اجعل بيتك مكاناً لذكر الله

اجعل بيتك مكاناً لذكر الله

اجعل بيتك مكاناً لذكر الله

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره, أما بعد:

فإنك -أخي المسلم الكريم- مسؤول عن رعيتك، كقائد في أسرتك؛ إذ أنت قدوة، فأحسن لهم الاقتداء فإنهم تبع لك، واعلم أنك إن قرأت لهم القرآن فسيستمعون وينصتون, ثم يقتدون بك فيقرؤون، وإذا رأوك تزمِّر أو تلهو بأنواع الملاهي فإنهم سيغنون ويرقصون، فانظر لهم طريقاً فيه يسلكون, واحذر الكذب وأكل الحرام؛ فإن ذلك مهلك لك ولهم, ولا تضيِّع الأوقات فيما لا ينفع -وخاصة أمامهم- فالوقت كنز ثمين احذر أن تهدره، وتجنب سبيل من يضيع الأوقات ويجعل بيته وكراً لمشاهدة ما يغضب الله تعالى, فالإنسان محاسب على كل صغيرة وكبيرة, وهو الذي يورد نفسه وأهله المهالك, أو يكون سبباً في فلاحه وفلاح من تحته.

وإذا كان الأمر كذلك فإنا نوصيك بتقوى الله في تربيتك لنفسك وزوجك وأولادك, واجعل بيتك مقراً لذكر الله بدلاً من أن يكون بيتك مقراً للصحف المحتوية على الصورة الخليعة والقصص الماجنة، أو الفضائيات التي تنشر الفساد الأخلاقي, وتحارب الفضيلة، واستغل وقتك في بيتك بطاعة الله وذكره, وتذكر فضل الذكر ومنزلة الذاكرين, فالله قد أمر المؤمنين بذكره فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (152) سورة البقرة. وقال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (205) سورة الأعراف. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (42) سورة الأحزاب.

إن من يتأمل سيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يجده القدوة الحسنة في كثرة ذكر الله, فقد كان يستغفر الله ويتوب إليه في المجلس الواحد مائة مرة, فعَنْ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنه- قَالَ: “إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)”1.

والله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب.

وباب ذكر الله واسع فيشمل التوبة والاستغفار, وحمد الله وتسبيحه وتكبيره, ومن أشرف الذكر تلاوة كتاب الله تعالى؛ ففي تلاوته ينال المسلم خيري الدنيا والآخرة, فاحرص –أخي- أن تجعل بيتك سكناً للملائكة غير قابل لولوج الشياطين, وقد صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ, إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)2.

إن الذاكرين الله كثيراً هم الذين يذكرون الله في كل حال كما وصفهم بذلك –جل وعلا- بقوله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (191) سورة آل عمران. وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: “كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ”3. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ, فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ, فَقَالَ: (سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ, سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ) قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ)4.

إن العبد المسلم إذا واظب على الأذكار المأثورة عن حبيب الله –صلى الله عليه وسلم- بشتى صورها ومناسباتها, من أذكار الصباح والمساء, وأذكار النوم واليقظة, والأكل والشرب والدخول والخروج وغيرها مما صح عن نبينا –صلى الله عليه وسلم- كان -بإذن الله- من الذاكرين الله كثيراً, وكان ذلك سبباً لنجاته من شرور شياطين الإنس والجن, فكم من بيوت تشتكي مشاكل العين والمسِّ والسحر وغيرها, تلكم البيوت وغيرها بحاجة إلى الحرص على ذكر الله, والمواظبة عليه, ففي الصحيحين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي)5.

ومما يبين حفظ الله للذاكر من شرور الشياطين قوله –عليه الصلاة والسلام- (مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ)6.

ومما يدل على فضيلة الذكر ما ثبت عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ, فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ؟  قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)7.

فالله الله عبد الله لا تفرط في ذكر الله, واجعل بيتك شعلة مضيئة لأسرتك وجيرانك بتحبيب هذه العبادة إليهم, وكن قدوة لهم بأفعالك قبل أن تأمرهم بلسانك, واحذر مزامير الشيطان من الغناء واللهو الذي يؤدي إلى الغفلة عن الله وشرعه,  وأحسن أدب رعيتك, وجنبهم السوء ورفقاءه, فالمرء على دين خليله.

واللهَ نسأل أن يلهمنا رشدنا, وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته, والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.

 


 


1 رواه أبو داود – (ج 4 / ص 312) والترمذي -3356- (11/320) وصححه الألباني في تحقيق سنن أبي داود – (1516).

2 رواه مسلم -1300- (4/182).

3 رواه مسلم -558- (2/297).

4 رواه مسلم -4834- (13/169).

5 رواه البخاري -6856- (22/409) ومسلم -4849- (13/189).

6 رواه البخاري -4624- (15/413) ومسلم -1341- (4/236).

7 رواه الترمذي -3297 – (11/226) وابن ماجه -3783- (11/236) وصححه الألباني برقم (7700) في صحيح الجامع ).