الحسد الأسباب والعلاج

الحسد الأسباب والعلاج

 

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين, وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن المتأمل في النفوس البشرية يجدها تختلف من شخص لآخر, فمن نفوس صاحبة همة عالية, لا ترضى بالدناءة, ونفوس كريمة جُبلت على الكرم وحب الخير لجميع المسلمين, ونفوس آمنت بربها – تبارك وتعالى – فعملت بما أتاها من هدي ربها – تبارك وتعالى – وهدي نبيها – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -, إلى صنف آخر على العكس تماماً، نفوس همتها الدناءة, جُبلت على الخصال القبيحة من بخل وهلع, وحقد وحسد, وتمني زوال النعم عن عباد الله – تبارك وتعالى -، تنكبت صراط ربها – تبارك وتعالى – الآمر بحب الخير لكل مسلم, الناهي عن الحسد.

والمعلوم أن الشريعة الإسلامية قد جاءت داعية إلى مكارم الأخلاق ناهيةً عن رذائلها فقد وصف الله – تعالى – نبيه – صلى الله عليه وسلم – بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}1، وجاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))2، وقد أُمرنا بالتأسي به – عليه الصلاة والسلام -، وانتهاج نهجه الخُلُقي العظيم.

وبمرور الزمان، وضعف الإيمان؛ كثرت رذائل الأخلاق حينما ابتعد المسلمون عن المنهج الرباني في تزكية النفس، والحديث في هذه الكلمة هو عن مرض من أمراض القلوب، ورذيلة من الأخلاق المرذولة، جاء الشرع بالنهي عنها، والتحذير من الاتصاف بها، ألا وهي رذيلة الحسد.

وحقيقة الحسد هي: تمني زوال النعمة عن صاحبها, وهذه صفة دنيئة لها أسبابها ودوافعها حيث هي كثيرة ومتنوعة، لكن أبرزها وأخطرها ما يلي:

1.    ضعف الإيمان في نفس الحاسد، إذ كيف يحسد عبداً أنعم الله – تبارك وتعالى – عليه بهذه النعم.

2.  عدم المراقبة لله – تبارك وتعالى -, والخوف منه – سبحانه -، إذ كيف يتمنى الضرر بأخيه المسلم فإن الحاسد أوالعائن يلحق الضرر بمن يحسده لحديث عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف – رضي الله عنهما – أن أباه حدثه: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلاً أبيض، حسن الجسم والجلد, فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل, فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة, فلبط سهل، فأتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقيل له: يا رسول الله هل لك في سهل، والله ما يرفع رأسه وما يفيق؟ قال: ((هل تتهمون فيه من أحد؟)) قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عامراً فتغيظ عليه, وقال: ((علام يقتل أحدكم أخاه, هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت))، ثم قال له: ((اغتسل له)) فغسل وجهه ويديه، ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه, يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه, ثم يكفئ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس"3.

3.    العداوة والبغضاء.

4.  الجهل بما ورد في شأن الحسد، وأن هذه الصفة قبيحة فعن الزبير بن العوام – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((دب إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السلام بينكم))4, وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافراً ثم سدد وقارب، ولا يجتمعان في جوف مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد))5, وقد ورد في كتاب الله – تبارك وتعالى – الاستعاذة من شر الحاسد فقال الله – تبارك وتعالى -: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}6.

علاج الحسد:

من المعلوم أن لكل مرض علاج، وعلاج هذا المرض يكون أولاً بمراقبة الله – تبارك وتعالى -, والخوف من عقابه, ومعرفة حق المرء لأخيه، وأنه لا يكتمل إيمان العبد إلا بمحبة المرء لأخيه لحديث عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره – أو قال: لأخيه – ما يحب لنفسه))7, فيبعد الإنسان الغل والحقد من قلبه لأخيه المسلم؛ ويعالج المحسود بالرقية الشرعية, وإذا عُلم من كان السبب فيه فيؤمر بأن يتوضأ ويصب.

وفق الله الجميع لطاعته ورضاه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.


 


1 سورة القلم (4).

2 رواه الحاكم في المستدرك برقم (4221)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه؛ والبيهقي في السنن الكبرى برقم (20571)؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (45).

3 رواه أحمد في المسند برقم (16023)، وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح.

4 رواه الترمذي برقم (2510)؛ وحسنه الألباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (5673)، وفي صحيح الترمذي برقم (2038).

5 رواه النسائي برقم (3109)؛ وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (13578)؛ وفي صحيح الجامع برقم (7620).

6 سورة الفلق (5).

7 رواه البخاري برقم (13)؛ ومسلم برقم (45) واللفظ له.