حالات ارتكاب محظورات الإحرام

حالات ارتكاب محظورات الإحرام

حالات ارتكاب محظورات الإحرام

الحمد الله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن محظورات الإحرام كثيرة، والمحظور هو الممنوع فعله في وقت الإحرام، أو الواجب فعله، وسمي محظورا لكونه لا يجوز تجاوزه ولا التقصير فيه.

فمن ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام لا يخلو حاله من إحدى ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يفعل المحظور لحاجة دعته لفعل ذلك؛ كأن يحتاج إلى لبس القميص لدفع برد يخاف منه الضرر، أو يحلق رأسه لمرض ونحوه، فيجوز لمن كان هذا حاله أن يفعل ذلك المحظور، ولا إثم عليه، ولكن عليه الفدية، وهي على التخيير: إما ذبح رأس من الضأن أو الماعز يجزئ في الأضحية، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد؛ لحديث عبد الله بن معقل قال: جلست إلى كعب بن عُجرة -رضي الله عنه- فسألته عن الفدية، فقال: نزلت فيّ خاصة وهي لكم عامة، حملت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي، فقال: (ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى) أو (ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى، تجد شاة؟). فقلت: لا، فقال: (فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع)1. فرخص له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحلق رأسه ويفدي، ولا يلحقه الإثم لعذره.

الحالة الثانية: أن يفعل المحظور متعمداً بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم متعرض للوعيد فيحتاج إلى توبة نصوح عن فعله مع الفدية؛ لقوله تعالى: {وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} سورة الأحزاب(5). أي تؤاخذون عليه. وقوله في الصيد: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ…} سورة المائدة(95). قال ابن سعدي –رحمه الله- في قوله: {جزاء مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} "أي الإبل، أو البقر، أو الغنم، فينظر ما يشبه شيئا من ذلك، فيجب عليه مثله، يذبحه ويتصدق به. والاعتبار بالمماثلة أن {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي عدلان يعرفان الحكم، ووجه الشبه، كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم-، حيث قضوا بالحمامة شاة، وفي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش -على اختلاف أنواعه- بقرة، وهكذا كل ما يشبه شيئا من النعم، ففيه مثله، فإن لم يشبه شيئاً ففيه قيمته، كما هو القاعدة في المتلفات، وذلك الهدي لابد أن يكون {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أي يذبح في الحرم. {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} أي كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين، أي يجعل مقابلة المثل من النعم، طعام يطعم المساكين.

قال كثير من العلماء: "يقوم الجزاء، فيشترى بقيمته طعام، فيطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاع من غيره. {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ} الطعام {صِيَامًا} أي يصوم عن إطعام كل مسكين يوما"2. وقد سبق الإشارة إلى الفدية سابقاً.

الحالة الثالثة: أن يفعل ذلك المحظور جاهلا أو ناسياً أو مكرها، فلا إثم عليه، ولا فدية؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} سورة الأحزاب(5). وقوله سبحانه: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} سورة البقرة(286). وفي حديث ابن عباس-رضي الله عنه- لما نزلت: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} الآية… وفيه: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله –تعالى- قال: قد فعلت)3.

ولقوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} سورة النحل (106). فإذا كان هذا في حق من أكره على الكفر، فما دونه أولى. وفي الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)4. فهذه النصوص وغيرها من نصوص الكتاب والسنة العامة تدل على رفع المؤاخذة عن المعذور بالجهل والنسيان والإكراه، فيدخل في ذلك من ارتكب محظورا من محظورات الإحرام وغيره..

ولكن ينبغي أن يُعلم أنه يجب على من كان ناسياً فذكر أن يقلع عن فعل ذلك المحظور مباشرة، وعلى من كان جاهلاً فعلم أن ذلك محظوراً أن يدع ذلك المحظور، وعلى من كان مكرهاً فزال عنه الإكراه أن يقلع عن ذلك المحظور.

فينبغي للمسلم أن يتعلم أحكام حجه وعمرته حتى يؤديهما على بصيرة وبينة، وحتى لا يقع في المحاذير الشرعية، وأن يسأل أهل العلم عن أي شيء لا يعلمه قبل أن يفعله، وأن لا يفعل الفعل ثم بعد ذلك يسأل، وذلك تجنباً للوقوع فيما قد يفسد الحج، أو ينقص أجره. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 رواه البخاري.

2 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، صـ(243). لابن السعدي. تحيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق. الناشر: مؤسسة الرسالة. الطبعة : الأولى (1420هـ ).

3 رواه مسلم

4 رواه البيهقي في السنن الكبرى، وقال: "جود إسناده بشر بن بكر وهو من الثقات، ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي فلم يذكر في إسناده عبيد بن عمير"..