منظار التوحيد

منظار التوحيد

محمد صالح المنجد

أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، وبعد: فإن أبرز معالم هذا الدين الحنيف، وأظهر عنوان عليه: أنه دين التوحيد، بعث الله محمد  بالإسلام الذي هو دين جميع الرسل، الإسلام العام التوحيد، كما بعثه بهذا الإسلام الخاص، وهذه الشريعة الخالدة، وأنزل عليه هذا الكتاب الذي نسخ سائر الكتب، أرسله الله رحمة للعالمين، لمّا فشا الشرك في العالم، وانتَكَسَتْ قريشُ والعرب كلها، ووقعت في ظلمات الشرك والضلال، حتى صارت الكعبةُ التي بناها الخليل على التوحيد مَجْمَعًا لأصنام أهل الجاهلية، حتى بلغت الأصنام نحواً من ثلاثَمائةٍ وستين صنماً تحيط بالكعبة، فلا يطوف أحد ببيت الله الحرام إلا وكانت في مَطافه.

وكلما ازداد الناس بعداً عن الوحي ازدادوا بعداً عن التوحيد، وإغراقاً في الشرك، وهذه الحال التي كان عليها العرب مع أنهم أبناء إسماعيل  ابن الحنيف المسلم، لقد عمّت الجاهلية الأرض، وأطبق ظلام الشرك في جنباتها، ولم يبق فيها من نور الوحي والرسالة إلا بصيص خافت، لا يبصره إلا الفرد بعد الفرد من أفذاذ الناس روى الإمام مسلم – رحمه الله تعالى – في صحيحه عَنْ عِيَاضِ الْمُجَاشِعِيِّ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا؛ كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ: عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.

هكذا كان شأن الناس كلما قلت في أيديهم آثار النبوة أتتهم الشياطين فتخطفتهم، واجتالتهم عن التوحيد، وهوت بهم في مهاوي الشرك قال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ۝ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج: من الآية 30-31).

ونحن اليوم في غمرة بُعدِ كثير من الناس في العالم الإسلامي عن التوحيد فضلاً عن الكفرة والمشركين في أنحاء العالم الأخرى، وظهور طوائف من أهل البدع الذين يقوم دينهم على الشرك، ينشرونه في العالم شرقاً وغرباًَ، والتلبيس الذي حصل على الناس في قضايا مخالفة للتوحيد حتى أصحبت دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – غريبة عند الكثيرين، بل يريدون أن يخلعوا لباسها، ويتبرؤوا منها، ولما كانت طوائف من المنافقين تريد أن تجتال الناس عن دينهم، وأن توقعهم في ألوان من التسوية بين الحق والباطل، والخروج عن الملة الحنيفية، والشريعة المحمدية، ودعوة التوحيد، والخلط بين الشرك والتوحيد، والحق والباطل، والإسلام والكفر، والسنة والبدعة؛ كان لزاماً علينا جميعاً أن نذكر أنفسنا بالتوحيد، وأن نعود إلى التوحيد، أن نفيء إلى ظلاله، وأن نبينّه، وأن ننظر إلى الواقع من خلاله، فكيف يكون نظرنا من الواقع من خلال التوحيد، وتحليل الواقع بناءً على التوحيد، واتخاذ الموقف من الواقع بناءً على التوحيد، وأن تكون خطواتنا ومجيئنا ورواحنا بناء على التوحيد، هذا أصل التوحيد الذي لا يقبل الله غيره، أرسل الله به الرسل، وأنزل الكتب، وهو سر القرآن، ولب الإيمان، هو أساس الخلق والأمر خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ (الأنعام: من الآية73) بالتوحيد، فهو النهج الذي يسير عليه الكون تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ(الإسراء: من الآية 44).

التوحيد هو الغاية التي خلق الله الجن والأنس لأجلها وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذريات:56)، هو دعوة جميع الرسل وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل: من الآية 36).

وهو الحق الذي أوجبه الله ​​​​​​​ على العبيد قال الله تعالى: وَلَقَدْ أُحِيَ إِلَيكَ وَإِلَى الذِّينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ (الزمر:65) إن جاؤوا به خالصاً فازوا، وإن زاحموه بالشرك هلكوا.

والتوحيد هو الذي يثمر الأمن التام في الدنيا والآخرة: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام:82)، والتوحيد الذي هو سبب دخول الجنة: إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (المائدة:72).

وهذا التوحيد الذي يمنع صاحبه من الخلود في النار هو شرط لقبول العمل: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً (الكهف:110)، وكل عمل لا يقوم على التوحيد فلا وزن له: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ

وهذا التوحيد الذي يكفر الخطايا، ويحط السيئات: وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً رواه مسلم.

وبه تُنال به شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ البخاري (97).

هذا التوحيد شامل لكل الحياة، ويريد أعداء الله أن يقولوا اليوم: ما للدين والاقتصاد، وما للدين والاجتماع، وما للدين وعلم النفس، وما للدين وما للدين، يريدون أن يحصروه في مسجد ومنبر، وشهر صيام، وموسم حج، ولا يريدونه أن يدخل في ميادين الحياة، وقد قال ربنا قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۝ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (الأنعام:162-163) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام: من الآية 153) هذه الصبغة التي يجب على العبد أن يصبغ بها نفسه دائماً صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (البقرة:138). الأعمال الظاهرة، والأعمال الباطنة، وفي جميع الأوقات، وفي جميع الأماكن؛ يجب أن تكون الصبغة التامة التوحيد، هذه الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفة الله، ومحبته، والإخلاص له، وعبادته لا شريك له.

من خلال التوحيد ننظر إلى الواقع، من خلال التوحيد نزن ونقيس الأمور، من خلال التوحيد تصدر عنّا الأفعال، ونبني المواقف، من خلال التوحيد نعرف الاتجاهات، من خلال التوحيد نعرف نقف مع من، الولاء لمن، والعداء لمن، هذه القضية العظيمة التي ينبغي أن يكون حتى عطاؤنا ومنعنا فيها بناءً عليه مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ؛ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ كما قال الحافظ بن رجب – رحمه الله -: “ولا يزالُ هذا الذي في قلوب المحبين المُقرَّبين يقوى حتّى تمتلئ قلوبُهم به، فلا يبقي في قلوبهم غيرُه، ولا تستطيع جوارحُهُم أنْ تنبعثَ إلا بموافقة ما في قلوبهم”.

العالم اليوم يعج بالأفكار، بالأطروحات، بالمذاهب، بالأديان، بالملل، بالنحل، بالعقائد، بالمناهج، بالطرق، فكيف تنظر إلى الواقع يا عبد الله، وبناءً على ماذا تقوّم وتقيمّ الأفراد والجماعات، والأمم والمجتمعات، نظرتك مبنية على ماذا؟، تخطئةً وتصويبا، موالاة ومعاداة، مخالفة وموافقة، رضا وسخط، بناء على ماذا تُسر وتحزن، بناء على ماذا ترضى وتسخط، بناء على ماذا تعطي وتمنع، بناء على ماذا توافق وتخالف، يجب أن يكون الأمر بناء على التوحيد، نحن نرى اليوم من يريد أن يعيد ملة عمرو بن لحي الخزاعي مرة أخرى إلى جزيرة العرب، وإلى أنحاء العالم الإسلامي، وأن تُعبد اللات والعزى مرة أخرى، وأن تقوم مشاهد الشرك الوثنية والأضرحة، وأن تُعظّم المشاهد والقبور، وأن يغالى في هؤلاء الموتى، وتصرف لهم أنواع العبادات من دون الله، هنالك من يريد أن يعمم على المسلمين مناهج الشرك والوثنية، والبدعة والضلالة، يريدونها مرة أخرى أوثاناً وأصناماً، وتعظيماً للبقاع والمشاهد، وبعثاً إلى الأضرحة والقبور والمزارات، يريدونها وثنية جاهلية، وخرافة شركية، وقد قال الله وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ۝ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ۝ قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ۝ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ۝ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ۝ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ۝ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ۝ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (الأنبياء:51-58). إذاً آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ من قبل إرسال موسى وعيسى ومحمد ، وأريناه ملكوت السماوات والأرض، واجتمع له الدليل السمعي والدليل العقلي، وعرف بفطرته التي فطره الله عليها من هو رب السماوات والأرض، من هو رب بني آدم والملائكة، والجن والبهائم، بعقله الصحيح، مع ما عرفه من دعوة الأنبياء من قبله، فهذا الخليل أعطاه الله رشده من قبل، ووجهه هذه الوجهة، وجعله حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين، وأنزل عليه الصحف، صحف إبراهيم.

