بدع رجب

بدع رجب

 

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم الصلاة على خير الورى، المبعوث في أم القرى، ما كان حديثاً يفترى، أما بعد:

فإن الله اختار الله من بين الشهور أربعة حُرماً قال – تعالى -: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}1، وهي مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله الكفار، والأشهر الحرم وردت في الآية مبهمة ولم تحدد أسماؤها، وجاءت السُنة بذكرها فعن أبي بكرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خطب في حجة الوداع وقال في خطبته: ((إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القَعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى))2، وسمي رجب مضر لأن مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته، بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم، وهو النسيء المذكور في قوله – تعالى -: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}3، وقيل: إن سبب نسبته إلى مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك.

سبب تسميته:

قال ابن فارس: رجب: الراء والجيم والباء أصلٌ يدل على دعم شيء بشيء، وتقويته4، ومن هذا الباب: رجبت الشيء أي عظّمته، فسمي رجباً لأنهم كانوا يعظّمونه، وقد عظمته الشريعة أيضاً. أ. هـ.

أشهر البدع فيه:

أولاً: تخصيص الصوم في رجب:

فلم يصح في فضل تخصيص الصوم في رجب شيء عن النبي – صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أصحابه، وإنما يشرع فيه من الصيام ما يشرع في غيره من الشهور من صيام الاثنين والخميس، والأيام الثلاثة البيض، وصيام يوم وإفطار يوم، والصيام من سرر الشهر، وسرر الشهر قال بعض العلماء أنها أول الشهر، وقال البعض أنها أوسط الشهر، وقيل أيضاً أنها آخر الشهر، وقد كان عمر – رضي الله عنه – ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال: رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام، ويقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية5، قال الإمام ابن القيم: "ولم يصم – صلى الله عليه وسلم – الثلاثة الأشهر سرداً "أي رجب وشعبان ورمضان" كما يفعله بعض الناس، ولا صام رجباً قط، ولا استحب صيامه"، وقال الحافظ ابن حجر في تبين العجب بما ورد في فضل رجب: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معيّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه؛ حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، وكذلك رويناه عن غيره".

ثانياً: تخصيص العُمرة في رجب:

دلت الأحاديث على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعتمر في رجب كما ورد عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة – رضي الله عنها -، فسئل: كم اعتمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: أربعاً إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين – أي صوت السواك – في الحجرة، فقال عروة: يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال: يقول إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اعتمر أربع عمرات إحداهنّ في رجب، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهد – أي حاضر معه -، وما اعتمر في رجب قط6، قال النووي: سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه، أو نسي، أو شك.

ثالثاً: ذبيحة العتيرة:

وقد كان الذبح واتخاذ يوم من شهر رجب عيداً يذبح فيه من شأن الجاهلية، والذبيحة التي كان الجاهليون يذبحونها تسمى العتيرة، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أنه – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: ((لا فرع ولا عتيرة))7، واختلف العلماء في ذلك، فمنهم من رأى أن هذا ناسخٌ ومبطلٌ لما كان عليه أهل الجاهلية، فبعد أن قال – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ((لا فرع، ولا عتيرة)) لا يجوز لأحد أن يحتفل أو أن يذبح في شهر رجب، وقال بعض العلماء: إن النهي إنما هو للوجوب فيظل ذلك استحباباً؛ لأن أهل الجاهلية – في نظره – كانوا يفعلون ذلك وجوباً، ويعظمونه تعظيماً بالغاً، ومنهم من حمله على الكراهة مستدلاً ببعض الآثار أو الأحاديث، ولا مجال لتفصيل القول فيها، ولكن القول الصحيح والراجح والذي عمل به الإمام أحمد – رحمه الله – وغيره من السلف المتبعين للأثر والسنة في هذا هو ترجيح أن ذلك كان من أمر الجاهلية، وقد أبطله الإسلام، فلا يذبح في شهر رجب ولا يعظم، ولا يتخذ يوماً من أيامه عيداً يعظم.

رابعاً: صلاة ليلة المعراج:

وهي صلاة تصلى ليلة السابع والعشرين من رجب، وتسمى صلاة ليلة المعراج، وهي من الصلوات المبتدعة التي لا أصل لها صحيح لا من كتاب ولا سنة8، ودعوى أن المعراج كان في رجب لا يعضده دليل قال أبو شامة – رحمه الله تعالى -: "ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب" أ. ه9، وقال أبو إسحاق إبراهيم الحربي – رحمه الله تعالى -: "أُسري برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول" ا. ه10.

ومن يصليها يحتج بما رُوي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((في رجب ليلة كُتب للعامل فيها حسنات مئة سنة، وذلك لثلاث بقين من رجب))11،  وأمارات الوضع ظاهرة عليه، فقد أجمع العلماء على أن أفضل ليلة في السنة ليلة القدر، وهذا الخبر يخالف ذلك.

ومن بدع تلك الليلة: الاجتماع، وزيادة الوقيد والطعام:

قال الشيخ علي القاري: "لا شك أنها بدعة سيئة، وفعلة منكرة لما فيها من إسراف الأموال، والتشبه بعبدة النار في إظهار الأحوال" أ. ه12.

خامساً: صلاة الرغائب:

وهي اثنتا عشرة ركعة بعد المغرب في أول جمعة، بست تسليمات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاثاً، والإخلاص ثنتي عشرة مرة، وبعد الانتهاء من الصلاة يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – سبعين مرة، ويدعو بما شاء، وهي بلا شك بدعة منكرة، وحديثها موضوع بلا ريب13، قال النووي – رحمه الله تعالى -: "واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها، فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة، وفيها منكرات ظاهرة، وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها، وتضليل مصليها ومبتدعها، ودلائل قبحها وبطلانها، وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر" أ. ه14، وقال الخطابي – رحمه الله تعالى -: "حديث صلاة الرغائب جمع من الكذب والزور غير قليل" أ. ه15، وقال الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى -: "فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون، ولم يتكلموا فيها" ا. ه16.

اللهم وفقنا لكل خير، وجنبنا البدع ما ظهر منها وما بطن يا رب، والحمد لله رب العالمين.


 


1 التوبة (36).

2 رواه البخاري رقم (1741)، ورواه مسلم رقم (1679).

3 التوبة (37).

4 معجم مقاييس اللغة (ص445).

5 الإرواء 957، وقال الألباني: صحيح.

6 متفق عليه، وجاء عند مسلم: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم.

7 رواه البخاري (5474) ومسلم (1976).

8 أنظر: خاتمة سفر السعادة للفيروز أبادي ص150، التنكيت لابن همات 97.

9 الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثيرص232 مواهب الجليل (2/408).

10 الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثيرص232، شرح مسلم للنووي (2/209)، تبيين العجب بما ورد في فضل رجب لابن حجر العسقلاني ص21، مواهب الجليل (2/408).

11 رواه البيهقي في الشعب (3/374) وضعفه، كما ضعفه الحافظ ابن حجر في تبيين العجب (25)، وقال القاري: "ضعيف جداً" الأدب في رجب للقاري ص48.

12 الأدب في رجب للقاري ص46.

13 ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات (2/124).

14 شرح مسلم (8/20)، الأدب في رجب للقاري ص43، نيل الأوطار (4/337).

15 الباعث لأبي شامة 143.

16 لطائف المعارف 228.