تجارة رابحة

تجارة رابحة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

الداخل في مجال التجارة والاستثمار يسعى لأن تكون تجارته ناجحة، واستثماره ممتاز، بل ويسعى عبر الخطط والبرامج لأن يمتلك الأموال في أقل وقت، ويعبر عن هذا بـ"الشطارة، وفهم سوق العمل، والخبرة الممتازة"، وكل هذا وغيره في الأمور الدنيوية والمادية مما ستنتهي بمرور الأيام، وبمجرد موت الإنسان تذهب كل هذه الأعمال والجهود والخبرة والشطارة إلى أناس آخرين، ولن يستفيد من هذه الأموال والجهود إلا بالثوب الأبيض الذي سيدخل به في قبره.

وإن الكثير من الناس اليوم غافلون أو متغافلون عن التجارة الحقيقية، والربح الصحيح الباقي، فإن الشطارة الحقيقية هي التي ينتفع بها صاحبها حين يكون في أمسِّ الحاجة إليها، وفي الوقت العصيب حين يصبح في أشد الحاجة إلى الحسنة الواحدة فلا يجدها، وهنا يجد أنه كان مخدوعاً بزخرف الحياة الدنيا وزينتها.

إننا اليوم في أمسِّ الحاجة إلى أن نعقد صفقة مع الله – عز وجل -، وهذه الصفقة سهلة ويسيرة، وربحها مضمون، ولن يخسر أحد فيها، فلو نظرنا إلى ما أعده الله – عز وجل – لمن يدخل في هذه التجارة لوجدنا الربح الوفير، والعائد الكبير؛ مقابل رأس المال القليل، ولنستعرض جميعاً هذه التجارة مع رأس المال، ونقارن رأس المال مع أرباحه وفوائده التي تعود على العبد نفسه، ولن نتكلف بل في حدود الممكن الذي يستطيعه كل واحد منا، ونذكر مجالين من هذه المجالات فقط فيما يلي:

أولاً: الذكر لله – عز وجل -، حيث قد حث الله – عز وجل – على أن يكون العبد دائم الاتصال بالله – عز وجل -، وذكر ما أعده للذاكرين فقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}1، ودلَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – على أن الذاكرين سابقين لغيرهم فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات))2، وجاءت السنة النبوية لتحث على ما جاء به القرآن الكريم فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت))3، ومن ثواب الذكر لله – تبارك وتعالى – ما جاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يقول الله – تعالى -: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم))4.

والذكر يشمل الاستغفار الذي هو سبب لمغفرة الذنوب قال – تعالى -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً}5، وهو من أسباب الرزق، والبركة، والإمداد بالمال والبنين قال – تعالى -: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}6، وهو من أسباب الرحمة قال – تعالى -: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}7، وفيه اقتداء بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد صح عنه أنه كان يقول: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ))8.

ثانياً: الصلاة على الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد جاء الأمر بالصلاة على النبي في كتاب الله – عز وجل – في قوله – تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}9، "وصلاة الله – عز وجل – على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ذكره بالثناء في الملأ الأعلى، وصلاة ملائكته دعاؤهم له عند الله – سبحانه وتعالى -، ويا لها من مرتبة سنية حيث تردد جنبات الوجود ثناء الله على نبيه، ويشرق به الكون كله، وتتجاوب به أرجاؤه، ويثبت في كيان الوجود ذلك الثناء الأزلي القديم الأبدي الباقي، وما من نعمة ولا تكريم بعد هذه النعمة وهذا التكريم، وأين تذهب صلاة البشر وتسليمهم بعد صلاة الله العلي وتسليمه، وصلاة الملائكة في الملأ الأعلى وتسليمهم، إنما يشاء الله تشريف المؤمنين بأن يقرن صلاتهم إلى صلاته، وتسليمهم إلى تسليمه، وأن يصلهم عن هذا الطريق بالأفق العلوي الكريم الأزلي القديم"10.

وللصلاة على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فضائل عظيمة ذكرها الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – في عدة أحاديث، ومن فضلها:

·       امتثال الأمر الإلهي في قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.

·       التشبه، بل التخلق بخلق الأنبياء؛ حيث أنهم يصلون على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -.

·   مكافأة من الله – عز وجل – بأن يجازيه بأعظم مما صنع، بحيث يصلي عليه أضعاف ما صلى على النبي – صلى الله عليه وسلم – فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضي الله عنهما – أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً))11.

·   سبب في دفع الهموم وغفران الذنوب فقد جاء عن أبي بن كعب – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا ذهب ربع الليل قام فقال: ((يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه))، قال أبي بن كعب: فقلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ((ما شئت))، قال: قلت: الربع؟ قال: ((ما شئت، وإن زدت فهو خير))، قلت: النصف؟ قال: ((ما شئت، وإن زدت فهو خير))، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: ((إذن تكفى همك، ويغفر لك ذنبك))12.

·   في الصلاة على النبي – عليه الصلاة والسلام – رفع الدرجات، وحط الخطايا، فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ))13.

ويستمر المؤمن يقطف الثمار، والفضائل الناتجة من أفضال الصلاة والسلام على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا السوق الحقيقي لمن يريد التجارة الرابحة، والمكسب الوفير الذي لا خسارة فيه؛ فأين من يدخل هذا السوق؟، وأين المتاجرون؟ وأين المشمرون؟.

كل هذه المكاسب وغيرها من بابين فقط من أبواب الخير والأجر فكيف إذا دخلنا غيرها، وإذا كان هذا الأجر من مجالين فقط فكيف إذا صاحب هذا الإيمان الصادق بالله – تبارك وتعالى – في هذه العبادة وغيرها من العبادات والشعائر.

نسأل الله – عز وجل – أن يهدينا سواء السبيل، وأن يردنا إلى دينه مرداً جميلاً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


 


1 سورة الأحزاب (35).

2 مسلم (4834).

3 البخاري (5928)، ومسلم (1299).

4 البخاري (5928)، ومسلم (1299).

5 سورة نوح (10).

6 سورة نوح (11-12).

7 سورة النمل (46).

8 مسلم (4871).

9 سورة الأحزاب (56).

10 في ظلال القرآن (6/98).

11 مسلم (577).

12 الترمذي (2381)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (5/457).

13 النسائي (1280)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (3/441).