كيف تدعو جارك

كيف تدعو جارك

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

الإسلام دين الترابط والتآلف، وهو دين يدعو إلى المحبة بين أبنائه، والتكاتف في المجتمع, وفي القرآن الكريم تأتي آيات كريمات توصي المسلمين فيما بينهم بحقوق جمة على المخاطبين بالتشريع في هذا الكتاب العظيم (أمة محمد – صلى الله عليه وسلم -) أن يهتموا بها، وأن يولوها جلَّ اهتمامهم، فنجد مثلاً أن الله بدأ بحقّه – عز وجل – على عباده في نظرة شمولية, ثم أتبعه بحق العبيد على بعضهم، وأن لكل واحد منهم حقوقاً وعليه مثلها حتى تسود المحبة بينهم، وتتهذّب الطباع، وتوجه الفرد في المجتمع الإسلامي لحسن التعامل مع الآخرين، وخاصّة مع الجار، وتروّض نفوسهم على الخلق الحسن في التعامل والعشرة، وبذل المعروف، ورعاية كافة الحقوق، ولذا نجد في الآيات والأحاديث الكثير من الحقوق من أعظمها حق الجار، والذي قد أمر الله – تعالى – بالإحسان إليه ورعايته فقال: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ… الآية}1 حيث اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالجار، وأوصى برعايته، وقد تضافرت الأخبار بالوصاية والعناية في أموره؛ لإيجاد التضامن الاجتماعي بين المسلمين، وبناء مجتمع إسلامي تسوده المحبة والألفة.

والجار هو: الذي يلاصق أو يقرب سكنه من سكنك، وقد حدد العلماء دائرة الجيرة إلى مدى أربعين داراً من كل جهة، فمن كانت هذه حاله فله من الحقوق وعليه من الواجبات ما يجعل الجوار نعمة وراحة، ومن هذه الحقوق:

·       المشاركة في أفراحه ومناسباته السعيدة.

·       دعوته لحضور المناسبات السعيدة التي عندك.

·       زيارته في الله – تبارك وتعالى -.

·       تقديم الهدايا إليه.

·       عيادته في مرضه.

·       حفظ عرضه وماله من بعده حال غيابه.

·       مناصرته حال وقوع الظلم عليه، والوقوف معه عند التعدي عليه.

·       الوقوف معه حال الأزمات وحصول المصائب.

·       إكرام ضيوفه في غيبته وحضوره.

·       الذود عنه في المجالس.

·       التوسعة عليه بما وسَّع الله به عليك.

·       كفَّ الأذى عنه، والصبر على ما يبدر منه من زلل.

وكل ما سبق داخل في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ. قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ))2.

فهذه بعض الحقوق الواجبة للجار، وليست مما يؤدى تكرماً وفضلاً، ونجد حرص الشريعة على الجار واضحاً جلياً في حديث عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ))3 في الحديث: الأمر بحفظ الجار، والإحسان إليه، والوصاة برعي ذمته، والقيام بحقوقه، ألا ترى تأكيد الله لذكره بعد الوالدين والأقربين فقال – تعالى -: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} قال أهل التفسير: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} هو الذي بينك وبينه قرابة، فله حق القرابة وحق الجوار، وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – وغيره: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} أي الجار المجاور وقيل: هو الجار المسلم {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} عن ابن عباس قال: الغريب، وقيل: هو الذي لا قرابة بينك وبينه، والجنابة: البعد.4

ومن أهم الحقوق للجار: دعوته إلى الله – تعالى – وهذا من أعظم الحقوق، إذ كيف ترى جاراً لك واقعاً في بدعة، أو جهل، أو معصية، ثم يروق لك ذلك، فأين واجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟، وقبل أن تبدأ بالناس فإن جارك أولى وأحق بدعوته، وإنفاذه من الوحل الذي هو واقع فيه، ومما تتم دعوته عبره من الوسائل:

·       الكتب النافعة التي تحل قضاياه، وتعالج أوضاعه؛ دون أن تجرح مشاعره، أو تنقص من كرامته.

·   الشريط المؤثر لمن يحب من المشايخ والدعاة، ويراعى في اختيارها العناوين الهادفة، والأسلوب الجذاب، والمناقشة الجادة المقنعة.

·   إيجاد الإعلام البديل (الإسلامي) الهادف، والمنضبط بتعاليم الشرع الحنيف من خلال إرشاده إلى القنوات الإسلامية، وإعطاءه بعض أشرطة الفيديو الإسلامية ذات المواضيع الهادفة؛ فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ لِرَجُلٍ أَتَاهُ: ((اذْهَبْ فَإِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ))5.

·   حثه على أداء العبادات والشعائر الإسلامية – وبخاصة الصلاة -، وإن استطعت أن تطرق الباب عليه عند خروجك من المنزل لأداء الصلاة فافعل، أو بالهاتف.

·       التواصل معه عبر الاتصال بالجوال، وإرسال الرسالة المؤثرة المتزينة بجميل العبارة، ولطيف الإشارة.

·       معالجة أخطاءه من خلال النصيحة الفردية، والمجادلة بالتي هي أحسن؛ لإقناعه، وإرشاده.

·   إشراكه في بعض الأنشطة التي يقوم عليها أناس صالحون كدعوته لحضور الرحلات الجماعية، والمحاضرات المسجدية، بل والحرص على حضوره للمحاضرات العامة، ودعوة أهله للمحاضرات النسائية، والأنشطة النسائية.

·   تنسيق الزيارات الجماعية إليه في بيته مع جماعة الحي، أو جماعة المسجد، وبطلاب العلم، والدعاة في بيته، أو دعوته إليهم، وهذه النقطة إذا لم يكن عنده تضجر، أو تضايق من الزيارة.

·   إعانته على الطاعة من خلال الدعاء له في ظهر الغيب بالهداية، والاستقامة على أمر الله، والإجابة على أسئلته الدينية عن طريق إيصاله بالعلماء، والدعاة، والمصلحين، وتبصرته بأمور دينه، وعدم التخلي عنه وقت حاجته لك.

بعد هذا كله فإن هذا الحرص عليه لا يبرر أن نقبل منه المنكر منه، أو الرضا به، أو مشاركته فيه، أو المداهنة الممقوتة، أو التجسس عليه، والتقاط أخباره، والتعليق على كل شاردة وواردة مما يحصل منه فإن في هذا تضييق عليه، ومحاصرته، مما قد يتسبب في نفرته وبعده عن التدين، بل قد يؤدي إلى العداء للمتدينين والصالحين، والسبب في كل هذا أنت بأسلوبك القاسي الغير منضبط.

نسأل الله – عز وجل – أن يهدينا سواء السبيل، وأن يردنا إلى دينه مرداً جميلاً، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 سورة النساsء (36).

2 مسلم (4023).

3 البخاري (5555)، ومسلم (4756).

4 بتصرف من شرح ابن بطال (17/268).

5 أحمد (21949)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/404).