الجمعة فضائل وأحكام

الجمعة فضائل وأحكام

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فضل الجمعة في الإسلام:

للجمعة مكانة كبيرة في الإسلام، وفضل عظيم، دل على هذا عدة نصوص من كتاب الله – عز وجل -، ومن سنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – ومن تلك النصوص:

1.  عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ … الحديث1)).

2.  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ)).2

3.  في الجمعة ساعة من دعا الله – عز وجل – فيها استجيبت دعوته فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْراً إِلَّا أَعْطَاهُ))، وَقَالَ بِيَدِهِ، قُلْنَا يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا"3، واختلف السلف في هذه الساعة، فروي عن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال: هي من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وقال الحسن، وأبو العالية: هي عند زوال الشمس، وقال أبو ذر: هي ما بين أن تزيغ الشمس بشبر إلى ذراع، وقالت عائشة: هي إذا أذن المؤذن بالصلاة، وقال ابن عمر: هي الساعة التي اختار الله فيها الصلاة، وهو قول أبى بردة، وابن سيرين، وقال أبو أمامة: إني لأرجو أن تكون في هذه الساعات: إذا أذن المؤذن، أو إذا جلس الإمام على المنبر، أو عند الإقامة"4، ومرد الأقوال في ساعة الإجابة قولان كما ذكر فضيلة الشيخ ابن باز – رحمه الله – حيث قال: "فأرجح الأقوال في ساعة الإجابة يوم الجمعة قولان:

أحدهما: أنها بعد العصر إلى غروب الشمس في حق من جلس ينتظر صلاة المغرب سواء كان في المسجد أو في بيته يدعو ربه، وسواء كان رجلاً أو امرأة، فهو حري بالإجابة، لكن ليس للرجل أن يصلي في البيت صلاة المغرب ولا غيرها إلا بعذر شرعي كما هو معلوم من الأدلة الشرعية.

والثاني: أنها من حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة يوم الجمعة إلى أن تقضي الصلاة، فالدعاء في هذين الوقتين حري بالإجابة، وهذان الوقتان هما أحرى ساعات الإجابة يوم الجمعة لما ورد فيهما من الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك، وترجى هذه الساعة في بقية ساعات اليوم، وفضل الله واسع – سبحانه وتعالى -".5

4.  ومما ورد في فضل الجمعة ما جاء عَنْ حُذَيْفَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ؛ فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ))6 "ويدل – والله أعلم -: أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة"7، ولذا نجد أن القرآن الكريم قد حث على الإسراع إلى صلاة الجمعة، وإجابة النداء لها فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}8 "يقول – تعالى – ذكره للمؤمنين به من عباده: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، ومعنى الكلام: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي فامضوا إلى ذكر الله، واعملوا له، وأصل السعي في هذا الموضع العمل، والمعنى اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك صلاة الجمعة"9.

 

وينبغي على العبد قبل أن يأتي للصلاة القيام بأعمال منها:

  • الاغتسال يوم الجمعة لقوله – عليه الصلاة والسلام -: ((إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل))10.

  •   يستحب الإكثار من الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – لحديث أوس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ))11.

  • التطيب والتسوك، ولبس أحسن الثياب في يوم الجمعة فعن أبي أيوب – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: ((من اغتسل يوم الجمعة، ومسَّ من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد، ثم يركع إن بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي؛ كانت كفارة لما بينهما))12.

  • ويستحب التبكير إلى صلاة الجمعة فعن أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ – رضي الله عنه – قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: ((مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا))13.

  • ويستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين))14.

  • فإذا استجاب العبد للنداء، وحضر إلى المسجد؛ استقبلته الملائكة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلَائِكَةُ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ))15.

  • فإذا دخل المسجد فإن له أموراً ينبغي أن يلتزم بها منها:

  • الإنصات إلى ما يقوله الخطيب: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ "أَنْصِتْ" وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ)).16

  • عدم تخطي الرقاب: فعن عبد الله بن بسر – رضي الله عنهما – قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((اجلس فقد آذيت وآنيت))17.

  • ويكره إفراد يوم الجمعة بصيام وكذا ليلته بقيام لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم))18.

  • يحرم البيع والشراء بعد أذان الجمعة فقد قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}19، فـ"لا يحلّ له البيع إذا سمع النداء الذي يكون بين يدي الإمام إذا قعد على المنبر، ولم يأمرهم الله بأن يذروا شيئاً غيره، فحرَّم البيع ثم أذن لهم فيه إذا فرغوا من الصلاة"20.

وترك المرء البيع والشراء وقت صلاة الجمعة هو خير وأفضل للعبد لأن الله – عز وجل – وصفه بقوله: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ لأن هؤلاء "لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها ومَلاذ بَيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم، والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم؛ لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق"21.

وكم يدمي القلب اليوم ما نراه من أبناء الإسلام من تركهم الجمعة والجماعات، وتغافلهم عنها، وبعدهم من بيوت الله – تعالى – فلا حول ولا قوة إلا بالله، ونحن نجد أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حذر من ترك صلاة الجمعة فقد جاء عن مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُناً بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ))22، وعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك الجمعة ثلاثاً جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره))23.

وإذا كان الله – عز وجل – قد وبخ من اشتغل عن صلاة الجمعة بالتجارة، فما بالنا بمن تركها بالكلية فقال: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}24 "فإنه توبيخ لمن ترك الجمعة، أو اشتغل عَنْهَا بالتجارة أو باللهو، وحمل هَذَا الوعيد عَلَى الجمعة خاصة"25، فالحذر الحذر من ترك الجمعة، والتغافل عن أدائها، والقيام بها.

نسأل الله أن يهدي أبناء المسلمين، وأن يصلح حال الأمة مع ربها؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعل آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.


 


1 ابن ماجة (1074)، وحسنة الألباني في مشكاة المصابيح (1/305).

2 مسلم (1411).

3 البخاري (5921)، ومسلم (1407).

4 شرح ابن بطال (4/140).

6 مسلم (1415).

7 فتح الباري لابن حجر (3/277).

8 سورة الجمعة (9).

9 تفسير الطبري (23/380) بتصرف.

10 البخاري (828)، ومسلم (1396).

11 النسائي (1375)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/137).

12 مسند أحمد (11343)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/168).

13 ابن ماجة (1077)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 168).

14 المستدرك على الصحيحين للحاكم (8/37)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/180).

15 البخاري (2972)، ومسلم (1416).

16 البخاري (882)، ومسلم (1404).

17 النسائي (1382)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/175).

18 مسلم (1930).

19 سورة الجمعة (9).

20 تفسير الطبري (23/383) بتصرف.

21 تفسير ابن كثير (6/ 68).

22 الترمذي (640)، وصحيح الترغيب والترهيب (1/178)، وقال حسن صحيح.

23الترمذي (460)، و صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/179).

24 سورة الجمعة (11).

25 فتح الباري لابن رجب (5/4) بتصرف.