرت الأبصار، وأدهشت النفوس، وهذا كله بفضل الله وإرادته الذي قال: عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 1، وبالرغم من هذا التقدم في العلوم فإنه يعتبر قليلاً يقول – جل شأنه -: وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً2، ولا ننسى أن نعقِّب ونذكر بأن هذه الصرخة العصرية اهتمت بمتطلبات الجسد على حساب الروح فحقيقته أهلها أنهم يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ3.

ومن جملة تلك الاكتشافات التي جاء بها العلم الحديث ما يدعى بـ(التلفاز، الإذاعة…) التي استفاد المسلمون منها، وسخروها في منافع دينهم، ومصالح صحوتهم المباركة؛ حيث نقلت الدروس العلمية عن طريقها، والمحاضرات الدعوية والتربوية، والخطب المنبرية، والقرآن الكريم، وغير ذلك، كما كان للصلاة حضورها الواضح عن طريق التغطية الإعلامية للشعائر التعبدية في المساجد الكبيرة في العواصم الإسلامية وبخاصة المسجدين الشريفين: المسجد الحرام والمسجد النبوي، فيستمع المسلم لصوت الإمام، بل ويرى صورته في التلفاز كأنه حاضر بين يديه، وهما في قطرين متباعدين في الأرض.

وهنا ترد مسألة حادثة جاءت بها صرخة العصر وهي: هل يجوز للمسلم أن يردد الآذان خلف  التلفاز والإذاعة، ويدعو بالدعاء الوارد بعد الآذان؟

وبما أن هذه المسألة تعتبر من المسائل المعاصرة التي لم يسبق أن تطرق لها علماء المسلمين السابقين فلذا سوف نذكر بعض فتاوى وأقوال العلماء المعاصرين:

فقد نشرت مجلة الدعوة في العدد (1560) بتاريخ 14/5/1417هـ فتاوى للشيخ ابن باز – رحمه الله – في هذا الصدد حيث يقول سائله: هل تجوز مجاوبة الأذان الصادر من جهاز (المذياع)؟، فكان جواب الشيخ – رحمه الله -: إذا كان في وقت الصلاة فإنها تشرع الإجابة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة))4، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة5))6.

وقد نقل موقع "الإسلام سؤال وجواب" الذي يتولى فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد الإشراف عليه فتاوى في هذه المسألة حيث يقول السائل: فضيلة الشيخ: أسمع في الراديو الأذان فهل أردد مع المؤذن الأذان، وأدعو بدعاء الأذان بعد سماعي له من الراديو؟

فكان الجواب: أما إذا كان ينقل الأذان مباشرة فنعم تابع المؤذن، وادعُ بالدعاء المعروف لعموم قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن))7، وأما إذا كان مسجلاً فلا تتابعه؛ لأن التسجيل ليس أذاناً، ولهذا لا يجزئ عن الأذان أن يضع الإنسان شريطاً في المنارة، ويفتح على الأذان؛ فيسمعه الناس؛ لأن الأذان عبادة لا بد أن يفعلها الإنسان تعبداً لله – عز وجل -، يدعو بها عباد الله إلى الصلاة.

والخلاصة أنه: إن كنت تسمع الأذان في الراديو من المؤذن مباشرة فتابعه، وإن كان ذلك عن طريق التسجيل فلا تتابعه8.

ومن خلال استعراض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة يتبين لنا أمرين:

1.  أن الترديد بعد المؤذن عبر المذياع قد تتحقق واقعيته أكثر عند من لا يبلغه الآذان: كأن يكون في بلد لا ترفع فيه الآذان، أو أنه في محلة لا يبلغها صوت المسجد، أو يكون على متن سيارته ولا يستطيع أن يتابع مؤذناً بعينه بحكم تنقله، أو … إلخ.

2.  أن المجاوبة للآذان عبر المذياع والترديد خلفه مقيدة بالنقل المباشر للآذان، فيما إذا دخل وقت الآذان لتلك الصلاة، وأما غير هذا فليس مجزأ عنه.

نسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه، والله أعلم.


 


1 (سورة العلق:5).

2 (سورة الإسراء:85).

3 (سورة الروم:7).

4 رواه الترمذي برقم (3547 )، والنسائي برقم (671).

5 مجموع فتاوى ابن باز (10/363).

6 رواه البخاري برقم (579).

7 رواه البخاري برقم (576).

8 المصدر موقع الإسلام سؤال وجواب.