بدع يوم عرفة

بدع يوم عرفة

بدع يوم عرفة

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله – سبحانه – يصطفي ما يشاء من خلقه ويختار، فقد اصطفى من البشرية الأنبياء والرسل، واصطفى محمداً منهم بمزيد من الاصطفاء، واصطفى من الأماكن المساجد، واختص ثلاثة مساجد بمزيد من الفضائل، وفضَّل المسجد الحرام على المسجد النبوي والمسجد الأقصى، واصطفى من الأزمنة شهر رمضان، ويوم عرفة، ومن الساعات ساعة في يوم الجمعة، وهذا له – سبحانه – لأنه هو الذي قال في كتابه الكريم: (( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ))سورة القصص:68.

وكما قلنا أن من هذه الأزمنة التي اختصها الله بمزيد من الفضائل دون بقية الأيام يوم عرفة، فهو يوم الوقوف بعرفة، والوقوف في ذلك اليوم لمن كان حاجاً على ذلك الجبل يعد أهم ركن من أركان الحج، وفيه ينزل الله تعالى – نزولاً يليق بجلاله سبحانه – إلى السماء الدنيا، ويباهي بأهل الموقف ملائكته، واحتسب النبي – صلى الله عليه وسلم – لمن صام هذا اليوم محتسباً أن يكفر الله عنه من صغائر ذنوبه سنة ماضية وسنة تالية، وغير ذلك من الفضائل والمزايا التي جعلها الله في هذا اليوم العظيم.

ولكننا – مع الأسف الشديد – نرى كثيراً من الناس يتساهلون في شأن هذا اليوم، ولا يعرفون له قدره، ولا يستغلونه في طاعة الله، بل ربما ارتكبوا فيه مخالفات تغضب الله، وربما افتعلوا فيه بعض العبادات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتعبدوا لله بذلك.

ولا شك أن التعبد لله بما لم يأذن الله به أمر لا يجوز، بل هو منكر عظيم، وصاحبه في ضلال مبين، وعمله غير مقبول؛ يقول النبي المعصوم – عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)1.

بل إن الله – سبحانه – قد حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته، فقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وغيرهما بسند صحيح، وحسنه المنذري عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة، حتى يدع بدعته)2.

وإليك – أخي في الله – ذكر بعض المخالفات والبدع التي يفعلها الناس في يوم عرفة  سواء كانوا حجاجاً أو غير ذلك؛ وذلك لتحذرها، وتُحذِّر من تراه يقع فيها من المسلمين في ذلك اليوم الأغر، وهذه المخالفات والبدع قد أشار إليها ونبه عليها كثير من علماء الكتاب والسنة، ومن هؤلاء العلماء العلامة محمد ناصر الدين الألباني، فقد ذكر هذه البدع في كتابه "مناسك الحج والعمرة"، وقد رأيت أن ألخصها لك في نقاط معدودة، وهي كالتالي:

1.   الوقوف على جبل عرفة في اليوم الثامن ساعة من الزمن احتياطاً خشية الغلط في الهلال.

2.   إيقاد الشمع الكثير ليلة عرفة بمنى.

3. الدعاء ليلة عرفة بعشر كلمات ألف مرة: سبحان الذي في السماء عرشه، سبحان الذي في الأرض موطئه، سبحان الذي في البحر سبيله… إلخ.

4.   رحيلهم في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رحلة واحدة.

5.   الرحيل من منى إلى عرفة ليلاً.

6.   إيقاد النيران والشموع على جبل عرفات ليلة عرفة.

7.   الاغتسال ليوم عرفة.

8.   قوله إذا قرب من عرفات ووقع بصره على جبل الرحمة: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

9.   قصد الرواح إلى عرفات قبل دخول وقت الوقوف بانتصاف يوم عرفة.

10.التهليل على عرفات مئة مرة، ثم قراءة سورة الإخلاص مئة مرة، ثم الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – يزيد  في آخرها: "وعلينا معهم" مئة مرة.

11.السكوت على عرفات وترك الدعاء.

12.الصعود إلى جبل الرحمة في عرفات.

13.دخول القبة التي على جبل الرحمة ويسمونها "قبة آدم"، والصلاة فيها، والطواف بها كطوافهم بالبيت.

14.اعتقاد أن الله – تعالى- ينزل عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان، ويعانق المشاة.

15. خطبة الإمام في عرفة خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما في الجمعة.

16.صلاة الظهر والعصر قبل الخطبة.

17.الأذان للظهر والعصر في عرفة قبل أن ينتهي الخطيب من خطبته.

18.قول الإمام لأهل مكة بعد فراغه من الصلاة في عرفة: "أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر".

19.التطوع بين صلاة الظهر والعصر في عرفة.

20. تعيين ذكر أو دعاء خاص بعرفة كدعاء الخضر – عليه السلام – الذي أورده في الإحياء، وأوله: "يا من لا يشغله شأن عن شأن، ولا سمع عن سمع…" وغيره من الأدعية، وبعضها طويل جداً بمقدار خمس صفحات!.

21. إفاضة البعض قبل غروب الشمس.

22.ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة عرفة يوم الجمعة تعدل اثنتين وسبعين حجة!.

23.التعريف الذي  يفعله بعض الناس من قصد الاجتماع عشية يوم عرفة في الجوامع أو في مكان خارج البلد؛ فيدعون ويذكرون، مع رفع الصوت الشديد، والخطب والأشعار، ويتشبهون بأهل عرفة3.

وغير ذلك من المخالفات والبدع التي تكون من بعض الناس في ذلك اليوم الأغر – والله المستعان-، فنسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وإلى اتباع سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم -، وتحكيم شريعته، والفوز برضوانه وجنته، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.


1– رواه البخاري برقم(2675).

2– وقد رواه الطبراني بلفظ: (إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته) وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: بإسناد حسن.

3– انظر:  مناسك الحج والعمرة، صـ(53) وما بعدها. بتصرف.