أيها العازب

أيها العازب

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:

أيها الأخ المبارك هذه وصايا أزفها إليك، قطفتها من معين الكتاب والسنة، وهدي سلف الأمة، وصايا لمن عزف عن الزواج، جمعت فيها من الآيات أبينها، ومن الأحاديث أصحها، ومن الأبيات أعذبها، ومن المواعظ أرقها، أردت بها نصحك ونصح أمتي ليتبصر بها من أراد، ويستنير بها من رام النصح والإرشاد.

اسمح لي بأن أهمس في أذنك بحديث يخصك، نعم هو من شؤون حياتك وعلاقاتك الخاصة، لكن لمَّا كان المسلم أخو المسلم لا يقف عن نصحه وإرشاده، ولا يتردد في إنقاذه، فاسمع مني، واعلم أني لك ناصح، وعليك مشفق.

الزواج سنة الله في خلقه، وآية من آياته، ورحمة من الله بخلقه، يأنس الخليل مع خليله، ويسكن مع أهله بالحب والمودة والرحمة، ويتكاثر به الناس لتحيا الأمم، وتتوالى الأجيال جيلاً بعد جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها قال الله – تعالى -: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}1، ولكن أُخيَّ ما الذي حدى بك إلى ترك نفسك عرضة للفتنة والشهوات، مأسوراً بالمغريات، فعكفت على حال وحيداً فريداً، لا أنيس ولا مؤانس، ولا حبيب ولا مجالس، فابحث لنفسك عن مخرج تحيا به حياة السعداء، وتسلك مسلك الأنبياء، وتحذو حذو الآباء قال الله – تعالى – {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}2، وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((حبب إليَّ من الدنيا النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة))3، وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – يقول: ((جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – يسألون عن عبادة النبي – صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))4، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – ينهى عن التبتل والإعراض عن الزواج فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: ((كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً، ويقول: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر الأنبياء يوم القيامة))5، وعن سمرة – رضي الله عنه -: ((أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن التبتل))6، وروى ابن أبي شيبة عن شداد بن أوس – وكان قد ذهب بصره – قال: "زوجوني فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أوصاني أن لا ألقى الله أعزباً"، وروى عن معاذ أنه قال في مرضه الذي مات فيه: "زوجوني إني أكره أن ألقى الله عزباً"7.

وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – بعضاً من منافع الزواج وقضاء الشهوة في الحلال فقال: "ومن منافعه غض البصر، وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام"8.

أخي العازب: هذه النصوص الكثيرة وغيرها تحثك على الزواج، وتدعوك للخروج من مغارة العزوبية، فحث السير لاختيار الزوجة الصالحة المتدينة التي تعينك على أمور دينك ودنياك، فإن رغبت عن ذلك لعدم القدرة على الزواج، أو لسبب آخر؛ فاقرأ وتدبر قول المولى – جل وعلا -: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}9، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قد أوصاك وأمثالك من الشباب بوصية غالية فالزم طريقها علَّها تكون عونا ًلك على ما أنت عليه فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – فقال: كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))10 قال ابن حجر – رحمه الله -: "وفي الحديث أيضاً إرشاد العاجز عن مؤن النكاح إلى الصوم، لأن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل، تقوى بقوته، وتضعف بضعفه"11.

واعلم أيها العازب أن الشهوات تحدق بك من كل جهة، وهي أقرب إليك من كل أحد، فاحذر كل الحذر من الوقوع فيها، وفر منها فرارك من الأسد، واترك مجالسة من يوردك المهالك، فالمرء على دين خليله فانظر من تخالل، عصمني الله وإياك من الزلل، ووفقني الله وإياك إلى كل خير، والحمد لله رب العالمين.


 


1 سورة الروم (21).

2  سورة الرعد (38).

3 سنن النسائي (3939)، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح، ومسند أحمد برقم (12315)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.

4 رواه البخاري برقم (4776)، ومسلم برقم (1401).

5 مسند أحمد برقم (12634)، وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره, وهذا إسناد قوي.

6 سنن الترمذي برقم (1082)، والنسائي برقم (3213)، وابن ماجه برقم (1849)، وقال الشيخ الألباني: صحيح لغيره، وأحمد برقم (20205)، وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن عبد الله بن المديني فمن رجال البخاري.

7 مصنف بن أبي شيبة (3/270).

8 زاد المعاد (4/228).

9 سورة النور (33).

10 رواه البخاري برقم (1806)، ومسلم برقم(1400).

11 فتح الباري لابن حجر (14/293).