الألبسة المحرمة

الألبسة المحرمة

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا وإمامنا، وحبيبنا وقدوتنا، وقرة أعيننا؛ محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحابته، ومن سار على دربه إلى يوم الدين، أما بعد:

من أهم ما بعث به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إتمام مكارم الأخلاق، وترسيخ محاسن العادات بين الأفراد والشعوب فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))1.

والتستر بالثياب والحياء من التعري أمر مركوز عليه في فطرة الإنسان وطبعه، ويعتبر اللباس من نعم الله – سبحانه وتعالى – علينا، حيث أشار الله – تعالى – إلى ذلك بقوله: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}2.

غير أن الله – سبحانه وتعالى – حرَّم علينا بعض الألبسة لحكمة منه – سبحانه وتعالى -، والحديث في هذا الدرس عن الألبسة المحرمة فنقول وبالله التوفيق:

لقد بيَّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأمته ما لا يجوز لهم من اللباس بياناً ظاهراً واضحاً، ومن ذلك لباس ما يختص بالكفار سواء كان لباساً شاملاً للجسم كله أو لعضو منه، فكل لباس يختص بالكفار ولا يلبسه غيرهم فإنه لا يجوز للمسلم لبسه فعَنْ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ))3، فإن التشبه بهم يقتضي شعور المتشبه بأنهم أعلى منه، فيعجب بهم وبصنيعهم حتى يؤدي به ذلك إلى إعجابه بعقائده وأعمالهم.

ومن اللباس المحرم لباس الرجل ما يختص بالمرأة، ولباس المرأة ما يختص بالرجل، فكل لباس يختص بالرجل سواء كان شاملاً لجميع الجسم كالقميص، أم مختصاً بعضو منه كالسراويل والحذاء وغيرها؛ فلا يجوز للمرأة أن تلبسه، وكل لباس يختص بالمرأة فإنه لا يجوز للرجل لبسه، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: ((لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال))4.

ومن اللباس المحرم على الرجال لبس الحرير، وما حلِّي بذهب أو فضة، نسجاً أو طرزاً، على الذكور دون الإناث، في الصلاة وغيرها، وقد كان لبس الحرير جائزاً من قبل لكنه حُرِّم بعد ذلك فعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: ((قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا شَيْئاً، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَقَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي!! قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا، فَقَالَ: ((خَبَأْنَا هَذَا لَكَ)) قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: رَضِيَ مَخْرَمَة))5، وعن وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ – رضي الله عنه – قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: إِنَّكَ بِسَعْدٍ أَشْبَهُ، ثُمَّ بَكَى وَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى سَعْدٍ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – جَيْشاً إِلَى أُكَيْدِرَ دُومَةَ فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِجُبَّةٍ مِنْ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٍ فِيهِ الذَّهَبُ، فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ جَلَسَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْمِسُونَ الْجُبَّةَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا؟)) قَالُوا: مَا رَأَيْنَا ثَوْباً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِمَّا تَرَوْنَ))6، وقد دل على حرمة لبس الحرير والذهب عدة أحاديث منها حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ – رضي الله عنه -قَالَ: ((أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَرُّوجُ حَرِيرٍ؛ فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعاً شَدِيداً كَالْكَارِهِ لَهُ، وَقَالَ: ((لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ))7، وعَنْ عَلِيٍّ – رضي الله عنه – قَالَ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حُلَّةُ سِيَرَاءَ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ فَلَبِسْتُهَا، فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: ((إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُراً بَيْنَ النِّسَاءِ))8، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه – رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ))، ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْهَا حُلَلٌ؛ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا))، فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَخاً لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكاً))9، وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنه – قال: ((لَبِسَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَوْماً قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ، ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ، فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ!! فَقَالَ: ((نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ))، فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْتَ أَمْراً وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَمَا لِي، قَالَ: ((إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ))، فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ))10.

وقد دلت الأحاديث السابقة أن الحرير كان حلالاً للرجال ثم نسخ من الحل إلى الحرمة، وبقي حلالاً للنساء، ويدل على ذلك الأحايث التالية:

عن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ – رضي الله عنه – قال: ((أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَخَذَ حَرِيراً فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَباً فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي))11، وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ))12، وعَنْ أَبِي ذِبْيَانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ – رضي الله عنه – يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ))13، وعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ ((أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالْإِسْتَبْرَقِ))14.

ولعل الحكمة – والله تعالى أعلم – من التحريم على الذكور دون الإناث أن الحرير لباس رفاهية وزينة تليق بالنساء دون شهامة الرجال، وفي إباحته لهم مفسدة تشبه الرجال بالنساء، ولأن لبس الرجال الحرير أو ما خالط نسيجه أحد النقدين الذهب أو الفضة يورث الفخر، والعجب، والخيلاء، ولاسيما لدى ظهورهم في الطرقات؛ فحرم عليهم لتصبر النفس عنه، وتثاب على ذلك ولها عنه عوض15.

