غزة بين نارين

غزة بين نارين

غزة بين نارين

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً على يوم الدين أما بعد:

أصبحت غزة اليوم تمثل رمزاً لعزة الأمة، والتمسك بالدين، والدفاع عنه، وبالمصطلح المعاصر أصبحت تمثل رمزاً للحرية، وعدم التبعية والعمالة، تمثل رمزا ًللقيادة الصادقة مع الله، ورمزاً لشعب حرٍ أبي.

 إلا أن هذه الحرية قوبلت من كثير من الناس بالنقد الحاد واللاذع؛ لأننا اليوم نعيش في زمن انقلبت فيه الموازين، وغُلِِّطت المفاهيم، وتحكم أعداؤنا في أمتنا، فنقلوا ثقافاتهم إلينا، فأصبح المعرف منكراً، والمنكر معروفاً، والحق باطلاً، والباطل حقاً، وخير مثال اليوم هو "غزة".

فقد وقعت غزة بين نارين، أو بالأصح نيران:

أولها: نار الحصار الذي قضى أن لا عيش هنيء لهؤلاء، وأن كل ما يقيم الحياة يجب أن يمنع عن أهل غزة، وإضافة إلى كل هذا ما ترتب على الحصار من معاناة إنسانية، ولو ذكرنا ما ترتب جراء الحصار بلغة الأرقام لوجدنا حسب وكالة (رويترز) للأنباء فإن هناك 900 مريض في غزة سعوا للحصول على إذن سفر، منهم 350 مرضهم خطير، وحسب تصريحات وزارة الصحة الفلسطينية فإن 1700 مريض قلب وفشل كلوي وطفل حديث الولادة مهدّدون بالموت؛ نتيجة توقف غرف العمليات، وأجهزة التنفس الاصطناعي، وغرف الرعاية المركّزة.

وأدى الحصار إلى إغلاق أكثر من 3500 مؤسسة صناعية وتجارية وحرفية؛ مما أدى إلى فقدان أكثر من 65 ألف فلسطيني عملَهم.

وحسب الإحصاءات الفلسطينية، والدولية الرسمية فقد ازدادت نسب الفقر بين الأُسَر الفلسطينية إذ ارتفعت نسبة السكان الفلسطينيين الذين يقعون تحت خط الفقر من 22% عشية الانتفاضة إلى أكثر من 67% على مستوى الأراضي الفلسطينية، وحاليًّا تبلغ نسبة الفقر في قطاع غزة نحو 90% بعد أن كانت 81.4% العام الماضي.1

هذه تداعيات الحصار الظالم، فقد أوجب الحصار محنة حقيقية يعيشها قطاع غزة جرَّاء الحصار الصهيوني الإجرامي المتواصل بدعمٍ من الغرب، وصمت من العرب، ولم تتوقف مآسي الحصار عند المرضى الفلسطينيين، بل طالت الموتى الذين لم يَسْلموا من إغلاق المعابر، فالموتى والشهداء في غزة لا يجدون حتى الأقمشة للأكفان البيضاء، وأيضًا انقطاع المواد الأساسية اللازمة لتهيئة القبور.

ومما ترتب من الحصار انعدام السلع التموينية الضرورية وأولها الدقيق، فقد أغلقت المخابز أبوابها لانعدام الدقيق والكهرباء.

ثانيها: نار الأسواق الخالية من المؤن اللازمة كالملابس ونحوها من المؤن بفعل الحصار الذي منع كل شيء من مقومات الحياة لأهل غزة.

ثالثها: لم يكتف العدو بكل هذا، بل صاحبه التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة لأهل القطاع، وهدم المنازل، والاعتقالات المستمرة حتى في فترة التهدئة المزعومة.

رابعها: نار العدوان الأخير الذي نعيشه اليوم، ونشاهده عبر القنوات، والذي أدى من حين بدأ في تاريخ 27/12/2008إلى يوم الخميس 8/1/2009 إلى استشهاد ما يقارب من السبعمائة شهيداً، وجرح ما يقرب من ألفين وثمانمائة جريح أغلبهم من المدنيين العزل الذين أثقلهم الحصار، وأرهقهم  الجوع، وقضى عليهم القصف، وهناك تداعيات إنسانية جراء ما يحصل من تشريد وهدم، فكم من أسرة في غزة هدم منزلها، ولم تجد لها مأوى، وكم من أسرة فقدت من يعولها، وكم من طفل فقد أباه فأصبح يتيماً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كل ما سبق يمثل جانباً واحداً فقط، وهذا الجانب جانب طبيعي؛ لأنه صادر من عدو، وماذا نتوقع من هذا العدو الذي ينطبق عليه قول الله – عز وجل -: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}2.

أما الجانب الآخر وهو الأخطر والذي يمثل الطامة الكبرى فهو التواطؤ العربي مع العدو تجاه غزة، وبالأصح تجاه حماس، فقد مثل هذا خزي ما بعده خزي، ومهانة ما بعدها مهانة، ومن وجهة نظري أنه مهما قلنا فلن نستطيع أن نصف حجم الخيانة التي حصلت تجاه إخواننا في غزة.

والعجيب في الأمر أننا نسعى لدى مجلس الأمم المتحدة؛ ليضع حلاً لهذه القضية، ونسينا أن هذا المجلس المشئوم هو الذي أعطى التصريح، وأذن لليهود بإقامة دولتهم على أرض فلسطين، بل وقد أعطى هذا الاحتلال ما يسمى بالشرعية لاحتلال الأرض الفلسطينية فيما سمي بوعد بلفور في عام 1917م وهو أول خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين، وقد قطعت فيها الحكومة البريطانية تعهداً بإقامة دولة لليهود في فلسطين، وبعد هذه الخطة لقي الصهاينة دعماً دولياً من أمريكا، وبريطانيا، وغيرها من الدول الغربية، بل أضفَتْ عليها الشرعية في احتلالها لفلسطين، ونحن اليوم نسعى وراء من أوجد هذا الكيان الغاصب والظالم، فكيف يعقل أن عدونا الذي أوجد هذا العدو يحل هذه القضية، فالله المستعان.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


2 سورة التوبة (10).