المعحبون إلى أين؟

المعجبون إلى أين

 

المعجبون إلى أين

 

أمر الله – عز وجل – نبيه بالإنذار والدعوة، وتعظيم ربه – عز وجل – وفعل الخير، واجتناب الشر، وهجر الأوثان، ثم قال له بعد ذلـك:{وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} المدثر: 6، قال الحسن البصري: "لا تمنن بعملك على ربك تستكثره"، فإنه مهما كُثرَ العمل ففضل الله أعظم، وحقه أكبر.

وقـد نهى الله عن تزكية النفس، بمعنى اعتقاد خيريتها، والتمدّح بها فقال:{فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} النجم: 32، كما نهى عن المن بالصدقة فقال:{لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى}البقرة: 264، والمن يحصل نتيجة استعظام الصدقة، واستعظام العمل هو العُجب. والإعجاب بالنفس شر، وأي شر، قال ابن المبارك: "لا أعلم في المصلين شيئاً شراً من العجب"1. ولعل المرء يدافع الرياء ويحس به، بيد أنه لا يشعر بما في داخله من العجب المحبط، ومن أجل ذلك كان مهلكاً بوصف النبي – صلى الله عليه وسلم – حين قال:(ثلاث مهلكات) ثم ذكرهن: (شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)2.

وإذا كانت الذنوب مهلكة، فإنها قد تكون رحمة بصاحبها حين تخلصه من العجب الذي هو الهلاك حقاً. قال: (لو لم تكونوا تذنبون، خشيت عليكم أكثر من ذلك: العجب)3.

وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: "الهلاك في شيئين: العجب والقنوط. وإنما جُمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب والتشمير، والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى"4. ومما ورد في جزاء المعجبين قوله صلى الله عليه وسلم:(بينما رجل يتبختر، يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) وفي رواية: (قد أعجبته جمته وبرداه)5، فكيف بمن أُعجِبَ بعلمه أو عمله؟!

 

مظاهر العجب:

الله – عز وجل – أعلم بالإنسان من نفسه، والإنسان أعلم الناس بنفسه فهو أقدرهم على اكتشاف مظاهر العجب في نفسه، كما أن بعضها لا يخفى على الناس، ومنها:

1- المنّ على الله، ومطالبته بما آتى الأولياء، وانتظار الكرامة وإجابة الدعوة6.

2- الإكثار من الثناء على النفس ومدحها، لحاجة ولغير حاجة، تصريحاً أو تلميحاً، وقد يكون على هيئة ذم للنفس أو للآخرين، يراد به مدح النفس.

3- الحرص على تصيّد العيوب وإشاعتها، وذم الآخرين -أشخاصاً أو هيئات- والفرح بذمهم وعيبهم.

4- النفور من النصيحة، وكراهيتها، وبعض الناصحين.

5- الاعتداد بالرأي، وازدراء رأي الغير.

6- صعوبة المطاوعة، والحرص على التخلص من التبعات والمسئوليات، وتحقيق القناعات الشخصية.

7- الترفع عن الحضور والمشاركة في بعض الأنشطة العلمية والدعوية، وخصوصاً العامة.

 

ومن آثاره على الدعاة:

1- أنه طريق إلى الغرور والكبر، وآثار الكبر المهلكة لا تخفى.

2- الحرمان من التوفيق والهداية؛ لأن الهداية إنما ينالها من أصلح قلبه وجاهد نفسه، قال الله – تعالى – : {وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} العنكبوت: 69، ومن صور هذا الحرمان: نسيان الذنوب واستصغارها، والعمى عن التقصير في الطاعات، والاستبداد بالرأي، والتعصب للباطل، وجحود الحق، وهذه الآثار في الجملة منها ما يقع سبباً للعجب، ثم يزداد ويستمر، ليبقى أثراً ثابتاً له.

3- بطلان العمل، قال – عز وجل -: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى}.

4- العجز والكسل عن العمل؛ لأن المعجب يظن أنه بلغ المنتهى.

5- الانهيار في أوقات المحن والشدائد؛ لأن المعجب يهمل نفسه من التزكية، فتخونه حينما يكون أحوج إليها، ويفقد عون الله ومعيته؛ لأنه ما عرف الله حال الرخاء.

وتأمل ما أصاب الصحابة – رضوان الله عليهم – مع إيمانهم وصلاحهم، حين أعجب نفر منهم بكثرة العدد: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} التوبة: 25 واليهود – عليهم لعائن الله-: {ظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} الحشر: 2.

6- نفور الناس وكراهيتهم؛ لأن الله يبغض المعجب.

7- العقوبة العاجلة أو الآجلة، كما خسف الله بالمتبختر المعجب الأرض.

ومن آثاره على الدعوة: توقفها أو ضعفها وبطؤها بسبب قلة الأنصار؛ نظراً لنفور الناس، وكراهيتهم للمعجبين، وسهولة اختراق صفوف الدعاة وضربها؛ نظراً لانهيار الدعاة المعجبين حال الشدائد.

اللهم أصلح نفوسنا وآتها تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. والحمد لله رب العالمين.


 


1 سير أعلام النبلاء، ج1، ص 407.

2 – أخرجه الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ح/3045.

3 أخرجه ابن عدي 1/146، وغيره، وحسنه الألباني في الصحيحين، ح/658.

4 مختصر منهاج القاصدين، ص 234.

5 رواه مسلم، ح/2088، معنى (بتجلجل): يغوص، ومعنى (جمته): ما سقط على المنكبين من شعر الرأس.

6 انظر الآداب الشرعية لابن مفلح، ج1، ص 158.