لا تيأس

لا تيأس

لا تيأس

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين, من يطع الله ورسوله فقد رشد, ومن يعصهما فقد غوى ولا يضر إلا نفسه و لن يضر الله شيئاً,  والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه…أما بعد:

أيها المسلم:

إنك تعاني ما لا يعانيه غيرك من البشر، جهودك تضيَّع، وخططك تدمر، وأحلامك تُغتال, وتتواتر عليك المصائب دون انقطاع, ومن يقرأ ما كتب عنك ولا يعرفك يخرج بنتيجة حتمية -هذا إذا أنصف- وهي أنك أصبحت منبوذ هذا العصر، يتحاماك الناس في كل مكان، وينفرون منك لا لشيء؛ إلا لأن عقولهم امتلأت بالصور القبيحة التي يرسمها الإعلام لك، والإعلام في هذا العصر هو السلاح الذي لا يوضع، والحرب االمسعورة التي لا تهدأ.

 إنك -أيها المسلم- غدوت ضحية ما يسمى بالحضارة المادية العاتية التي تريد أن تطحنك برحاها، فلتكن ثقتك بالله قوية، ولا تحتقر نفسك وتشكو الضعف، وتجنب طريقة بني إسرائيل حيث شكوا لموسى -عليه السلام- الضعف والضراعة والاستكانة: {قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (129) سورة الأعراف.

لقد أفلس أعداؤك جميعاً -مادياً ومعنوياً- أفلسوا من الخلُق والدين والدنيا، باعوا دينهم بعرض قليل منزوع البركة، ينطبق أكثره على نشر الفساد واستئصال المعروف وإرساء المنكر وإشاعة التقاليد الفرعونية، كل ذلك خوفاً منك، وعلاجاً لحضورك الذي يخيف سَدَنَة الفرعنة، ويهدد تقاليدها العفنة ورسومها المنخورة.

فاعرف نفسك -أيها المسلم- واعلم أنك إن صدقت النية واستجمعت العزم, كنت اليد التي تُنَفَّذُ بها إرادة الله في الأرض من سحق الباطل وإنعاش الحق.

إن أعداءك يسلكون في سبيل إضعافك وإلغائك سياسة النَفَس الطويل والبناء الهادئ والمشاعر الباردة التي لا تستثار بسهولة، فاطوِ قلبك على كراهية الكفر ورموزه، واثنِ جوانحك على مقت الخيانة والمكر التي تجرّب عليك كل حين، ولكن إياك أن تُستَدْرَجَ إلى عمل ينتظره شانئوك للإيقاع بك.

 أجِّل خلافاتك مع من يشاركونك كلمة التوحيد، ويهدفون مثلك إلى إحياء عقيدة أهل السنة والجماعة، واستخلاصها من براثن الماسخين والمستغلين، فأعداء هذه العقيدة أمرهم عَجَبٌ في كثرتهم وتنوعهم واجتماعهم على هذا الهدف، رغم اختلافاتهم العميقة.

ووجِّه كل جهدك إلى من يريدون حصرك في مفهوم للدين من صنعهم، فهؤلاء هم العدو فاحذرهم, قاتلهم الله أنى يؤفكون, وإياك أن تنخدع بدعوى أن بلادنا مستقلة، حرة في قراراتها وإراداتها، تلفَّت يمنة تجد ألف دليل ودليل في كل صقع على أننا مكبلون، يُقرأ لنا ويرسَمُ لنا، ويزرَع لنا ويصنَع لنا ويحفر لنا.

أيها المسلم:

لا تستغرب مما ترى؛ فأنت تعيش في عصر الغرائب والأعاجيب، وحسبك هذا ليدفعك إلى الصبر والعمل ليل نهار دون كلل ولا ملل، لا تسمح للإحباط أن يتسرب إلى نفسك، فحق لك أن يتعب منك المرجفون ولا تتعب، وييأس من ثنيك عن عزيمتك وأهدافك أهل الباطل ولا تيأس.

لا تبالِ بالأوصاف الكاذبة التي تلصق بك، ولا بالأقلام المأجورة التي تنهشك، ولا تصرفك الدعايات المسمومة التي تلفَّق ضدك عما توجهت له.

يعيبون عليك الاشتغال بالسياسة؟ وهل شرط المشتغل بالسياسة أن يتخلى عن دينه, ويدوس الأخلاق، ويترك هذا المجال لمحترفي الدجل يرسون دعائم الفساد ويحوطونها بالشريعات الباطلة، ويحرسونها بالدساتير والقوانين المفصلة على قدِّ نواياهم الخبيثة، وسلوكهم المنافق؟ لِمَ هذا التردد والخوف البادي على تعبيراتك وأعمالك كلما سمعت من يتهمك بحب السلطة والحكم مع أنك لم تمارسهما يوماً، وكأنه عار وشنار تحب أن تتوارى منه، مع أن غيرك -وهو السفيه الأرعن- تراه واثقاً من نفسه، لا يفكر أن توجه له مثل هذه التهمة مع أنه متلبس بهما تلبساً كأن أمه ولدته على رقاب الناس؟

إن الباطل لا يستبحر في دنيا الناس ولا يعرِّش إلا حينما يراهم يحبون الدعة والراحة والرفاه الكاذب الذي يُمنِّيهم به، ويستحون مما لا يستحى منه، فيخجلون من الرجولة، ويتفاخرون بالفرار من تسمية الأمور بأسمائها التي وضعها لها البشر الأسوياء.

  أيها المسلم:

إن الباطل ذا الرؤوس المخيفة الذي يخوفونك مغبة غضبته ليس كما يدعون، نعم له أساليب جهنمية، وأرواح كثيرة –له كما يقال سبعة أرواح!- ولكنها أرواح قصيرة كأرواح القطط والكلاب، فلا ترعك غضبته، ولا تصرفك عن طِيَّتِك أساليبه وتجاربه، لا تتردد عن الإصرار على دمغه بحقك فيزهق ويضمحلّ, فاستعن بالله ولا تيأس أو تعجز وتذكر قول الله تبارك وتعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*ِ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (4-5) سورة الروم.

نسأل الله تعالى أن يمدنا بتوفيقه لنجاوز الأخطار في هذه الدار، ولا ننخدع بدواعي الاغترار, ونسأله –سبحانه- أن ينصر دينه، وأن يعلى كلمته، وأن يرفع راية الإيمان قوية عزيزة كريمة خفاقة، على جميع أقطار الدنيا، وأن يحفظنا ويحفظ جميع بلاد المسلمين من كيد الأعداء ودسائس المغرضين الحاسدين، وأن يحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين1.

 


 


1  مستفادة من موسوعة البيان يتصرف يسير.