وذهب الحياء!!

صفحة جديدة 1

وذهب الحياء!!

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، أما بعد:

إخواني: في هذه اللحظات المباركات أحببت أن أذكر نفسي وإياكم بخلق عظيم، تغافله كثير من الناس، بل ونبذه كثير من الذكور والإناث، إلا من رحم الله تعالى.

هذا الخلق هو خلق هذا الدين، إذ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء).1

والحياء خلق نبيل يحول بين من يتخلق به وبين فعل المحرمات وإتيان المنكرات، ويصونه من الوقوع في الأوزار والآثام.

والحياء بتعبير آخر: هو الامتناع عن فعل كل ما يستقبحه العقل ولا يقبله الذوق السليم، والكف عن كل ما لا يرضى به الخالق والمخلوق.

لكن للأسف الشديد فقد ذهب الحياء من قلوب ووجوه كثير من الناس، فأين الحياء من أناس تجرؤوا على معصية الله تعالى في السر والعلن، وأين الحياء ممن وضعوا الصحون الفضائية “الفاضية من كل خلق ودين” على سطوح بيوتهم، وينضرون من خلالها إلى مالا ترتضيه شريعة ولا عقل سليم.

وأين الحياء من قوم تركوا بناتهم في الشوارع والمدارس والجامعات والوظائف بدون متابعتهن ومعرفة من يرافقن، حتى كانت النتيجة المُرَّة من فساد مجتمعات، وانتهاك أعراض، وغيرها مما لا يخفى على مسلم عاقل.

إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً فمالك في معاتبة الذي لا

 

 

 تقلب في الأمور كما يشاء  حياء لوجهه إلا العناء

 

وأين الحياء من نساء تخرج إحداهن كاشفة وجهها مبدية زينتها، متكلمة ومحاورة لغير محارمها بل لزملاء الدراسة والعمل، لا تستحي من الله ولا من الناس، فما أعظم الخسارة وما أسوأ العاقبة.

وصدق الشاعر حين قال:

فتاة اليوم ضيعت الصوابا فلن تخشى حياءٌ من رقيب إذا سارت بدا ساق وردف بربك هل سألت العقل يوماً أهذا طبع طالبة لعلم وما كان التقدم صبغ وجه شباب اليوم يا أختي ذئاب

 

 

وألقت عن مفاتنها الحجابا ولم تخشى من الله الحسابا ولو جلست ترى العجب العجابا أهذا طبع من رام الصوابا إلى الإسلام تنتسب انتساباً وما كان السفور إليه باباً وطبع الحمل أن يخشى الذئابا

 

أين هؤلاء النساء من بنات الصالحين السابقين..! يقول الله عن بنت شعيب عندما أرسلها أبوها أن تخبر نبي الله موسى بطلب أبيها: {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا..} (25) سورة القصص. أدب في الخطاب وتعفف في الكلام، واستحياء من الناس.. ألا شاهت وجوه قوم لا يعرفون للمعروف قدره ولا للحياء وزنه.

أيها الإخوة المؤمنون: يكفى بالحياء خيراً أن يكون على الخير دليلاً، وكفى بالقحة والبذاء شراً أن يكونا إلى الشر سبيلاً، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار).2

وأختم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت).3 وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “من كسا بالحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه” وقال الخواص: إن العباد عملوا على أربع منازل، على الخوف والرجاء والتعظيم والحياء، فأرفعها منزلة الحياء لما أيقنوا أن الله يراهم على كل حال قالوا: سواء علينا رأيناه أو رآنا، وكان الحاجز لهم عن معاصيه الحياء منه.

فينبغي للمسلم ذكراً كان أو أنثى أن يتخلق بهذا الخلق الرفيع ليبلغ منازل الصالحين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


 


1 رواه الإمام مالك في الموطأ (2/905) برقم (1610)، قال الألباني: صحيح لغيره انظر: صحيح الترغيب والترهيب رقم (2632).

2 رواه الترمذي برقم: (2009) وصححه الألباني في تحقيقه لسنن الترمذي.

3 رواه البخاري (3296).