المدة بين الأذانين

المدة بين الأذانين

المدة بين الأذانين

 

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد يتساءل امرؤ عن الوقت بين الأذان والإقامة هل هو محدد شرعا أم لا؟ فإن المساجد تختلف فيه، وليس هناك وقت متفق عليه، وأما في صلاة المغرب في رمضان فالناس ما بين مفرط ومفرط –باختلاف البلدان-. 

وقد اتفق الفقهاء على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس بقدر الوضوء وصلاة ركعتين، يتهيئون فيها ما عدا المغرب فقد اختلفوا فيه1.

والأولى به في الصلاة التي قبلها تطوع مسنون أو مستحب أن يتطوع بين الأذان والإقامة جاء في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا}2، أنه المؤذن يدعو الناس بأذانه ويتطوع بعده قبل الإقامة3.

وقد جاء من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ) ثَلَاثًا (لِمَنْ شَاءَ). قال ابن حجر -رحمه الله-: أي أذان وإقامة4. 

والحديث يدل على عدم الوصل بين الأذان والإقامة، بل بينهما وقت تؤدى فيه صلاة النافلة.

 والفصل بين الأذان والإقامة أمر ضروري جداًً؛ لأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت ليتأهبوا للصلاة بالطهارة، فيحضروا المسجد لإقامة الصلاة، وبالوصل ينتفي هذا المقصود، فإن كانت الصلاة مما يتطوع قبلها يفصل بينهما بالصلاة، فإن لم يُصلَّ يفصل بينهما بجلسة خفيفة؛ لحصول المقصود به5، وهذا أوجه ما قيل في هذه المسألة. 

وأما إذا كان في المغرب فقد اتفقوا على أن الفصل لا بد منه فيه أيضاً، لكنهم اختلفوا في مقداره على ثلاثة أقوال6:

الأول: يستحب أن يفصل بينهما بسكتة قائماً مقدار ما يتمكن فيه من قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة لأن تأخير المغرب عن وقتها مكروه، والاشتغال بالركعتين يؤدي إلى التأخير فلذلك لا يفصل بينهما، وهذا عند أبي حنيفة وظاهر مذهب المالكية. 

الثاني: يستحب أن يفصل بينهما بمقدار صلاة ركعتين خفيفتين، وبه قال بعض الشافعية وبعض الحنابلة، واستدلوا بما جاء عن عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: (لِمَنْ شَاءَ) كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً7.

وعَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْأَيْدِي عَلَى صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَكُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- صَلَّاهُمَا قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا)8. 

الثالث: يستحب أن يفصل بينهما بجلسة خفيفة كالجلسة التي بين الخطبتين في الجمعة، ولا يستحب الفصل بالصلاة، وهذا هو المشهور عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة. 

ويتبين مما تقدم أن الدليل مع من قال بالفصل بركعتين، فهو مؤيد بالنص النبوي الثابت في البخاري، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لمن شاء) من باب التخفيف قالها: (كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً) قال المحب الطبري: لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابه9.  

وفي زماننا ضبط الوقت بين الأذان والإقامة بمدة محددة في كل البلدان، كأن يكون ذلك عشرين دقيقة مثلاً أو خمس عشرة دقيقة، أو أقل من ذلك أو أكثر، كل بلد بحسبه، وأما صلاة المغرب فإنه يتم التجوز في مدة الوقت بين الأذانين، وذلك بصلاة ركعتين، وبعض البلدان أو بعض القوم لا يفصلون بينهما سوى بالدعاء بعد الأذان، كما في صلاة المغرب، وهذا كله عائد إلى المصلحة من وراء ذلك، فما بين (الأذانين) الأذان والإقامة مدة تكفي لتجهز الناس للصلاة خاصة عند الازدحام، أو كون بعض البيوت والمساكن بعيدة عن المساجد، ونحو ذلك من الأسباب التي تجعل تأخير الإقامة من الأمور النافعة للناس.

وقد جرت العادة في بلدان عديدة على وضع تقويم للناس يبين وقت الأذان والمدة بينه وبين الإقامة، وهذا مما تضبط به الأوقات وتعرف به الصلوات، ويكون المسلم على معرفة تامة بوقت الصلاة والمدة بين الأذانين.

 

والله تعالى أعلم.

والحمد لله رب العالمين.


1 المغني لابن قدامة: (2/219)، والمجموع للنووي: (3/120).

2 (33) سورة فصلت.

3 المبسوط للسرخسي: (1/414)، وتفسير الطبري: (21/469)، وتفسير ابن كثير: (7/180).

4 فتح الباري: (2/431)، وكذا قال النووي في شرح مسلم: (3/196)

5 العناية شرح الهداية لمحمد بن أحمد الحنفي: (1/403).

6 مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل للحطاب: (3/382)، والمغني: (2/219).

7 صحيح البخاري: (1111).

8 صحيح مسلم: (1382).

9 فتح الباري لابن حجر: (4/183).