والخليل الثاني محمد  أعاد سنة إبراهيم في تحقير الأوثان والأصنام عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود  قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ نُصُبٍ؛ فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ رواه البخاري ومسلم.

فكان أهل الجاهلية يشركون به، فدعاهم إلى توحيده، كانوا يشركون بالله فدعاهم نبي الله بتوحيد الله، وجاءت الآيات على لسان هذا النبي الكريم وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً (الإسراء:67) كانت هذه الآيات تبني قواعد التوحيد في النفوس قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفي آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ۝ أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ۝ أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ۝ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ۝ أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (النمل:59-63).

هكذا صار الميزان، ولكن مضى على التوحيد من مضى، وعادت الأمة مرة أخرى إلى أنواع من الشرك، في آخر عهد النبي – عليه الصلاة والسلام – يئس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولم يبق عنده إلا باب التحريش، لكن بعد ذلك، وبعد ما مضى خلفائه، وبدأ النقص يدخل على الأمة، بدأت الفرق، وبدأت البدع، وبدأت الضلالات، وعاد الناس إلى أنواع من الشرك تدريجياً، ولما انتهت القرون الثلاثة الأولى فشا ما فشا، ووصل الأمر في عصور من الانحطاط إلى ألوان من الشرك والبدع، حتى قال الشوكاني – رحمه الله -: “رُوِيَ لنا أن بعض أهل جهات القبلة وصل إلى القبة الموضوعة على قبر الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذي بين، فرآها وهي مُسْرَجةٌ بالشمع، والبخورُ يَنْفَحُ في جوانبها، وعلى القبر الستور الفائقة فقال عند وصوله إلى باب الضريح: أمسيت بالخير يا أرحم الراحمين” “الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ص24”.

فلا إله إلا الله والله أكبر؛ ماذا فعل الغلوُّ بأصحابه؟!

لا إله إلا الله والله أكبر، ما أشد ما حل بالمسلمين قال ابن القيم: “وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجاً، ووضعوا له مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً (خطوات عملية لإتيان الضريح والقبر، وكيف تحج إلى صاحب القبر، وتطوف به سبعاً، وتحلق رأسك ثم تنحر عنده)، وسماه (مناسك حج المشاهد)؛ مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام، ودخول في دين عبادة الأصنام)”إغاثة اللهفان” هذا الضّال الملقّب بالنعمان المفيد من غلاة الإثنا عشرية.

وبعضهم يفضل هذه الأماكن وهذه القبور على بيت الله الحرام وعلى غيره من المساجد، وأن لهذه القبور مزايا ليست لبيت الله الحرام حتى قال أحد شعراء الرفض يفّضل القبر المكذوب بكربلاء:

هي الطفوفُ فطفْ سبعاً بمغناها فما لمكة معنىً مثلُ معناها
أرضٌ ولكنمـا السبعُ الشدادُ لها دانت وطـأطأ أعلاها لأدناها

“المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي”.

يعاملون المشاهد معاملة البيت الحرام حتى قال الإمام الصنعاني في كتاب تطهير الاعتقاد: “وكذلك تسمية القبر مشهداً، ومن يعتقدون فيه ولياً لا يخرجه عن اسم الصنم والوثن، إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأصنام، ويطوفون بها طواف الحجاج ببيت الله الحرام، ويستلمونها استلامهم لأركان البيت، ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية،: على الله وعليك، ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ونحوها، وكل قوم لهم رجل ينادونه، فأهل العراق والهند يدعون عبد القادر الجيلاني، وأهل التهائم لهم في كل بلد ميت يهتفون باسمه يقولون: يا زيلعي، يا ابن العجيل (هذا الوقت الذي كان مقارب للوقت الذي خرج فيه الإمام المجدد رحمه الله -، كان أهل مكة وأهل الطائف يقولون: “يا ابن العباس” – فجاءت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتطهر النجد والحجاز وتهامة وغيرها من دعوة الوثنية -)، قال: وأهل مصر: “يا رفاعي، يا بدوي، والسادة البكرية وأهل الجبال: “يا أبا طير”، وأهل اليمن: “يا ابن علوان” وفي كل قرية أموات يهتفون بهم، وينادونهم، ويرجونهم لجلب الخير، ودفع الضر، وهذا هو بعينه فعل المشركين في الأصنام” “تطهير الاعتقاد”.

 لما أغار التتر على بلاد الشام، وصلت القضية بهؤلاء القبوريين أن يخرجوا يستغيثون بالموتى ويقولون:

يا خائفين  من  التتر لوذوا بقبر أبي عمر

لوذوا بقبر أبي عمر ينجيكم من الضرر.

بدع ضلالات، دنسوا التوحيد، أفسدوا الدين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعُصُورِ الْمُفَضَّلَةِ “مَشَاهِدُ” عَلَى الْقُبُورِ وَإِنَّمَا ظَهَرَ ذَلِكَ وَكَثُرَ فِي دَوْلَةِ بَنِي بويه – وهؤلاء من أهل الرفض -؛ لَمَّا ظَهَرَتْ الْقَرَامِطَةُ بِأَرْضِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَانَ بِهَا زَنَادِقَةٌ كُفَّارٌ مَقْصُودُهُمْ تَبْدِيلُ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ فِي بَنِي بويه مِنْ الْمُوَافِقَةِ لَهُمْ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ، وَمِنْ بِدَعِ الْجَهْمِيَّة، وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَالرَّافِضَةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، فَبَنَوْا الْمَشَاهِدَ الْمَكْذُوبَةَ “كَمَشْهَدِ عَلِيٍّ”  وَأَمْثَالِهِ، وَصَنَّفَ أَهْلُ الْفِرْيَةِ الْأَحَادِيثَ فِي زِيَارَةِ الْمَشَاهِدِ، وَالصَّلَاةِ عِنْدَهَا، وَالدُّعَاءِ عِنْدَهَا، وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، فَصَارَ هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةُ وَأَهْلُ الْبِدَعِ الْمُتَّبِعُونَ لَهُمْ يُعَظِّمُونَ الْمَشَاهِدَ، وَيُهِينُونَ الْمَسَاجِدَ” مجموع فتاوى ابن تيمية.

غابت حقائق الكتاب العزيز، وغابت أنوار السنة عن هؤلاء، فلجأوا إلى الأموات والقبور بالخرافات والضلالات، وقد نعى الله على العرب في الجاهلية فعلهم في الشدة، مقارنة بفعلهم في الرخاء قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ*قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (الأنعام:63-64) وهذا الذي قاد عكرمة بن أبي جهل للإسلام، وقد كان نافراً هارباً من مكة مشركاً عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ  النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ؛ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ فَأَمَّا عَبْدُاللَّهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ؛ فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ، وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ، وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ، فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ، فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَة (ناس من المشركين لكن عندهم خبرة بالبحر، وما الذي ينجي في البحر وما الذي لا ينجي في البحر) أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا فَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي مِنْ الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ لَا يُنَجِّينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا  حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ، فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا!! فَجَاءَ فَأَسْلَمَ) رواه النسائي وصححه الألباني.

