أهل التقصير في الحي

أهل التقصير في الحي

 

الحمد لله ما حمده الذاكرون الأبرار، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأخيار، وعلى آله وأصحابه سادة الدنيا والثلة الأطهار، أما بعد:

ظواهر في الحي:

* تخرج إلى صلاة الفجر الهدوء مطبق، والسكون مخيم، والليل مدلهم، لا يقطع سكونه إلا صوت نداء ندي ينبعث من مآذن المساجد يجلجل أرجاء الكون.

وثمة روح إيمانية بين جنبات جسد آدمي تخرج في هزيع الليل لتلبي نداء الرب، تذهب وتعود يومياً من المصلى فهي تعلم أن نورها في حرصها على هذه الفريضة، لكن صاحبنا ما زال يغط في سبات عميق، ما هزت "الله أكبر" مكامن قلبه، ولم تلامس شغاف فؤاده، والمؤسف أن هذا حال أغلب سكان الحي – إلا من رحم – ألا توافقني الرأي أنها غفلة محكمة؟.

* يحين وقت فروض الصلاة فيدلف بقدميه إلى المسجد، قد سبقه إليه قلبه الذي امتلأ حباً وتعظيماً لهذه الفريضة، فلا يكاد يجد إلا النزر اليسير، والعدد القليل من المصلين؛ بالرغم من كونه يمتلئ إذا نودي للصلاة يوم الجمعة، والسؤال المؤلم: أين الناس؟.

* تحصل مناسبة في الحي (عرس، حفل،…) فلا يرعى مسمعه إلا صوت القيثار، ومزمار الشيطان يضج في نواحي الحي، عفواً ربما المشهد لم يكتمل، فالرقص والاختلاط مما تحلو به هذه المناسبات، وتمايل المطربين والمطربات بجميل النغمات مما تطيب به هذه السهرات، والحجة هو "يوم فرح"، وما أدراك؟!

الدار إلى الدار لكن بين صاحبيهما من القطيعة والجفوة ما لو وزع على من في الحي لوسعهم، ولعلي أزيدك من القصيدة بيتاً فهم ربما من ذوي الأرحام والأقارب، ولكن نزغ بينهم الشيطان!!

و…. و….

أيها الداعية:

هذه المظاهر وسواها كثير، تعج بأحياء المسلمين الذي يقطنه في الغالب شرائح متعددة من أطياف الناس، تستدعى من المتصدي لحمى الدعوة إلى الله – عز وجل -، أن يقف منها موقف الناصح الموجه، والنذير العريان؛ خشية أن يعمنا الله بعقوبة من عنده تأتي على الأخضر واليابس بسبب تمادي الناس في هذه المظاهر، وعدم قيامنا بواجب الإنكار، وما حدث بني إسرائيل عنك ببعيد فقد روى سفيان بن عيينة قال: حدثنا سفيان بن سعيد عن مسعد قال: "بلغني أن مَلَكاً أمر أن يخسف بقرية، فقال: يا رب إن فيها فلاناً العابد، فأوحى الله – تعالى – إليه أن به فأبدأ، فإنه لم يتغير وجهه في ساعة قط"، يقول ابن القيم: وأي دين، وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرغب عنها؛ وهو بارد القلب، ساكت اللسان؟ شيطان أخرس"1

ولا تنسى أيا رعاك الله فهولاء هم أولى من تشملهم دعوتك، إذ أنهم ألصق الناس بك، وأقربهم إلى دارك.

أسباب هذه الظاهرة:

مما دعى إلى فشو هذه الظاهرة وانتشارها أسباب منها:

– ضعف الوازع الديني في قلوب الكثير.

– غياب مبدأ التناصح بين الناس.

– استمراء الناس هذه الظواهر مع طول الفترة، فلا يجدون في إتيانها غضاضة.

– الفجوة الواضحة في إحياء التواصل الأسري بين سكان الحي الواحد.

– أقصى الصالحين أنفسهم في زوايا المسجد، وبين جنباته؛ فلا يحتكون بالناس، ولا يخالطوهم، أو يشاركونهم مناسباتهم بحجة أن هؤلاء عصاة يجب هجرهم.

حتى يكون لك الأثر:

       لا بد أن تحسن صلتك بأهل الحي، وتحسن علاقتك بهم.

       شاركهم مناسباتهم أفراحاً كانت أو أتراحاً فهذا طريق معبد إلى قلوبهم.

       اسع في إيجاد خدمات للحي من مؤسسات حكوميه أو أهلية تشعر الناس بمدى اهتمامك بحيهم.

       الحرص على حل قضاياهم، والسعي إلى فض النزاعات بينهم.

فهذه أمور أشبه ما تكون بالمفتاح لقلوبهم، فإذا فعلتها فأنا ضامن أن يكون لك الأثر الفاعل في الحي، وأن تكون صاحب كلمة مسموعة، ورأي مجاب، وإن لم تقو عليها كلها فلا أقل من أن تحرص على بعضها، ومع هذا فلا بد أن تنكر وتغير، وبين يديك طرق يمكنك أن تستعين بها لتحول دون وجود هذه المظاهر في الحي.

