عقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات

عقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات

 

الحمد لله الذي لم يزل عليماً عظيماً, علياً جباراً, قهاراً قادراً قوياً, رفع سقف السماء بصنعته فاستوى مبنياً, وسطح المهاد بقدرته وسقاه كلما عطش رياً, عزَّ فارتفع، وعلا فامتنع، وذل كل شيء لعظمته وخضع, تفرد بالكمال والجلال والقهر, لا ندَّ له، ولا شريك معه, تنزه عن الشبيه والنظير والمثيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}1, أخرج صنوف النبات فكسى كل نبت زياً، قسم الخلائق سعيداً وشقياً, وقسم الرزق بينهم فترى فقيراً وغنياً, والعقل فجعل منهم ذكيا وغبياً, والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، أعظم منزه لرب العالمين محمد بن عبدالله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمن المعلوم في منهج أهل السنة والجماعة أن مصدر التلقي عندهم هو الأصل الأصيل كتاب ربنا – تبارك وتعالى – وسنة نبينا – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -؛ على فهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم وأرضاهم – قال الله – تبارك وتعالى -: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}2؛ وذلك لأن القرآن نزل بلغة العرب؛ قال الله – تعالى -: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}3, وكان الصحابة – رضوان الله عليهم – من أفصح الناس فلم يؤولوا ولم يحفوا؛ بل أثبتوها, ولذلك فإن عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات أنهم يثبتون ما أثبته الله – تبارك وتعالى – لنفسه, أو أثبته له رسوله – صلى الله عليه وسلم – من غير تكييف ولا تمثيل, ومن غير تشبيه ولا تعطيل قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – رحمه الله -: "ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه العزيز، وبما وصفه به رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم -، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل4" أهـ.

ويكون إثبات الصفات مفصلاً، وأما النفي فيكون مجملاً، والإجمال في النفي هو أن يُنْفَى عن الله – تبارك وتعالى – كل ما يضاد كماله وعظمته من أنواع العيوب والنقائص كما جاء في قول الله – تبارك وتعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}5، وقوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}6، وقوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}7, وأما الإثبات المفصل فمثل قول الله – تبارك وتعالى -: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }8, وقوله: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}9.

وهذه الطريقة هي عكس طريقة أهل البدع في الإيمان بأسماء الله – تعالى – وصفاته، فإنهم ينفون نفياً مفصلاً، ويثبتون إثباتاً مجملاً، فالجهمية وغلاة الباطنية والمتفلسفة؛ ينفون جميع الصفات, ويثبتون صفةً واحدةً هي وجود الله – تبارك وتعالى -، وكلامهم هذا مخالف للكتاب، والسنة, وفهم السلف, ومعلوم أن القول على الله – تبارك وتعالى – بغير علم حرام سواء أكان القول في الأسماء والصفات في العقائد, أو في الأحكام العملية (أي الحلال والحرام), فإن القول على الله بلا علم من أشد المحرمات، ولهذا تفرع عنه كل ضلال، وقد ذكر الله – تبارك وتعالى – تحريمه هذا العمل في عدة آيات في كتابه الكريم فقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}10, وقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}11, بل القول على الله – تبارك وتعالى – بغير علم هو من اتباع الشيطان الرجيم قال الله: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}12، وقال الله – تبارك وتعالى -: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}13, ومن الإلحاد في أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى تسمية الله – تبارك وتعالى – بما لا يليق بجلاله وعظمته, أو تسمية بعض المخلوقين ببعض ما سمى الله به نفسه, أو وَصْفُهُ – تبارك وتعالى – بما لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، وذلك لأن الأسماء والصفات توقيفية, ويكون الإلحاد في الأسماء أيضاً بتعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها، وزعم أنها ألفاظ مجردة لا معاني لها كما فعل الجهمية والمعتزلة, أو تشبيه صفات الله – تبارك وتعالى – بصفات خلقه في النفي والإثبات, ومن الإلحاد فيها أيضاً أن تؤول وتصرف عن ظاهرها إلى معانٍ لا يجوز أن تصرف عن ظاهرها، فيكون ذلك من التأويل، وإنما الواجب على المسلم الإيمان بالأسماء والصفات وإثباتها كما جاءت، واعتقاد ما دلت عليه.

فإذا ما تقرر ذلك عُلِمَ أن الإلحاد منه ما هو كفر، ومنه ما هو بدعة بحسب ما ذكرنا، فالحال الأخيرة – وهي التأويل، وادعاء المجاز في الأسماء والصفات – بدعة وإلحاد في الأسماء والصفات, وقد ضل في هذا النوع من التوحيد طوائف عدة كالأشاعرة, والمعتزلة, والجهمية, والكرامية, والكُلابية وغيرهم من أصحاب الكلام, نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يبصرنا بدينه، وأن يرد كل ضال إلى الصراط السوي بمنَّه وكرمه، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله الصادق الأمين.


 


1 سورة الشورى (11).

2 سورة البقرة (137).

3 سورة يوسف (2).

4 شرح العقيدة الواسطية لهراس (ص34).

5 سورة الشورى (11).

6 سورة مريم (65).

7 سورة المؤمنون (91).

8 سورة الحشر (23).

9 سورة البقرة (255).

10 سورة الأعراف (33).

11 سورة الأنعام (21).

12 سورة البقرة (169).

13 سورة الأعراف (180).