هذه الفطرة السوية التي كان عليها زيد بن عمرو بن نفيل من أيام الجاهلية، فروى البخاري في صحيحه عن سالم أنه سمع أباه عَبْدَ اللَّهِ بن عمر – رضي الله عنهما – يُحَدِّثُ عن النَّبِيَّ  لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ  الْوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ  سُفْرَةٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو (هذا الموحد في الجاهلية) كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السَّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ!.

ورحم الله النابغةَ الجعديّ الشاعر الصحابي الذي عُمّر حتى أدركه الإسلام، فقال قبل أن يدخل في الإسلام:

الحمدُ للهِ لا شرِيكَ لَهُ مَنْ لم يَقُلْها فنَفْسَه ظلَمَا
المُولِجِ اللَّيْلَ في النَّهَارِ وفي اللَّ يْلِ نَهَاراً يُفَرِّجُ الظُّلَمَا
الخافِضِ الرَّافِعِ السِّمَاءَ على الْ أَرْضِ ولم يَبْنِ تَحْتَهَا دَعَمَا
الخالِقِ البارِىءِ المُصِّوِرِ في الْ أَرْحامِ ماءً حَتَّى يَصِير دَمَا
ثُمَّتَ لا بُدَّ أَنْ سَيجْمَعُكُمْ واللهِ جَهْراً شَهَادَةً قَسمَا
فائْتَمِروُا الآنَ ما بَدَا لَكُمْ واعْتَصِمُوا إِنْ وجَدْتُم عِصَما
في هذه الأرْضِ والسَّماءِ ولا عِصْمَةَ منه إِلاَّ لِمَنْ رَحِمَا

توالت جهود العلماء الربانيين لتصحيح عقائد الناس، في كل وقت توجد فيه كوارث ومصائب، وإخلال بالتوحيد، وانتشار للشرك والوثنية، والبدع والضلالات؛ يبعث الله من المجددين، ومن ينبتون في الإسلام جيلاً وخلقاً، وأئمة هدى، يبعثهم لطاعته سبحانه، ويستعملهم في مرضاته، في إنكار الشرك، وإعلان التوحيد، يبينون للناس سبل الهدى، ويردون من ضل إلى الحق، ويحذرونهم سبل الردى، فكم قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضآل تائه قد هدوه، يجيبون عن الشبهات، ويكشفون العمى، ويفندون الضلالات قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في الرد على القبوريين: “ليس معهم دليل شرعي ولا نقل عن عالم مرضي، بل عادة جروا عليها كما جرت عادة كثير من الناس بأنه يستغيث بشيخه في الشدائد ويدعوه، وكان بعض الشيوخ الذين أعرفهم، وله فضل وعلم وزهد؛ إذا نزل به أمر خطا خطوات إلى جهة الشيخ عبد القادر خطوات معدودات، – يعني أين قبر الشيخ مثلاً؟ في الشرق؟ صارت مشكلة هنا يخطو خطوات نحو الشرق -، وهؤلاء ليس لهم مستند شرعي من كتاب أو سنة، أو قول عن الصحابة والأئمة، وكلما كان القوم أعظم جهلاً وضلالاً كانت هذه الأحوال الشيطانية عندهم أكثر” “الرد على البكري”.

ولما بيّن حال أولئك الغلاة الذين يطلبون حاجاتهم عند القبور، وربما كان صاحب القبر كافراً أو منافقاً يقول شيخ الإسلام: “وكان بالبلد جماعة كثيرون يظنون في العُبيديين أنهم أولياء الله – تعالى -، (والعبيديون مشركون، بنو عبيد القدّاح) فلما ذكرتُ لهم أن هؤلاء كانوا منافقين زنادقة، وخيارُ مَنْ فيهم الرافضة؟! جعلوا يتعجبون ويقولون: نحن نذهب بالفَرَس التي بها مَغْل [يعني وجع أو داء في البطن وإمساك] إلى قبور العبيديين، فتُشفى عند قبورهم؟! فقلت لهم: هذا من أعظم الأدلة على كفرهم، وطلبتُ طائفة من سُيَّاس الخيل، فقلت: أنتم بالشام ومصر إذا أصاب الخيلَ المغلُ؛ أين تذهبون بهم؟ فقالوا: في الشام نذهب بها إلى القبور التي ببلاد الإسماعيلية، وأما في مصر فنذهب بها إلى دِيرٍ هناك للنصارى، ونذهب بها إلى قبور هؤلاء الأشراف، وهم يظنون أن العبيديين شرفاء لأنهم ادّعوا مناصرة آل البيت، فقلت لسيّاس الخيل: إذا أصابها المرض هذا في البطن هل تذهبون بها إلى قبور صالحي المسلمين؟ فقالوا: لا، فقلت لأولئك الأولين: اسمعوا إنما يذهبون بها إلى قبور الكفار والمنافقين، وبيّنت لهم سبب ذلك، فقلت: لأن هؤلاء يعذبون في قبورهم، والبهائم تسمع أصواتهم كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح فإذا سمعت ذلك فزعت، فبسبب الرعب الذي يحصل لها تنحل بطونها فتروث، فإن الفزع يقتضي الإسهال، فيتعجبون من ذلك، قال شيخ الإسلام: وهذا المعنى كثيراً ما كنت أذكره للناس كفى بأناس ضلالاً أن يلجأوا في قضاء حاجاتهم إلى قبور المشركين والضالين!! وينادون (حتى نسائهم عند الولادة): يا فلان، يا علي، يا فلان.

إن قوماً من الموحدين مروا على قوم من المشركين وقد غرّزت سيارتهم في الصحراء، وهم يدفعون ويقولون: يا عمر، يا عمر، فاستغرب الموحدون، وقالوا لهم: ليس هذا الذي تدعونه عادة، قالوا: هذاك لا نحب أن نزعجه في هذ الوقت.

إذا كانت القضية وصلت لدرجة أن صديقين يعملان حطابين، وعندهما حمار يقومان بتحميل الحطب وبيعه على أهل المدينة، وبعد فترة من الزمن عجز الحمار، ومات، فأخذا يبكيان عليه بشدة؛ لأنه كان يعينهما في معيشتهما، وقاما بدفنه، ويبكيان عند قبره، فمَرَّ من قربهم مجموعة من أهل البلد وشاهدوا الحطابين وهما يبكيان عند هذا القبر، فسألوهما عن هذا، ومن هو المتوفى؟ فخجلَ الحطابان أن يقولا: إنه الحمار، فقالا: هذا قبر رجل تقي وصالح، وله أعمال خيرة في حياته!! قالوا: نحوا عنه، وبنوا عليه قبة وضريحاً، وجعلوا يأتونه، وجعلا هذين الحطابين سادنين للقبر باعتبار المعرفة بذلك التقي الولي النقي!!، أما الحطابان فكانا يشرفان على هذا القبر، ويتلقيان الهدايا والعطايا من الزائرين، حتى بلغت محصلة دخلهم أكثر من مائة جنيه يومياً، وبعد فترة من الزمن قرر أحدهما أن يقوم بزيارة أهله في مدينة أخرى، ويغيب عن القبر لمدة شهر، وأن يقوم صديقه بتولي أمور القبر، واستلام المبالغ من الزوار، وبعد شهر عاد الحطاب من زيارة أهله فسأل صديقه كيف المحصلة اليومية لزيارة القبر، فذكر له بأن الزوار أصبح عددهم قليلًا، والدخل لم يتجاوز عشرة جنيه يومياً، استغرب الحطاب من كلام صديقه، وشعر بأنه يقوم بسرقته فقال له: كيف يقل هذا الدخل إلى هذه الدرجة بعد أن كنا نحصل أكثر من مائة جنيه يومياً، فقال له: احلف على كلامك هذا، صديقه رد عليه: “أحلف لك بقبر هذا الرجل الصالح”، رد عليه الحطاب: “احنا إلي دفناه سوا”!!

