المجاز في القرآن

المجاز في القرآن

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، أما بعد:

فهذا درس بعنوان "المجاز في القرآن الكريم" أحببنا أن نذكر القول الراجح في ذلك مع مناقشة مختصرة لما استدل به القائلون بوجوده في القرآن الكريم.

فالمجاز: مشتق من الجواز، والجواز في الأماكن حقيقة وهو العبور، يقال: جزت الدار أي عبرتها، ويستعمل في المعاني، ومنه الجواز العقلي.

وهو حقيقة في المصدر، ونقل منه إلى الفاعل، وهو الجائز لما بينهما من العلاقة، ثم نقل منه إلى المعنى المصطلح عليه، وهو اللفظ المستعمل في معنى غير موضوع له أولاً يناسب المصطلح، وهذا التعريف إن قلنا: المجاز ليس بموضوع، فإن قلنا: موضوع، فلنقل بوضع ثان.

قال القاضي: يسمى مجازاً؛ لأن أهل اللغة يجاوزون به عن أصل الوضع توسعاً منهم، كتسمية الرجل الشجاع أسداً، والبليد حماراً.1

وعن وقوع المجاز في القرآن يقول الشيخ ابن باز عليه رحمة الله: "الصحيح الذي عليه المحققون أنه ليس في القرآن مجاز على الحد الذي يعرفه أصحاب فن البلاغة وكل ما فيه فهو حقيقة في محله.

ومعنى قول بعض المفسرين أن هذا الحرف زائد يعني من جهة قواعد الإعراب وليس زائداً من جهة المعنى، بل له معناه المعروف عند المتخاطبين باللغة العربية؛ لأن القرآن الكريم نزل بلغتهم كقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (11) سورة الشورى، يفيد المبالغة في نفي المثل، وهو أبلغ من قوله: "ليس مثله شيء" وهكذا قوله سبحانه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (82) سورة يوسف، فإن المراد بذلك سكان القرية وأصحاب العير.

وعادة العرب تطلق القرية على أهلها والعير على أصحابها، وذلك من سعة اللغة العربية وكثرة تصرفها في الكلام، وليس من باب المجاز المعروف في اصطلاح أهل البلاغة ولكن ذلك من مجاز اللغة أي مما يجوز فيها ولا يمتنع، فهو مصدر ميمي كـ "المقام" و "المقال" وهكذا قوله سبحانه: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} (93) سورة البقرة، يعني حبه، وأطلق ذلك؛ لأن هذا اللفظ يفيد المعنى عند أهل اللغة المتخاطبين بها، وهو من باب الإيجاز والاختصار لظهور المعنى.2

ويقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "ليس في القرآن مجاز؛ وذلك لأن من أبرز علامات المجاز كما ذكره أهل البلاغة صحة نفيه، وليس في القرآن شيء يصح نفيه، وتفسير هذه الجملة أن من أبرز علامات المجاز صحة نفيه ذلك أنك لو قلت: "رأيت أسداً يحمل سيفاً بتاراً" فكلمة "أسد" هنا يراد بها الرجل الشجاع ولو نفيتها عن هذا الرجل الشجاع، وقلت: هذا ليس بأسد لكان نفيك صحيحاً، فإن هذا الرجل ليس بأسد حقاً، فإذا قلنا: إن في القرآن مجازاً استلزم ذلك أن في القرآن ما يجوز نفيه ورفعه، ومعلوم أنه لا يجرؤ أحد على أن يقول: إن في القرآن شيئاً يصح نفيه، وبذلك علم أنه ليس في القرآن مجاز، بل إن اللغة العربية الفصحى كلها ليس فيها مجاز كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه، وابن القيم.

وأطنب في الكلام على هذه المسألة شيخ الإسلام في "الإيمان"، وابن القيم في "الصواعق المرسلة" فمن أحب أن يراجعهما فليفعل.3

فهذا هو القول الصحيح الراجح في أن القرآن الكريم ليس فيه مجاز، وإنما وقع القول بالمجاز لغرض نفي صفات الله تعالى عنه حقيقة، وأول من فعل ذلك هم المعتزلة. وإنما نقل ذلك عن العلوم اليونانية التي ترجمت إلى اللغة العربية في زمن المأمون من الخلفاء العباسيين وغيره، وقد حدثت فتن كثيرة جراء ذلك، وزيغ لهذه الطائفة عن حقائق الدين والشريعة الإسلامية.

نسأل الله أن يحمي الأمة من مضلات المضلين، وزيغ الزائغين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 البحر المحيط – (2/369) ملخصاً.

2 مجلة الدعوة، العدد (1016) الاثنين 6 ربيع الأول سنة 1406 هـ.

3 نقلاً عن موقع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.