حمل المأموم للمصحف

حمل المأموم للمصحف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.. أما بعد:

يدخل المأمون في صلاة الجماعة بكل حرص على أن ينفعه الله – عز وجل – بها؛ فيحافظ على خشوعه وإنصاته فيها؛ مطيعاً لأمر الله – تعالى – الذي بيَّن أهمية الإنصات في الصلاة لقراءة الإمام: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}1 قال الإمام الشوكاني – رحمه الله تعالى -: "قوله: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}: أمرهم الله – سبحانه – بالاستماع للقرآن، والإنصات له عند قراءته؛ لينتفعوا به، ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح، قيل: هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام، ولا يخفاك أن اللفظ أوسع من هذا، والعام لا يقصر على سببه، فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حالة، وعلى أي صفة؛ مما يجب على السامع"2.

وعلى هذا فلا ينبغي أن ينشغل المأموم بما يصرفه عن الاستماع للقرآن، ويأتي هنا ذكر ما قد يقوم به بعض المأمومين من أخذ المصحف في الصلاة حتى يتابع الإمام (وبخاصة صلاة التراويح)، وهذا قد يشغله عن الكيفية الكاملة للصلاة، فلا يستطيع وضع اليمنى على اليسرى، ولأجل ذلك فقد كره بعض العلماء هذا الوضع، وأجاز البعض حمل المصحف لمأمومٍ واحدٍ؛ يفتح على الإمام عند الحاجة، وإليك هذه الفتاوى:

سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: ما حكم حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح؟

فأجاب: "لا أعلم لهذا أصلاً، والأظهر أن يخشع ويطمئن ولا يأخذ مصحفاً، بل يضع يمينه على شماله كما هي السنة، يضع يده اليمنى على كفه اليسرى الرسغ والساعد ويضعهما على صدره، هذا هو الأرجح والأفضل، وأخذ المصحف يشغله عن هذه السنن، ثم قد يشغل قلبه وبصره في مراجعة الصفحات والآيات، وعن سماع الإمام، فالذي أرى أن ترك ذلك هو السنة، وأن يستمع وينصت، ولا يستعمل المصحف، فإن كان عنده علم فَتَح على إمامه، وإلا فتح غيره من الناس، ثم لو قدر أن الإمام غلط ولم يُفتح عليه ما ضر ذلك في غير الفاتحة إنما يضر في الفاتحة خاصة؛ لأن الفاتحة ركن لا بد منها، أما لو ترك بعض الآيات من غير الفاتحة ما ضره ذلك إذا لم يكن وراءه من ينبهه، ولو كان واحد يحمل المصحف على الإمام عند الحاجة فلعل هذا لا بأس به، أما أن كل واحدٍ يأخذ مصحفاً فهذا خلاف السنة" انتهى.

وسُئِلَ – رحمه الله -: بعض المأمومين يتابعون الإمام في المصحف أثناء قراءته فهل في ذلك حرج؟

فأجاب: "الذي يظهر لي أنه لا ينبغي هذا، والأولى الإقبال على الصلاة والخشوع، ووضع اليدين على الصدر متدبرين لما يقرأه الإمام لقول الله – عز وجل -: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}3، وقوله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}4، ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا))5" انتهى"6.

"وسُئِلَ فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: عن حكم حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح؟

فأجاب فضيلته بقوله: لا ينبغي حمل المأموم للمصحف، بل لو قيل بكراهيته لكان له وجه؛ لأن ذلك يؤدي إلى حركة لا حاجة إليها، فالإنسان يتحرك لفتح المصحف، وإغلاقه، وحمله، وتفوته سنة وضع اليدين على الصدر، ويكون منه حركة بصرية كثيرة؛ لأن عينيه تجول في الصفحات؛ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى بطلان صلاة الإنسان إذا قرأ من المصحف، والصحيح أن الصلاة لا تبطل، لكن لا شك أن متابعة الإمام في المصحف إذا لم يكن هناك حاجة مكروه، أما لو كان الإمام محتاجاً إلى من يتابعه لكونه ضعيف الحفظ فطلب من أحد المصلين أن يتابعه ليقرأ عليه إن أخطأ فإن ذلك لا بأس به"7، بل ذكر – رحمه الله تعالى – عدة محاذير في هذا الفعل؛ وإليك إياها:

سئل فضيلة الشيخ: ما حكم حمل المصحف في الصلاة للمتابعة؟

فأجاب فضيلته بقوله: حمل المصحف والإمام يقرأ ينافي الخشوع، وفيه عدة محاذير:

المحذور الأول: أنه يحول بين المصلي وبين رؤية محل سجوده، والمشروع للمصلي أن ينظر إلى محل سجوده عند أكثر العلماء، وهذا الذي بيده المصحف لا ينظر إليه.

المحذور الثاني: أنه يحول بين المصلي وبين اتباع السنة في وضع اليدين؛ لأن المشروع للمصلي في حال القيام قبل الركوع وبعد الركوع أن تكون يده اليمنى على اليسرى، وهذا الذي أخذ المصحف لا يتمكن من ذلك كما هو معلوم.

المحذور الثالث: أن فيه حركة لا داعي لها، والحركة في الصلاة مكروهة؛ لأنها عبث، وهذا يحرك المصحف في تقليبه، وفي حمله، وفي وضعه حركة لا داعي لها.

المحذور الرابع: أنه يشغل بصره بحركات كثيرة؛ فهو ينظر إلى الآيات، وإلى كل كلمة، وكل حرف، وكل حركة، وكل سطر، وكل صفحة، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان المصلي إذا قرأ في المصحف بطلت صلاته، وعللوا بذلك بكثرة الحركات، وهذا المتابع لا شك أن حركات عينيه تكثر كثرة عظيمة.

المحذور الخامس: أنني أشعر أن الذي يتابع الإمام سوف يذهب عن قلبه أنه في صلاة، يعني ينشغل بالمتابعة عن كونه يصلي يشعر كان أمامه رجلاً يقرأ وهو يتابعه، ما كأنه في صلاة، لكن إذا كان الإنسان قد وضع يده اليمنى على اليسرى، واخبت لله، ووضع بصره موضع سجوده، فإنه يجد من الإنابة إلى الله والخشوع ما لا يجده عند تقليب المصحف، ولهذا أنصح إخواني بترك هذه العادة، اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما لو كان الإمام غير حافظ، فطلب من بعض المأمومين حمل المصحف ليرد عليه عند الخطأ؛ فهذه حاجة ولا بأس بها"8 انتهى.

فيؤخذ مما سبق أن الأصل ترك متابعة المأموم للإمام بالمصحف، وذلك للعلل السابقة، وإنما تفعل عند الحاجة إليها؛ كأن يحتاج الإمام من يفتح عليه.

والله أعلم، وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 سورة الأعراف (204).

2 فتح القدير (2/280).

3 سورة الأعراف (204).

4 سورة المؤمنون آية (1-2).

5 رواه النسائي (996)، وقال الألباني: حسن صحيح، انظر صحيح النسائي (921)، وأصله في البخاري (732)، ومسلم (417)، والمذكور هو لفظ النسائي.

6 مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/340-342).

8 المصدر السابق.