وإذا كان هؤلاء العامة والضلال ربما تعلقوا بقبر يظنون أن فيه صالحاً، وأنه ينفع، فما عذر من يتعلق بوثن من أيام الجاهلية؟! قال الشيخ صلاح الدين الصفدي – رحمه الله – في تاريخه: “رأيت جماعة من أهل مصر يعتقدون أن الشمس إذا كانت في الحَمَل (في برج الحمل)، وتوجه أحدهم إلى أبي الهول، وبخّر أمامه … ووقف، وقال ثلاثا وستين مرة كلماتٍ يحفظونها، ويقول بعدها: يا أبا الهول افعل كذا، أن هذا يحصل، وأخبرني الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس أن الشيخ قطب الدين [محمد بن أحمد بن علي القسطلاّني المتوفى سنة (686هـ)] كان يتوجه إلى أبي الهول الذي عند أهرام مصر وهو رأس الصنم الذي هناك، ويعلو رأسه باللّالِكة [نوع من الأحذية]، ويقول: يا أبا الهول افعل كذا، افعل كذا!! قال الصفدي: وكأن الشيخ قطب الدين – رحمه الله – كان يفعل ذلك إهانة لأبي الهول، وعكساً لذلك المقصد الفاسد” “الوافي في الوفيات”.

ومن هذ المنطلق عمد كثير من أهل العلم إلى السعي في هدم هذه المشاهد والأضرحة، والاستعانة بالصالحين من أهل السلطان قال ابن كثير في حوادث سنة 236هـ: “فيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب، وما حوله من المنازل والدور، ثم نودي في الناس: من وجد هنا بعد ثلاثة أيام ذهبنا به إلى السجن”. تاريخ ابن كثير، وقال أبو شامة: “ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبينائي أحد الصالحين ببلاد أفريقية في المائة الرابعة، حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبد الله محمد بن أبي العباس المؤدِّب أنه كان إلى جانبه عين تسمى عين العافية، كانت العامة قد افتُتِنوا بها، يأتونها من الآفاق، من تعذّر عليها نكاح أو ولد قالت: امضوا بي إلى العافية، فتعرف بها الفتنة، قال أبو عبد الله: فإنا في السحر ذات ليلة إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها، فخرجت، فوجدته قد هدمها، وأذّن الصبح عليها، ثم قال: اللهم إني هدمتُها لك فلا ترفع لها رأساً، قال: فما رُفِعَ لها رأس إلى الآن” الباعث على إنكار البدع والحوادث.

وذكر ابن كثير – رحمه الله تعالى – في أحداث سنة (418) هـ عن محمود بن سبكتكين عندما دخل بلاد الهند، وأراد كسر الصنم الأعظم المسمى بـِ(سُومَنات) وكانوا يفدون إليه من كل فج عميق كما يفد الناس إلى الكعبة البيت الحرام، فبذل له الهنادكة الهنود أموالا طائلة ليترك لهم هذا الصنم الأعظم، فأشار من أشار بأخذ الأموال، وإبقاء هذا الصنم لهم، فقال: حتى أستخير الله ​​​​​​​، فلما أصبح قال: إني فكرت في الأمر الذي ذُكِر، فرأيت أنه إذا نُوديتُ يوم القيامة: أين محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إليَّ مِن أن يقال: أين محمود الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا، ثم عزم فكسره – رحمه الله – فوجد عليه وفيه من الجواهر واللآلئ، والذهب والجواهر النفيسة ما ينيف على ما بذلوه له بأضعاف مضاعفة. البداية والنهاية. وذكر ابن غنام في تاريخه ما فعله الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – مع عثمان بن معمر من هدم القباب، وأبنية القبور فقال: “فخرج الشيخ محمد بن الوهاب ومعه عثمان بن معمر وكثير من جماعتهم إلى الأماكن التي فيها الأشجار التي تعظم، وأبنية القبور والقباب، فقطعوا الأشجار، وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة، (القبر يرفع شبراً عن الأرض لتمييزه عمن حوله فقط)، وكان الشيخ هو الذي هدم قبة زيد بن الخطاب بيده، وكذلك قطع شجرة الذيب مع بعض أصحابه” تاريخ ابن غنام، 1/78، بتصرف يسير.

يقول العلامّة النعيمي في كتابه (معارج الألباب) حاكياً عن بعض القوم، ومن ذلك: “أن رجلاً سأل من فيه مسكة عقل كيف رأيت الجمع لزيارة ضريح الشيخ، قال: لم أر أكثر منه إلا في جبل عرفة، إلا أني لم أرهم (يعني هؤلاء الناس عند قبر الشيخ) سجدوا لله سجدة قط، ولا صلوا مدة الأيام فريضة (يعني يقيمون عند القبر ولا مرة رأيتهم صلوا)، فقال السائل : قد تحملها عنهم الشيخ، قال النعيمي: وباب (قد تحمّل عنهم الشيخ) مصراعاه ما بين بُصْرَى وعدن، قد اتسع خرقه، وتتابع فتقه، ونال رَشاشُ زَقُّومه الزائرَ والمعتَقِد، وساكنَ البلد والمشهد.

ولقد تعددت مناظرات أهل العلم، وأجوبتهم المسكتة لأهل البدع والخرافات في عامة أبواب التوحيد، ومن المعاصرين الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – ذهب إلى رجل يدّعي علم الغيب، فنصحه الشيخ فأبى، فقال له الشيخ: طيب أريد أن أسألك سؤالاً قال: ما هو؟ قال الشيخ: كيف تدّعي علم الغيب ولا تعلم ما هو السؤال؟.

وقد ناظر أحد علماء أهل السنة عبد الرحمن العياف أحد المشايخ الاثنا عشرية قال: هل أنت اثنا عشري؟! قال: نعم، فقال: عدّ أئمة الاثنا عشرية، فعدهم مبتدئا بعلي بن أبي طالب حتى أتم ذكرهم، فقال الشيخ: هل النبي  إمام أم لا؟ فارتبك وقال: هو نبي؟! فقال الشيخ: لا تحد عن السؤال هل هو إمام أم لا؟ يعني نحن نعتقد أن النبي – عليه الصلاة والسلام – إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، فجعل وجه ذاك المبتدع يتقلب لونه ويتغير، ثم صرخ، ونفض بثيابه، وقال: أنا لست بعالم، وأدبر، لأنه لو قال النبي – عليه الصلاة والسلام – ليس بإمام (يوم ندعي كل ناس بإمامهم) من هو إمام أهل التوحيد وهذه الأمة؟ هو محمد ، وإذا قال المبتدع: النبي – عليه الصلاة والسلام – إمام صاروا ثلاثة عشر، وما صاروا اثني عشر، فبهت الذي كفر.

وقد روى ابن عدي وغيره  عن عباد بن عباد قال: أتيت يونس بن خباب بمنى وهو يقص، فسألته عن حديث القبر، فحدثني به، ثم قال: إن فيه شيئا قد كتمته المرجئة الفسقة، قلت: ما هو ؟ قال: يسأل من وليك؟ فيقول: ولي علي، فقلت ما سمعت بهذا قط – وصلت القضية إلى الكذب، أنهم يدّعون أن من أسئلة القبر، (من ربك، ما دينك، من نبيك، من وليك ) -، قال: من أين أنت؟ قلت: من أهل البصرة، قال: أنتم تحبون عثمان الذي قتل بنتي رسول الله قلت: قتل واحدة فلم زوجه الأخرى؟ فبهت ذاك ولم يجد جوابا وقال: أنت عثماني خبيث – يعني هذا كل الذي عنده -.

وفي قوله تعالى : وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ۝ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ۝ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (الزمر:33-35) قال شيخ الإسلام: “وفي هذا حكاية ذكرها بعضهم عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر غلام أبي بكر الخلال أن سائلاً من المبتدعة سأله عن هذه الآية، فقال له: نزلت في أبي بكر، فقال السائل: لا بل في علي، فقال أبو بكر بن جعفر: اقرأ ما بعدها لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا، فبهت ذلك الرجل، لأن عليّ عندهم معصوم ما يعمل سوء قط، فكيف يكفر أسوا الذي عملوا.

