حقيقة الجمال

حقيقة الجمال

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

"الجمال" كلمة يلهث وراءها الكثير من الناس اليوم، وينفقون الأموال الطائلة، والأوقات الكثيرة في سبيل الوصول إلى أعلى درجة فيه، فتراهم يعتنون بالوجه، والطول، والوزن، والشعر…إلخ لاعتقادهم أن كل هذه الأمور مواصفات تؤثر في تقييم الجمال البشري الذي يظنون أنه هو الجمال الحقيقي.

وهذا الاهتمام هو اهتمام بالمظهر الخارجي، حيث لم ينتبه هؤلاء إلى أن الأولى بهم أن يهتموا بالجمال الداخلي؛ لأن الجمال الخارجي زائل بمرور الأيام، وتقدم العمر، ولكن الجمال الباقي هو الجمال الذي يعتني بالباطن؛ ويحبب الشخص للناس، ويزيل عنهم الخوف من الفرد، "والجمال الحقيقي في أن يفهم العبد حقيقة الحياة فيستعين بالله في كمال العبودية، ويرضي بما قسمه في باب الربوبية، وأن الجلال المطلق إنما هو لله وحده في أسمائه وصفاته وأفعاله، فالجلال يقوم على ركنين: الركن الأول هو الكمال، والركن الثاني هو الجمال، فالكمال هو بلوغ الوصف أعلاه، والجمال بلوغ الحسن منتهاه، فإذا نظر العبد إلى حكمة الله وانفراده عمن سواه سيجد أن الله – عز وجل – إن أعطى الكمال لأحد سواه سلبه شيئاً من الجمال، وإن أعطى الجمال لأحد سواه سلبه شيئاً من الكمال، وإن أعطي الكمال والجمال لأحد سواه سلبه دوام الحال"1.

إذاً فجمال الجوهر الذي هو حسن الاعتقاد بالله له الأسبقية على جمال المظهر، والجمال الحقيقي أن يفهم العبد حقيقة الحياة وحكمتها ليجد لذة الجمال، فقد جاء عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس))2.

ولا بأس أن يهتم الإنسان بمظهره الخارجي فيكون ذا منظر حسن؛ إلا أن الكثير من المسلمين اليوم قد اهتم بالمظهر الخارجي فحسنه، وزينه؛ سواء جسده، أو ثوبه؛ حتى أشغله ذلك عن الاهتمام بالداخل: بالروح، والخُلُق، والقلب، والعقل، ونسي بسبب الاهتمام السطحي بالجسد أن يهتم بالمحل الذي ينظر الله – عز وجل – إليه، فإنه – عز وجل – لا ينظر إلا إلى القلب فعن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))3، وعلى هذا فإن الجمال الحقيقي هو الذي يبعث المرء على تحقيق التقوى في القلب، حيث لا يطلع أحد على حقيقتها إلا الله – عز وجل -، فحينئذ يكون كثير ممن له صورة حسنة، أو مال، أو جاه، أو رياسة في الدنيا، ذو قلب خال من التقوى، وربما يكون قلب من ليس له شيء من ذلك مملوءاً بالتقوى، فيكون أكرم عند الله – تعالى – بسبب ذلك، وذلك هو الأكثر وقوعاً.

مقياس الجمال:

يخطئ الكثير من الناس في اعتقادهم عن الجمال من خلال نظرتهم الدنيوية والدونية، فلو تقدم شاب لخطبة فتاة تجده يسأل عن أمور في الفتاة تعد من الأمور المؤقتة مثل جمال الصورة، وطول الشعر، والرشاقة، … إلخ، وقلَّما تجد شاباً يبحث عن الجمال الحقيقي للمرأة، في حين أن أجمل شيء في المرأة هو حياؤها، وعفتها، وتمسكها بدينها، وهذا ما أرشد إليه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حين قال: ((تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))4، والعكس كذلك عند الرجال؛ إذ يبحث أهل الفتاة عن دخله، ومكانته الاجتماعية…إلخ في حين أرشدنا – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى الجمال الحقيقي في الرجل: ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض))5.

نعم ذكر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أن المرأة تنكح لأربع، وذكر منها جمالها، ونعتقد أن الجمال الظاهري مطلوب، ولكن أن نجعل الجمال الظاهري هو الركيزة الأولى في قبولنا للمرأة، ونغفل جانب الدين؛ فهذا خطأ جسيم؛ لأن الدين هو الأصل والأساس.

نسأل الله – عز وجل – أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.


 


1 أسماء الله الحسنى (20/11).

2 مسلم (275).

3 مسلم (6708).

4 البخاري (5090)، ومسلم (3708).

5 الترمذي (1084)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (3090).