ومن اللباس المحرم لبس الرجال الذهب ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَأَى خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: ((يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ))، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَداً وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -))16، وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَقَالَ: ((إِنَّكَ جِئْتَنِي وَفِي يَدِكَ جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ))17، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضي الله عنهما – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَتَحَلَّى الذَّهَبَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ))18.

ومن اللباس المحرم لباس ما يقصد به الفخر والخيلاء من ثوب أو سروال أو نعل أو غيرها لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى أن يفخر أحد على أحد، فيتظاهر بالرفعة والعلو عليه، وما يدري هذا المفتخر فلعل الأحوال تتغير فيحل محل من افتخر عليه في الفقر والإعواز، ويحل الثاني محله في الغنى والوجود ففي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قال: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ؛ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))19، وفي الحديث عن ابن عمر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله يقول: ((من تعظم في نفسه، واختال في مشيته؛ لقي الله وهو عليه غضبان))20.

ومن اللباس المحرم إسبال الرجل سواء كان الثوب قميصاً أم سروالاً أو مشلحاً فعَنْ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ))21، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ثَلَاثَ مِرَاراً، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ))22، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّار))23، وعَنْ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: ((الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئاً خُيَلَاءَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))24، وعَنْ حُذَيْفَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: ((أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِعَضَلَةِ سَاقِي أَوْ سَاقِهِ فَقَالَ: هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلَ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَلا حَقَّ لِلإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ))25.

إن الرسول – صلى الله عليه وسلم -إنما حذرنا من هذه الأشياء: الإسبال في اللباس، والتشبه بالنساء، ولبس الحرير، والتحلي بالذهب، ونهانا عن هذه الأشياء؛ لنتخلق بكل معاني الرجولة، ونتصف بكامل المروءة؛ إذ العادة أنه لا يبالغ في الزينة والعناية بجسمه وثوبه، ومركوبه وفراشه وأثاثه إلى درجة الإفراط إلا مترف لين، والرجل خشن بطبعه، وكل ما تليَّن خفت رجولته، ونقصت ذكورته، وعجز عن الكفاح والكد، وما خلق له في معترك الحياة.

وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يلبس البرد الغليظ الحاشية، ويفترش الحصير، ويتوسد الجلد حشوه الليف، ويركب البعير والفرس، والحمار والبغلة مرة بسرج ومرة بلا سرج، ويردف خلفه وبين يديه، ويمشي المسافة الطويلة على رجليه، ويأكل ما تيسر من الطعام، ويأتدم بما تيسر من الإدام.

وقد قال – تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}26، وقال – تعالى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}27.

نسأل الله أن نكون هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، والحمد لله رب العالمين.


 


1 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين مع تعليقات الذهبي في التلخيص (2/670) برقم (4221)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/12).

2 سورة الأعراف (26).

3 أخرجه أبو داود (4031)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2831).   

4 صحيح البخاري (5546).

5 أخرجه البخاري (2599)، ومسلم (1058).

6 أخرجه الإمام أحمد بهذا اللفظ (11814) ، وأصل الحديث في البخاري (2616)، ومسلم (2468) بلفظ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا.

7 أخرجه الإمام البخاري (375)؛ ومسلم (2075).

8 أخرجه الإمام مسلم (2071).

9 أخرجه الإمام البخاري (886)، ومسلم (2068).

10 أخرجه الإمام مسلم (2070).

11 أخرجه الإمام النسائي (5144) ؛ وأبو داود (4057) وأحمد (937)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/224) رقم (2049).

12 أخرجه الإمام الترمذي (1720) وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/305)، وفي صحيح سنن الترمذي (4/220).

13 أخرجه الإمام البخاري (5834)، ومسلم (2073).

14 أخرجه الإمام البخاري (1239)، ومسلم (2066).

15 زاد المعاد (3/104)؛ وإعانة الطالبين (1/75)؛ وسبل السلام (2/174).

16 صحيح مسلم (2090).

17 سنن النسائي (5188)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/226): صحيح لغيره.

18 رواه الإمام أحمد (6909)، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (2/226).

19 البخاري (5789)، ومسلم (2088).

20 أخرجه الإمام أحمد (5995) وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (1/219).

21 أخرجه الإمام البخاري (5783).

22 أخرجه الإمام مسلم (106).

23 أخرجه الإمام البخاري (5787).

24 رواه أبو داود برقم (4085)، والنسائي برقم (5334)، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/220).

25 صحيح سنن الترمذي برقم (1783).

26 سورة الأحزاب (21)

27 سورة الحشر (7)