وقد دخل أحد رؤوس المعتزلة على أحد علماء السنة – رحمه الله – يتحدى (المعتزلة يقولون بأن كل واحد يخلق فعله بنفسه، وأن لا الله يخلق أفعال العباد، تعالى الله عن قولهم، أنت تخلق فعلك بنفسك)، فرفع المعتزلي إحدى رجليه وقال: أنا خلقت هذا الرفع!!،فقال له العالم: اخلق الثاني وارفع الرجل الأخرى!! فبهت المعتزلي.

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (إبراهيم:35) القضية خطيرة، حتى أن إبراهيم الخليل  خشي على نفسه وعلى ذريته من عبادة الأصنام، ولا بد من القيام لله بالتوحيد، وسؤال الله الثبات عليه، والاستمرار بالدعوة إليه، وانتهاز الفرصة لذلك، قال الجبرتي – رحمه الله – في ترجمته للشيخ مصطفي العقباوي نسبة إلى ميت عقبة في الجيزة، مصر، توفي: 1218هـ: “وكان إنسانا حسن الأخلاق، مقبلاً على الإفادة والاستفادة، لا يتدخل فيما لا يعنيه .. قانعا متورعا متواضعا، ومن مناقبه: أنه كان يحب إفادة العوام، حتى إنه كان إذا ركب مع المكاري يعلمه عقائد التوحيد” تاريخ الجبرتي.

التوحيد نحن ننظر من خلاله إلى الواقع، منظار التوحيد يكشف لنا الوقائع، في التحالفات، وفي السياسيات، وفي الاتجاهات، منظار التوحيد يكشف لنا اتجاهات هؤلاء الناس، لأن التوحيد مبني على تفرّد الله ​​​​​​​ بالحكم، والعبادة، لا يُعبد إلا هو ، ولذلك كل حكم خرج عن حكم الله وشرعه فهو جاهلي لا قيمة له أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ (المائدة: من الآية 50).

لا يصح لأحد إيمان وتوحيد حتى يسلّم بأحكام الله فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء:65)، بل لا بد من الاعتقاد أن الخير والبركة مرهونة بإقامة حكم الله وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ (المائدة: من الآية 66) لكن انحرفوا عن التوراة والإنجيل، وتركوا التوراة والإنجيل، وأعرضوا، وحرفوا التوراة والإنجيل. منظار التوحيد يكشف لك الأشياء على حقيقتها، من أين تنطلق النصرة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ (الصف: من الآية 14).

تنصر من؟ نصرة الله، ونصرة رسوله ﷺ، تقف مع من؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة:119). أما التنقلات من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، ومن الشيوعية إلى الليبرالية الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (النساء:141) يلقون المسلمين بوجه، والكفار بوجه، ويريدون أن يمسكوا العصا من الوسط بزعمهم، وأن يكونوا حكماء، ولكنهم يتلوون كالديدان والثعابين، إن بطانة السوء، وكتيبة النفاق؛ ليس لها من التوحيد حظ، لأنها تميل على حسب الأطماع والترغيب والترهيب، هؤلاء المفتونون بالكفرة بَوصَلَتهم متوجهة إليهم، يريدون أن يرضوهم بأقوالهم، وأفعالهم، وأن يلتمسوا موافقة أهوائهم، وأن يقلدوهم، وأن يسيروا بالمسلمين في اتجاههم، على حسب الأحوال يتلونون، تاريخهم مليء بالمتغيرات، كانوا في جهة فصاروا إلى أخرى، فتحولوا إلى ثالثة.

يومًا يمانٍ، إذا لاقَيتُ ذا يمنٍ وإن لقِيتُ مَعدّيٍّا فعدناني!!

هؤلاء، يقولون القول تارة، ونقيضه أخرى، يقفون مع الأمر أحياناً، وضده في أحيان أخرى، أحياناً في مقام واحد تجد التناقض، ومثلهم كمثل نديم الباذنجان، فمن هو نديم الباذنجان؟ يقول أحمد شوقي:

كانَ لِسُلطانٍ نَديمٌ وافِ يُعيدُ ما قالَ بِلا اِختِلافِ
وَقَد يَزيدُ في الثَنا عَلَيهِ إِذا رَأى شَيئاً حَلا لَدَيهِ
وَكانَ مَولاهُ يَرى وَيَعلَمُ وَيَسمَعُ التَمليقَ لَكِن يَكتُمُ
فَجَلسا يَوماً عَلى الخِوانِ وَجيءَ في الأَكلِ بِباذِنجانِ
فَأَكَلَ السُلطانُ مِنهُ ما أَكَل وَقالَ هَذا في المَذاقِ كَالعَسَل
قالَ النَديمُ صَدقَ السُلطانُ لا يَستَوي شَهدٌ وَباذِنجانُ
هَذا الَّذي غَنى بِهِ الرَئيسُ وَقالَ فيهِ الشِعرَ جالينوسُ
يُذهِبُ أَلفَ عِلَّةٍ وَعِلَّه وَيُبرِدُ الصَدرَ وَيَشفي الغُلَّه
قالَ وَلَكِن عِندَهُ مَرارَه وَما حَمَدتُ مَرَّةً آثارَه
قالَ نَعَم مُرٌّ وَهَذا عَيبُه مُذ كُنتُ يا مَولايَ لا أُحِبُّه
هَذا الَّذي ماتَ بِهِ بُقراطُ وَسُمَّ في الكَأسِ بِهِ سُقراطُ
فَاِلتَفَتَ السُلطانُ فيمَن حَولَهُ وَقالَ كَيفَ تَجِدونَ قَولَه
قالَ النَديمُ: يا مَليكَ الناسِ عُذراً فَما في فَعلَتي مِن باسِ
جُعِلتُ كَي أُنادِمَ السُلطانا وَلَم أُنادِم قَطُّ باذِنجانا!!

لا بد أن يثبت المسلم على الطريق المحمدية، والشريعة المرعية، والملة الحنيفية: التوحيد، لا يغير ولا يبدل، مهما مالت الأمور، وتغيرت الأحوال، وقوي من قوي، وضعف من ضعف، وصعد من صعد، ونزل من نزل، المؤمن على التوحيد، موقفه واضح لا يبدل ولا يغير.

وفي عالم السياسيات اليوم تجد بعض الناس يميل مع القوي، يغير ويبدل، يغير نحلته وملته ودينه ومنهجه، لماذا؟ أين الوفاء للإسلام، أين الوفاء لهذا الدين، عندما يكون صاحب العقيدة (عقيدة التوحيد) لا يقبل المساومة في مسألة التوحيد؛ فإنه سيتبع التوحيد مهما حصل، حتى لو فقد مزايا دنيوية. لما رأى المعتمد بن العباد – وكان من ملوك دول الطوائف بالأندلس – ما حل بالمدن من حوله، وسقوطها الواحدة تلو الأخرى في يد الفونسو ملك النصارى؛ رأى أن يستنجد بالإمام الصالح يوسف بن تاشفين – رحمه الله – من المغرب، فقال له أحد وزرائه: لكنه إذا أنجدك أخذ ملكك، إذا أنجدك ودخل معك، وتغلبت على ملك قشطالة؛ يكون هو الأقوى، فسوف يسحب منك الملك، فقال المعتمد بن العباد كلمته المشهورة: “لأن أكون راعي ابل عند ملك من ملوك المسلمين خيرٌ لي من أن أرعى الخنازير عند ملك قشطالة” لأن أكون راعي إبل عند يوسف بن تاشفين أحب إلي من أن أكون راعي خنازير عند الفونسوا، وهكذا حصل فعلاً، وكان فيها خير للمسلمين.

