تخشى الناس ولا تخشى الله

تخشى الناس ولا تخشى الله

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من شروط الصلاة المعلومة والمفهومة لدى المسلمين شرط الطهارة، وبدونه لا تصح صلاة ولا تقبل (بغير عذر)، وقد يحصل ما يفسد الصلاة أثناء أدائها كأن يُحدِث المصلي خلالها حدثاً يُبطل صلاته، فما هو الواجب عليه في تلك الحال؟

الإجابة هي أنه يلزمه الخروج من الصلاة أليس كذلك؟

لكن ما الحال إن كان المسجد مكتظاً بالمصلين، والصفوف ممتلئة، وهذا المحدث كان في مقدمة المسجد، فهل يخرج أم يستحي فيبقى في مكانه خشية الناس؟

قد يكون الجواب عند البعض هو البقاء، وسبب ذلك هو الحياء، لكننا نجد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد نبَّه لذلك، ودلَّ على ما يَحُلُّ هذا الإشكال وذلك بوضع اليد على الأنف، فيتوهم الناس أنه رعف فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أحدث أحدكم في صلاته؛ فليأخذ بأنفه، ثم لينصرف))1 يقول محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب – رحمه الله تعالى -: ((فليأخذ بأنفه)) قال الخطابي: إنما أمره أن يأخذ بأنفه ليوهم القوم أن به رعافاً، وفي هذا الباب من الأخذ بالأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح، والتورية بما هو أحسن، وليس يدخل في باب الرياء والكذب، وإنما هو من التجمل، واستعمال الحياء، وطلب السلامة من الناس"2، لكن لابد أن يخرج من الصلاة ويعيدها لأنها غير مقبولة، وقد ذكر الإجماع صاحب عون المعبود عند شرح حديث علي بن طلق – رضي الله عنه – إذ يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، فليتوضأ، وليعد الصلاة))3 قال محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب: "والحديث دليل على أن الفساء ناقض للوضوء، وهو مجمع عليه، ويقاس عليه غيره من النواقض، وأنه تبطل به الصلاة"4.

وينبغي للمرء أن يتعامل مع الله في الصلاة ولا يتعامل مع الناس، إذ الطهارة شرط في الصلاة، ولا تصح إلا بها، قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}5.

وبهذا تكون الصلاة صحيحة – بشرط اكتمال بقية أركانها وشروطها -، فلا صلاة مع الحدث الأكبر أو الصغر كما جاء في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ))، قال رجل من حضرموت: ما المحدث يا أبا هريرة؟، قال: فساءٌ أو ضراطٌ"6.

ولعل الأمر قد اتضح؛ ولكن قد يحصل للمرء في صلاته أن يشك هل أحدث أم لا، فما الذي ينبغي عليه في هذه الحال؟

ينبغي ألا يخرج المرء من الصلاة حتى يتأكد من أنه أحدث فيسمع الصوت، أو يجد الريح فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه: أخرج منه شيءٌ أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً))7، فمن تيقن فليخرج من الصلاة، وليتبع الهدي النبوي حتى لا يقع في الحرج، ثم ينبغي أن يعيد الصلاة، أو يدرك مع الإمام ما أدرك، وهذا أسلم لدينه، وأرضى لربه، فإن الله مطلع على العباد، وهو عليم بذات الصدور.

نسأل الله العون والسداد في أمور ديننا ودنيانا، والحمد لله رب العالمين.


 


1 أبو داوود (1114)، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود (985).

2 عون المعبود (3/326).

3 أبو داوود (177)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داوود (35).

4 عون المعبود (3/216).

5 سورة المائدة (6).

6 البخاري (135)، مسلم (225).

7 البخاري (137)، مسلم (362).