توسعة المساجد

تَوْسِعَةُ الْمَسْجِدِ

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خير خلقه وأفضل رسله محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعه إلى يوم الدين .. أما بعد:

فلمَّا كانتِ المساجدُ دُورَ العبادة والأمكنة التي يجتمع الناس إليها، وهي أفضل الأمكنة عند الله كما قال النبي  : خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق1 فإن العناية بها أفضل من غيرها من البيوت الأخرى، فعندما تمتاز بالسعة، والنظافة، والتهوية الجيدة؛ يُؤدِّي المصلِّي فيها الصلاة من غير تضايق أو تضجر، ومِنْ أهمِّ الأشياء في المسجد أن يكون فسيحاً واسعاً حتى يتسع للمصلين، فيصلون داخله وهم في راحة واطمئنان.

وقد توجد بعض المساجد الضيقة التي يزدحم فيها المصلون لضيقها، ويصلون أحياناً خارج المسجد بين حر الشمس وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى تضايق المصلين.

وتوسعة المساجد حسب الحاجة من الأمور المهمة فقد كان السلف الصالح – رضوان الله عليهم – يعملون على توسعة المساجد؛ لتتسع عدداً كبيراً من المصلين؛ حتى يتعارفوا، ويكونوا في كل حي من الأحياء كتلة واحدة، وأسرة واحدة، يضمهم مسجد واحد، ولكن أصبح الآن كلما ضاق بهم مسجد من المساجد؛ قاموا بإنشاء مسجد آخر إلى جواره، بدلاً من توسعة المسجد الأول، وقد يكون المسجد الجديد صغيراً، وما يلبث إلا أياماً حتى يزدحم فيه المصلون كما هو في السابق، أو يفرق جماعة المسلمين ويقسمهم إلى كتل، والمسجد الذي يفرق المسلمين يتشبه بمسجد الضرار فينبغي التنبه لذلك.

فالواجب أن يوسع المسجد، ولا يُبنى غيره عنده، بل يُنظر مكان لا يُوجد فيه مسجدٌ ويُبنى فيه.

وعلى المسلمين أن يقصدوا المسجد الكبير؛ ولو كان بعيداً؛ لأن جماعة المسلمين فيه أكثر، فيكون الأجرُ فيه أعظم.

وقد كتب عمر بن الخطاب  إلى أبي موسى الأشعري  – وهو على البصرة – يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً، ويتخذ للقبائل مسجداً، فإذا كان يوم الجمعة؛ انضموا إلى الجماعة فشهدوا الجمعة، وكتب إلى أمراء الأجناد أن يتخذوا في كل مدينة مسجداً واحداً2.

وقال السيوطي في كتاب “الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع”: (من المحدثات كثرة المساجد في المحلة الواحدة، وذلك لما فيه من تفريق الجمع، وتشتت الشمل، وحل عروة الانضمام في العبادة، وذهاب رونق وفرة المتعبدين، وتعديد الكلمة، واختلاف المشارب، ومضادة حكمة مشروعية الجماعات…).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “تفسير سورة الإخلاص”: (كان السلف يكرهون الصلاة فيما يشبه مسجد الضرار، ويرون العتيق أفضل من الجديد؛ لأن العتيق أبعد من أن يكون بُني ضراراً من الجديد الذي يُخاف ذلك فيه، وعتق المسجد مما يُحمَد له؛ ولهذا قال تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ3 وقال سبحانه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ4، فإن قدَمَهُ يقتضي كثرةَ العبادةِ فيه – أيضاً -، وذلك يقتضي زيادةَ فضلِهِ)5.

وتوسعةُ المسجدِ يُمكن أنْ يتمَّ – إذا كان المكانُ ضيِّقاً – برفعِهِ إلى الطَّابقِ الثاني، فيصلى فيه بعد أن يمتلئ المسجدُ الأصليُّ، وهذا الأمرُ جائزٌ، واللهُ أعلمُ.

وتوسعة المساجد وإصلاحها هي من واجبات الحكومات، ولكن إذا فعلها أهل الخير فهذا فيه فضل عظيم، وأجر كبير، فقد قال النبي : من بنى مسجداً – قال بكير: حسبت أنه قال: – يبتغي به وجه الله بنى الله له مثلَهُ في الجنَّةِ، وفي رواية هارون: بنى اللهُ له بيتاً في الجنَّةِ متفق عليه، وعن جابر بن عبد الله  أنَّ رسولَ اللهِ قال: من بنى مسجداً لله كمفحص قطاة6 أو أصغر؛ بنى الله له بيتاً في الجنة7 فلا شك أن من وسع مسجداً أو ساهم في توسعته فله أجر عند الله – تعالى -، وله نصيب من هذا الأجر المذكور في الأحاديث – إن شاء الله -.

نسأل الله أن يوفقنا للخير أينما كنا، وأن يعيننا على فعله، وأن يعظم لنا الأجر، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.


1– صحيح ابن حبان (4 /476)، وحسنه الألباني انظر صحيح الجامع الصغير رقم (3271).

2– تلخيص الحبير (2 /55).

3– سورة الحج: 33.

4– سورة آل عمران 96.

5– نقله الشيخ القاسمي في “إصلاح المساجد” ص 97، نقلاً من حاشية المسجد في الإسلام ص 46.

6– مفحص: المكان التي تجثم فيه، والقطاة طائر صغير.

7– رواه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجه رقم (603).