إذاً المواقف، ومع من تقف، ومن تناصر، ومن تحالف، وفي أي صف تكون؛ مبنية على التوحيد، أما قضية أن الواحد يتحالف مع مشرك ضد مشرك آخر، ويقف مع كافر ضد مشرك، ويتنقل من شرك إلى شرك، ومن كفر إلى كفر؛ والله ما فيها خير وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (النور:55) فالمواقف يجب أن تبنى على التوحيد، هذا القتال في سبيل الله كُتب على المؤمنين وهو كُرهٌ لهم وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (البقرة: من الآية 216). فهو على ما أمر الله سواء تشتهيه النفس أو لا تشتهيه النفس، قيل للمسلمين في مكة: كفوا أيديكم فكفوا أيديهم، قيل لهم في المدينة: جاهِدوا فجاهَدوا.

أراد أحد المشركين أن يلتحق بالنبي – عليه الصلاة والسلام – فأمره أن يسلم أولاً، لحقه فقال له: ارجع فلن أستعين بمشرك، فمعيار الخطأ والصواب، والحق والباطل، هذا هو التوحيد، وهو منظار في الجهاد والحروب، لماذا القتال؟ لإعلاء كلمة الله وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (البقرة: من الآية 193) يعني شرك، وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (البقرة: من الآية 193) فما الفائدة أن نقاتل كافراً ونرتمي في أحضان مشرك؟ ما فيه فائدة أبداً، ما الفائدة أن نقاتل يهودياً ونرتمي في أحضان مشرك؟، ولذلك البراءة من كل الكفار والمشركين، والوقوف مع التوحيد، ويكون الدين كله لله مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (لا شرك، ولا وثنية)، أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

إذاً غرض القتال في الإسلام: إعزاز الدين، وقهر المشركين، لا إله إلا الله منهج حياة، وكلمة لها نواقض، وهي مفتاح، وهي منهج، ولها شروط، فقد عصم مني نفسه، وماله، إذا قاله بحق، لأن تقاليد أهل الجاهلية تحمل على مناصرة العشيرة والقريب.

قَومٌ إِذا الشَرُّ أَبدى ناجِذَيهِ لَهُم طاروا إِلَيهِ زُرَافاتٍ وَوُحدانا
لا يَسأَلونَ أَخاهُم حينَ يَندُبُهُم في النائِباتِ عَلى ما قالَ بُرهانا

ولذلك يقول – عليه الصلاة والسلام -: مَنْ نَصَرَ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الَّذِي رُدِّيَ فَهُوَ يُنْزَعُ بِذَنَبِهِ رواه أبو داود وهو حديث صحيح. التوحيد هو المنظار الذي يُرى به ما يتعلق بكل الناس، وبالحقوق والواجبات والنصر، ولئن  كانت النفوس بطبيعتها تحب الحياة، وتكره الموت؛ فإن رضوان الله، وإقامة شرعه وتوحيده؛ تخرج المؤمن من أهله، وماله؛ ليبذل روحه رخيصة في سبيل مرضاة ربه كما قال الشاعر الصحابي النابغة الجعدي لزوجته وهو خارج للجهاد:

يا ابْنَةَ عَمِّي كِتَابُ اللهِ أَخْرَجَني كُرْهاً وهل أَمْنَعَنَّ اللهَ ما فَعَلاَ
فإنْ رَجَعتُ فَرَبُّ الناس يَرْجِعُنِي وإِنْ لَحِقْتُ بِرَبي فابْتَغِي بَدَلاَ
ما كُنْتُ أَعْرَجُ أَوْ أَعْمَى فَيَعْذُرَني أَو ضارِعاً مِنْ ضَنًى لم يَسْتَطِعُ حِوَلاَ

أن لحقت ربي فابحثي عن زوج آخر، أما أنا فلست بأعرج ولا أعمى، ولا نحيل هزيل، ما عندي عذر.

كذلك ابن رواحة  فيقول:

أَقسَمتُ يا نَفسُ لَتَنزِلِنَّه طائِعَةً أَو لا لَتُكرَهِنَّهْ
إِن أَجلَبَ الناسُ وَشَدّوا الرَنَّة ما لي أَراكِ تَكرَهينَ الجَنَّة
قَد طالَما قَد كُنتِ مُطمَئِنَّة هَل أَنتِ إِلا نُطفَةٌ في شَنَّة
جَعفَرُ ما أَطيَبَ ريحَ الجَنَّة

[الرَّنَّةُ: الصوتُ] 

التوحيد هو المنظار حتى الذي ننظر به من خلال حياتنا الاجتماعية، إننا نعيش اليوم في وقت أفكار متباينة، وقوى متصارعة، ومصالح متقاطعة، وفلسفات شتى؛ وتقارب وتباعد، فمن هم القوم الذين أنت تقترب منهم، وتبتعد عنهم، وتحبهم وتكرههم لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (المجادلة:22) فكلما كان الشخص أقرب إلى الله، وأكثر له محبة، أصل التوحيد الولاء للمؤمنين، والبراءة من المشركين، حب المؤمنين، وبغض الكفار والمنافقين، أصل التوحيد: إخلاص لله، وتعبّدٌ له ​​​​​​​، الموحد يبني علاقاته مع الناس قرباً وبعداً  بحسب توحيدهم قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (الممتحنة:4).

هذا نوح – عليه الصلاة والسلام – مع ولده وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ۝ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (هود:45-46) لا نسب بين مسلم وكافر يقول عَلِيٍّ  قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ لما مات أبوه [يعني: أباه أَبا طَالِبٍ]: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قد مَاتَ فَمَنْ يُوَارِيهِ؟ قَالَ: اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ، وَلَا تُحْدِثَنَّ حَدَثًا حَتَّى تَأْتِيَنِي، فَوَارَيْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ، وَدَعَا لِي رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني، كيف يصف أباه؟ إن عمك الشيخ الضال قد مات، يقول – عليه الصلاة والسلام -: أَلا إِنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ، وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ رواه البخاري ومسلم، لماذا؟ لأنهم لم يسلموا، مع أنهم من أقاربه.

الآن ماذا يقول القوميون هؤلاء الملوَثون، أصحاب الفكر المنحرف، يُصدّرون ويلقون المحاضرات، هؤلاء الذين يسمون بأرباب الفكر العربي، والمفكرون العرب، يقول شاعر الضلالة [الخوري]:

هبوا لي ديناً يجعل العُربَ أمةً وسيروا بجثماني على دين بُرْهُمِ
بلادَك قدِّمها على كل ملةٍ ومن أجلها أفطرْ ومن أجلها صُمِ
سلام على كفر يوحد بيننا وأهـلا وسـهلا بعده بجهـنم

هذا مذهبهم، ليس مهماً أن يجتمع على أي دين، المهم العرب يتحدوا، ولو على دين الهنادكة.

عبد الرحمن الكواكبي الضال يقول مخاطباً غير المسلمين: “أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد، وما جناه الآباء والأجداد … فهذه أمم أستراليا وأميركا قد هداها العلم لطرائق الاتحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري …”، وقال: “دعونا ندبر حياتنا الدنيا، ونجعل الأديان تحكم الآخرة فقط! دعونا نجتمع على كلمات سواء ألا وهي: فلتحيا الأمة، فلنحيا طلقاء أعزاء”، هو ينادي غير المسلمين يقول: تعالوا نتحد وننسى الأحقاد، وننسى كل شيء، ونترك الأديان هذي للآخرة، الدنيا كلنا أحباب، وكلنا أصحاب، هذا هو المذهب الضال إذا ما كان بمنظار التوحيد هذا هي النتيجة.

العلم في هذا الدين يقتضي العمل، ولا بد من العمل يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -: “فالله الله إخواني: تمسّكوا بأصل دينكم أوله وآخره، أسّهِ ورأسه وهو شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها، وأَحِبّوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت، عادوهم، وأبغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم، أو لم يكفّرهم، أو قال: ما عليّ منهم، أو قال: ما كلفني الله بهم؛ فقد كذب على الله وافترى، بل كلفه الله بهم، وفرض عليه الكفر بهم، والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه وأولاده، فالله الله تمسكوا بأصل دينكم لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئاً” انتهى كلام الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -.