الوسائل:

إن مما يجدر الإشارة إليه ونحن في طيات موضوعنا ألا نغفل أمراً – يعتبر ركيزة في إخماد مثل هذه المظاهر – وهو أن تصدق الله ليصدقك، ثم استحضر أن تبتغي بصنيعك رضا الله – عز وجل – حتى يكتب لك التوفيق، ويلهمك العون.

وأما ما يتعلق بالوسائل فهي:

وسائل جماعية:

1- تشكيل لجنة من أهل الحي، ويحبذ أن ينتقى لها أصحاب الوجاهة من أهل العلم، أو المنصب، أو المال، تؤدي دور الإنكار بالوسيلة المتاحة والمناسبة للموقف.

2- محاولة إشراك هذه الفئة في بعض مهام المسجد – خاصة المنقطعين عن الصلاة -، ومناشطه المتنوعة؛ ليشعر بانتمائه لمسجده.

3- إحياء رسائل الجوال باسم المسجد أو الجامع، وقد يفضل في بعض الأحيان تكرار الرسائل، ومتابعة الاتصالات؛ لإشعاره بأن المستنكرين لهذه الظاهرة كثر.

4- إقامة برامج اجتماعية وترفيهية هادفة للحي؛ لكسر الحواجز، وتقريبهم للمسجد، وبث روح الوازع الديني في قلوبهم ومنها: (يوم الطفل، الطبق الخيري، الإفطار الجماعي، المسابقات الثقافية والرياضية، أفراح العيد …).

5- منح الجوائز التشجيعية للمتعاونين، والإشادة ما أمكن بهم في الجلسات على مرأى الناس تحفيزاً لغيرهم مثل جائزة: (فارس الفجر) للطفل المحافظ على صلاة الفجر، وفيه دافع للمتهاون من جماعة المسجد عندما يرى هذا الاهتمام، وجائزة (دع بيعها) لأصحاب المتاجر والبقالات الذين رفعوا أيديهم عن بيع السجائر … وغيرها.

6- الاهتمام بخطبة الجمعة لعلاج هذه الظاهرة.

7- التواصل من خلال نساء الحي عبر لقاء لهن دوري يكون من أهدافه:

– مشاركة المرأة في الأمر بصلاة الجماعة والحث عليها لأهل بيتها.

– محاولة إقحامها في العمل الدعوي لتكون لبنة إصلاح في محيط بيتها.

وسائل فردية:

1. تنمية ما في صاحب الظاهرة من الجوانب الطيبة؛ فإن القلوب المسلمة تحتوي على خير كثير؛ وهي تحتاج إلى من يزيل عنها الركام.

2. الزيارة الفردية في بيته مع اختيار الوقت المناسب، واصطحاب هدية بقدره.

3. المكاتبة برسالة قصيرة لطيفة.

4. توثيق الصلة معه بالهدية (كتيب – شريط – مطوية – طيب …).

5. حضور مناسباته الخاصة والمشاركة فيها (مناسبة فرح أو ترح).

6. استغلال إقبال القلوب في رمضان إلى ربها؛ ليكون بداية الاستمرار معه والتوثق به، وربطه بالمسجد.

7. برنامج التواصل لمن أراد إعانته للمحافظة على الصلوات الخمس وخاصة الفجر، فيضع رقمه ليتصل به، ويكلف أحد الجماعة بذلك.

وكلمة أخيرة:

فإني لا أدعي بهذه الوسائل الاستيفاء والاستقصاء، وما دفعنا إلى إيراد هذا الموضوع إلا ما نلمسه من استفحال هذه الظواهر في الحي دون نكير، وهي دعوة أن نعيد النظر في نصح هذه الشريحة، والأخذ بيدها إلى سبيل ربها، لتكون أحياناً خالية من المنكر خاوية، وإلا فما ذكرته من الوسائل ما هو إلا إشارة بسيطة، وأنا على ثقة بأن في جعبتك المزيد، وادع المقام لك فلكل حدث حديث، ولكل مقام مقال، وهذه الظواهر قد يختلف علاجها من مكان إلى آخر، وقد قيل: أهل مكة أدرى بشعابها.

لكن ما يجدر لفت النظر له أن لا نتوانى في التغيير، وإن نسعى جاهدين بما أوتينا من قوة البيان والحجة، أو اليد إن – لزم – لنقف حجر عثر دون قيامه، وننتشل الواقعين في خباله من أوحاله، والمهم أن نخطو ولا ننتظر، وأن نسير ولا للخلف ننظر، وأن نكلل سيرنا دائماً بدعاء ضارع لله – سبحانه – أن يسدد الخطى، ويكتب التوفيق، فإن استجابوا فـ{لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ}2، وإن تنكروا فـ{مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ}3.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


 


1 إعلام الموقعين (2/177).

2 سورة القصص (70).

3 سورة المائدة (99).