أدب اللباس والزينة

أدب اللباس والزينة

 

أدب اللباس والزينة

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً له الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً …أما بعد:

 

فإن الإسلام دين الجمال والنظافة، ولذا أباح للمسلم بل واستحب له ولربما أوجب عليه الظهور بالمظهر الطيب الجميل في ملبسه ومسكنه وهندامه أمام الآخرين، ولذلك خلق الله سبحانه الزينة وكل ما تحصل به المتعة من لباس ورياش، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً}(26)سورة الأعراف. وقال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (31) سورة الأعراف. ويمكن أن نلخص ما شرعه الله من آداب للباس والزينة والمظهر في الآتي:

أولاً: التوسط والاعتدال في هذه الزينة المباحة؛ فالله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} (67) سورة الفرقان. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ)1.

ثانياً: المحافظة على النظافة؛ لأنها الأساس لكل زينة حسنة، ومظهر جميل لائق.

 

ثالثاً: الحث على التنظف والتجمل في مواطن معينة مثل: مواطن الاجتماع وفي أوقات الجمعة والعيدين, فعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَوْبٍ دُونٍ فَقَالَ: (أَلَكَ مَالٌ؟) قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: (مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟) قَالَ: "قَدْ آتَانِي اللَّهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ" قَالَ: (فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ)2. كما روى أبو داود وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ)3.ويظهر من ذلك مشروعية تخصيص بعض الملابس للخروج للصلاة، و بعضها للعمل, وفيه حفاظ على نظافة ملابس المسجد؛ لأن العمل يؤثر على الملابس، ويدخل في هذا المفهوم استحباب أن يخصص الإنسان بعض الملابس للزيارة والمناسبات الاجتماعية العامة.

 

رابعاً: الحث على إصلاح وتجميل شعر اللحية والرأس؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ –رضي الله عنه- قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ, فَقَالَ: (أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ) وَرَأَى رَجُلًا آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: (أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ)4. والمراد بذلك أن يهتم بنظافة شعر رأسه ولحيته ومشطها، وتطييبها.

خامساً: استحباب الابتداء باليمين في اللباس، ففي الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعـُّلِهِ"5.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –قَالَ: (إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ لِيَكُنْ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ)6.

 

سادساً: ذكر الله تعالى: ذا كانت التسمية قد شرعت قبل الطعام، فكذلك تشرع عند اللباس؛ لأن البركة تحصل فيه بسبب ذلك, وإلا فالشيطان يشرك الإنسان فيما لم يذكر اسم الله عليه كما ورد في حديث جابر -رضي الله عنه-  (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ, وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ, وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ)7.وشرع لمن لبس ثوباً جديداً أن يتأدب بأدب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ, إِمَّا قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً, ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ)8.

 

سابعاً:اجتناب المحرَّم من اللباس والزينة والمظهر: فالإسلام قد شرع للمسلم أن يظهر أمام الآخرين بمظهر جميل وامتن الله عليه بأنه خلق له كل ما يتمتع به من زينة ولباس وريش:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا} (26) سورة الأعراف. بل طلب ذلك بقوله سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (31) سورة الأعراف. واستنكر على من حرم تلك الزينة التي خلقها لعباده فقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (32) سورة الأعراف. ولكن الإسلام حرم أنواعاً من الزينة واللباس والمظهر لحكم عظيمة، ومن تلك المحرمات : 1- تحريم الذهب والحرير على الرجال, فعن علي -رضي الله عنه- قال: "إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ, وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ, ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي)9. وروى البخاري عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: " نَهَانَا عَنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ, وَقَالَ:(هُنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ)10. والعلة في تحريم الذهب والحرير على الرجال هو البعد عن التخنث الذي لا يليق بشهامة الرجال، ومحاربة الترف الذي يؤدي إلى الانحلال، وقطع دابر التفاخر والخيلاء من نفسية الإنسان، والحفاظ على القوة، وترك مشابهة الكفار. وأما النساء فقد استثنين من ذلك، مراعاة لأنوثتهن وتلبية لفطرتهن في حب الزينة وتشويقاً للزوج حين يراها في أبهى منظر وأجمل هيئة.

 

2- تحريم تشبه المرأة بالرجل والرجل بالمرأة: فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ "11. وفي رواية: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَـالِ"12. وقد ذكر العلماء أن اللعن في الحديث يدل على أن التشبه من الكبائر, والحكمة من التحريم أن المتشبه والمتشبهة كل منهما يخرج نفسه عن الفطرة والطبيعة التي وضعها أحكم الحكماء رب العالمين سبحانه.

 

3- تحريم لبس ثياب الشهرة والاختيال: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ)13. والمقصود أن يلبس الشخص ثوباً غير معهود, أو شديد الفخامة وباهظ السعر؛ لأجل لفت الأنظار اليه أو المباهاة والتعاظم والافتخار على الناس, وهذا أمر لا يحبه الله ورسوله, قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (18) سورة لقمان. كما روى الشيخان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)14. وفي حديث عن معاذ بن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا)15.16.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى, وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين .


 


1 رواه ابن ماجه -3595- (10/470) وأحمد -6408- (13/446) وحسنه الألباني برقم (4381) في مشكاة المصابيح.

2 رواه أبو داود -3541- (11/89) والنسائي -5129- (15/482) وصححه الألباني في المشكاة برقم (4352).

3 رواه أبو داود -910- (3/278) وابن ماجه -1086- (3/401), وانظر حديث رقم: (5635) في صحيح الجامع.

4 رواه أبو داود -3540- (11/88) وصححه الألباني في غاية المرام برقم: (74).

5 رواه البخاري -408- (2/199) ومسلم -396- (2/89).

6 رواه البخاري -5407- (18/190).

 7رواه مسلم -3762- (10/293).

8 رواه أبو داود -3504- (11/36) والترمذي -1689- (6/399)انظر: حديث رقم: (4664) في صحيح الجامع.

9 رواه أبو داود -3535- (11/80) والنسائي -5053- (15/392) وصححه الألباني في سنن النسائي برقم: (5144).

10 رواه البخاري -5201- (17/359).

11 رواه البخاري -5436- (18/241).

12 رواه البخاري -5435- (18/239).

13 رواه ابن ماجه -3596- (10/472) وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة برقم: (3606).

14 رواه البخاري -3392- (11/500) ومسلم -3887- (10/450).

15 رواه الترمذي -2405- (9/21) وحسنه الألباني برقم: (6145) في صحيح الجامع.

16 نقلا عن كتيب الآداب الإسلامية (24). بتصرف.