ولما تواجه المسلمون في تاريخهم الطويل مع أعدائهم برز دور العلماء، فهذا الإمام أحمد – رحمه الله – يبيّن قضية حكم تولي الكافرين، والحكم على الشخص من موقعه، أين يقف، ومع من؟ قيل لأحمد – رحمه الله – عن بَابَك الخُرَّمِيّ لما خرج على المسلمين، وحاربهم وهو بأرض المشركين: “إذاً هو عند المشركين، وجاء من بلاد المشركين، خرج إلى المسلمين” خرج إلينا يحاربنا، وهو مقيم بأرض الشرك، أيّ شيء حكمه؟، إن كان هكذا فحكمه حكم الارتداد، يعني وإذا كان هو أصلاً مسلم؛ لكن ما دام لجئ إليهم، واحتمى بهم، ثم جاء من عندهم يقاتل المسلمين.

وعندما هجم التتار على أراضي الإسلام في بلاد الشام أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية برِدِّة من قفز إلى معسكر التتار من بعض المنتسبين إلى الإسلام لما ذهبوا وتحالفوا معهم.

يكون الغبش لأن المنظار ليس بمنظار التوحيد، الخلل الذي يجعل الإنسان يضطرب، ويتحلل من الثوابت، ويترك الأسس، ويغفل عن أساس القضية، الملة التوحيد والسنة، حينما لا تميز التوحيد من الشرك فهي مصيبة، وحينما لا تميز السنة من البدعة فهي مصيبة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (المائدة: من الآية 51).

الكفر ملة واحدة، ويجب أن ينصر من كان مع الله، أما أولئك المشركين فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ (المائدة: من الآية 52)، ولذلك

كل العداوات قد ترجى مودتها إلا عداوة من عاداك في الدين

وعندما يكون التوحيد منظار للعبد فلا يمكن أن يزكي الإنسان كافراً، ولا يقبل الله عملاً من كافر مات على الكفر، ولا يمكن لمسلم عنده منظار التوحيد أن يقول عن واحد مات على غير ملة الإسلام: المجاهد المرحوم المغفور له، بكت عليه السماء، إلى جنة الفرودس، يا أيتها النفس المطمئنة، على من؟ على كافر وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (الفرقان:23) قالت عائشة: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ:  لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ رواه مسلم.

ويجب أن لا نغتر بالمظاهر، لأن منظار التوحيد لا يقف عند الظاهر، وإنما ينفذ إلى الحقيقة والباطن.

لما مر رجل صاحب شارة حسنة (هيئة حسنة، وملبس حسن) راكب على دابة فارهة، قالت أم ترضع ولدها: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الطفل الثدي، وأقبل عليه فنظر إليه، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، أنطق الله هذا الغلام الرضيع، ما هو السبب؟ قال – عليه الصلاة والسلام -: إن ذاك الرجل كان جباراً، وفي رواية: أما الراكب فإنه كافر وفي رواية لأحمد: يقول الغلام لأمه لما تعجبّت يا أمتاه إن الراكب ذو شارة جبار من الجبابرة، وفي لفظ: إنك دعوت ربك أن يجعلني مثل رجل من أهل النار، اللهم لا تجعلني مثله والحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد، ولذلك أهل الدنيا يقفون مع الخيال الظاهر، وأهل التوحيد مع الحقيقة، وحسن السريرة إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ليس بقضية الظاهر فقط.

منظار التوحيد، لما تأتي الأمور المدلهمّة الآن في عالم الأزمة المالية، ونرى الكوارث العظيمة، تعلن (AIG) شركة تأمين بالأمس عن خسائر أكثر من 99 مليار دولار كأكبر خسارة شهدتها شركة عالمية في التاريخ، وانهيارات متواصلة للمصارف، وضخ أموال بلا نتيجة تُرى، وخمسة ونصف مليون عاطل في نيويورك يعيشون على المساعدات، وجنرال موتورز تقول بأن فروعها في أوروبا ستغلق، ومصانعها تنهار، وأنها على وشك الإفلاس، وورائها ستغلق مصانع كثيرة جداً، والبطالة ستزداد، ثم يعلنون بأن 2009 كله كوراث، ما فيه أمل بأن تتحسن الأمور، ويخرج أوباما ليقول: المسألة تحتاج إلى عشر سنين، وتغلق متاجر تجزئة، وتنهار مصانع، وتلغى وظائف، من السيئ إلى الأسوأ، يقول المسلم وهو يرى هذا، تداعيات، إفلاسات، إلغاء وظائف، ماذا سنفعل، أين نتجه، كيف سنأكل، ما هو مصدر الدخل يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ۝ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة:21-22) منظار التوحيد يقول لك في هذه الحالة وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (الذاريات:22)، منظار التوحيد يقول لك إن المال في العالم ينفد مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ (النحل: من الآية 96) منظار التوحيد الذي ينظر إلى المال على أنه مال الله، ونحن مستخلفون فيه، ومسؤلون، وعلى صاحب المال أن يزكي منه وينفق.

منظار التوحيد هو الذي يمنعك من الربا، والغش، والسرقة، والاحتكار، والنهب والنصب، والاقتراض والإقراض بالربا.

منظار التوحيد هذا هو الذي يجعل الواحد يطمئن بالله، ويتوكل على الله، ويرجو رحمة الله، ويدعو الرزاق ذو القوة المتين، ويلتمس ما عنده، ولا يخشى على أولاده الضيعة لأن لهم رب ، هزَّت الصينَ واحدةٌ من أفظع حالات قتل الأطفال الرسمي، حيث قام مسؤلون من إحدى إدارات تنظيم الأسر بإغراق مولود سليم أمام أنظار والديه في قرية كايديان بإقليم هوباي، والتي نُفِّذَت كجزء من سياسة الصين في تحديد عدد الأطفال بمولود واحد الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة:268) عَنْ ابن مسعود  قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ رواه البخاري وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ (الإسراء:31) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكمْ وَإِيَّاهمْ.

هذا منظار التوحيد الذي يجعل الإنسان يقدم على الزواج وهو واثق بالله وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (النور:32) فلا يمنعكم ما تتوهمون من الفقر بسبب كثرة العائلة، والله وعد المتزوج بالفرج أنفق يا ابن آدم أنفق عليك وحصل في العالم ما حصل من الانتحار، والإصابة بالاكتئاب، والقلق والصدمات العصبية، والأمراض النفسية والجلطات، وأمراض القلب والعديد من أمراض الجهاز العصبي إثر انهيار البورصات.

إحصائية أمس تقول: 27% من الأمريكيين لا ينامون في عدد من الليالي من جرّاء الأزمة، لماذا؟ الذي ليس عنده ركن ركين يأوي إليه يتعذب، أما الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام:82) بظلم: الشرك، وكان من دعاء النَّبِيّ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ رواه البخاري.

تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تعس َعَبْدُ الدِّرْهَمِ هياكل الديانة الغربية بما فيها من باحات الرقص، دور السينما، وأماكن توليد الكهرباء، وأبطال الطيران، يعبدون البنك المركزي ستة أيام، ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة يقول جون ديوي: “نحن نعيش من ناحية دراسة طبائع البشر في حضارة مالية أو نقدية، عقائدها وطقوسها هى السائدة، فالمال وسيلةِ التعامل والتبادل”، وهؤلاء الذين يخضعون لآلهم المعبود آله المال، ويؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى.

منظار التوحيد هو الذي يجعل الإنسان يقوّم التخصصات، والمناهج، والفنون على أساس التوحيد، يجتمع مجموعة حول مدافن وأماكن أثرية، ويدخلون ويخرجون، يحفرون، يخرج أحدهم بشيء ملفوف وهو يخشى عليه أشد الخشية، ما هذا ؟ يقول: هذا لا يقدّر بثمن! وهو عبارة عن ماذا؟ تمثال! من ذوات الأرواح، ما حقه في الشرع؟ أن يُكسر، يتلف، يقول: لا يقدّر بثمن انتبهوا أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ لعن الله المصورين إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ. إذا أنت عندك منظار التوحيد سترى أن هذا يتلف، والذي ليس عنده منظار التوحيد يقول: هذا لا يقدّر بثمن، انتبهوا يطيح وينكسر مصيبة، هذه تحف، هي أصنام صغار، تماثيل ذوات أرواح، إذا كان هذا معبودات بدون الله شرعاً تكسّر تحطم، تتلف، الموحد لا يعبأ بالآثار الجاهلية من هذا النوع، ممكن تقول: إن هذه أواني فخارية، هذه أشياء تراثية قديمة، ليست من ذوات الأرواح، لكن المصورات من ذوات الأرواح ما قيمتها شرعاً؟ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ  : أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ  أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ رواه مسلم.

النبي – عليه الصلاة والسلام – لما مر على ديار ثمود في الحجر بين المدينة  وتبوك ماذا فعل؟ روى البخاري (3128) ومسلم (5294) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا، وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ  أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا، وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ. فنهى النبي  عن استعمال الماء الذي في ديار ثمود لأنه ماء قوم معذبين، وأمر بأن يراق، وحتى العجين الذي عجن بذلك الماء يُطعم للدواب، لا يجوز أن يأكلوا منه، هذه ديار القوم المعذبين، وحتى لا تهتز النظرة للعصاة والمعاصي، وأهل المعصية والمشركين، فإن الله أهلكهم، وعن النبي – عليه الصلاة والسلام -: لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ حَذَرًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ زَجَرَ فَأَسْرَعَ حَتَّى خَلَّفَهَا، وفي لفظ آخر لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ وهذا يريد أن يدخل الكاميرا، وهذا يصور، وهذا يبتسم!!

ديار القوم الذين ظلموا أنفسهم، هذه حلّت بها اللعنة، أهلك الله أهلها بالصيحة، قال ابن القيم: “من مر بديار المغضوب عليهم، والمعذبين؛ لم ينبغ له أن يدخلها، ولا يقيم بها، بل يسرع السير، ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها، ولا يدخل عليهم إلا باكيا معتبرا”.

وهؤلاء اليوم يريدون أن يعملوا مزاراً لقبر أمنا حواء، ويعملون أنواعاً وطقوساً من الوثنية عند غار حراء، وغار ثور، ويحولون آثاراً مزيفة ليس لها أصل في التاريخ الإسلامي، هذا مسجد كذا، هذا مبرك الناقة، هذا مكان شجرة كذا، واختراعات يعملونها مزارات، ويأتون بالوفود من الحجاج المعتمرين بعضهم يذهب إليها، ويقيم الشعائر عندها، ويعمل عبادات فيها، ويخصوها بأمور، تعظيم البقاع لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد.

الذي ينظر إلى منظار التوحيد – أيها الأخوة والأخوات – عندما يقرأ في الكتب: كتب الأدب، كتب الشعر، الروايات والقصص، يقبل ما وافق التوحيد، وينبذ ما خالف التوحيد، لأن فيه أشعاراً فيها إلحاد، هذا عمر الخياّم الشاعر الفارسي يقول: 

لبستُ ثوب العيشِ لم أُسْتَشَرْ وحِرتُ فيه بينَ شتى الفِكَرْ
وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت أين المقر
نمضي وتبقى العيشةُ الراضيهْ وتنمحي آثارنا الماضيهْ
فقبل أن نحيا ومِنْ بعدِنا وهذه الدنيا على ما هيه

الدهرية ما هي عقيدتهم؟ يقولون: الدنيا ستستمر إلى الأبد، لا بعث ولا نشور، ومنهم من يرى أن الدنيا تعود كل ست وثلاثين ألف سنة.

أين هذا من قول ذلك الشاعر:

أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللَهَ باطِلُ وَكُلُّ نَعيمٍ لا مَحالَةَ زائِلُ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ: أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ، وقد أثنى النبي  على شعر أمية بن أبي الصلت وهو كافر فقال : وَكَادَ ابْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ متفق عليه، وعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ  يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: هِيهْ [وَهِيَ كَلِمَة لِلِاسْتِزَادَةِ] فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ: هِيهْ ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ: هِيهْ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ. رواه مسلم، لماذا استحسنه وسمعه؟ لأن في شعر أمية بن أبي صلت إقرار بالوحدانية والبعث، مع أنه كان في الجاهلية.

إذاً ما يسمى بالأدب العربي المعاصر، أو روايات الأدب العربي؛ في بعضها إلحاد وكفر وزندقة، وقول بأزلية العالم، ونسبة الخلق إلى غير الله، والسخرية بالخالق، والحيرة والشك في الوجود، والحياة، والبعث، واعتبار الحياة عبث، ومعاداة السماء، ونفي وجود القدر، موجود هذا في الروايات، وفي الأشعار، في بعض كتب الأدب العربي، ونفي قدرة الله، وجعل القدر خرافة، والاعتراض على قدر الله، وجعل الإيمان بالقدر سبب للتخلف والتحجر، والهمجية والرجعية، ونسبة التقدير والقدر لغير الله، والسخرية بالغيبيات، وتقديس الإلحاد والكفر والوثنية، ونحل أهل الزندقة.

الذي عنده منظار التوحيد لا يضل بإلحاديات الغرب، ولا وثنيات الشرق. الذي ليس عنده منظار التوحيد يمكن أن يقرأ في كتب تنشر على أنها كتب مثقفين، فيها نظريات الحالة المستدمية؛ وهي أن الكون في حالة سكون واستقرار وعدم تغير، وأنه مصنوع مثل: الساعة الدقيقة التي صنعها صانعها وتركها تعمل، فهي ستبقى إلى .. وهذه نظرتهم إلى الكون، والله ​​​​​​​ سيبعث من في القبور، وكل من عليها فان.

يقولون نظرية الفوضى، فما هي نظرية الفوضى؟

الله ​​​​​​​ خلق الكون، خلق هذا على نظام دقيق ونواميس كونية، وهكذا ستجد في قضية الفلك والطب، وفي النظريات التي تدرّس في بعض الكتب من العلوم الحديثة فيها إلحاديات وكفريات، موجودة في بعض التخصصات، كعلم النفس، وعلم الاجتماع، ستجد فيها أيضاً إلحاديات، من منظار التوحيد ستعرف الأشياء، وبمنظار التوحيد تقيس، ومن التوحيد ترد.

قابل أبو حنيفة بعض الزنادقة الذين ينكرون وجود الله فقال لهم: ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرةً – محملة – فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها، ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء، وتسير بنفسها، وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد.

فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل. فقال: وَيْحَكُم سفينة ما قبلتم أن تمشي بدون ربان، كيف الكون بدون خالق، أنتم تنكرون الخالق.

تأمَّل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع الملـيكُ
عيونٌ من لُجَينٍ شاخصـاتٌ بأحداق هي الذهبُ السبيكُ
على قَضَبِ الزَّبَرجَدِ شاهداتٌ بأنَّ اللهَ ليس له شَــرِيكُ

أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ وبعض الناس يعتقدون اليوم بتأثير الكواكب على حياة البشر، ومنه سعد، ومنه نحس، ويعتقدون في الكواكب والنجوم ما لا يجوز أن يُعتقد، ومنه ما يصادم التوحيد.

وهكذا أيها الأخوة من الأشياء الكثيرة التي تبيّن إيمان المؤمن إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ هذا التوحيد في النهاية هو الذي يوصل إلى النور، وهو علامة الفلاح والفرقان بين الحق والباطل، وينال صاحبه الأجر العظيم اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (النور:35) هذا المثل، في هذه الآية، ضربه الله – تعالى – لنوره في قلب عبده المؤمن، من أي شيء ينشأ العلم النافع، والعمل الصالح.

اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، واجعلنا من أهل التوحيد، ومن أهل السنة، اللهم ثبتنا على دينك حتى نلقاك، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن تجعلنا هداة إلى سبيلك يا رب العالمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .