السيخية

السيخية (Sikhism)

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

تعريف بالجماعة:

السيخ: جماعة دينية من الهنود الذين ظهروا متأخرين عن الديانات الهندية الكبرى، وكان ظهورهم في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين، وذلك بعد أن أشرق فجر الإسلام على ربوع الهند، وقامت فيه ممالكه ودوله، داعين إلى دين جديد، زعموا أن فيه شيئاً من الديانتين الإسلامية والهندوسية تحت شعار "لا هندوس ولا مسلمون".

وقد رام واضعها جمع المسلمين والهندوس على دين واحد إلا أنه فشل في ذلك، فظلت الديانتان على حالهما، وشكَّل هو وأتباعه ديناً جديداً تحت مسمى "السيخية"، وقد عادوا المسلمين خلال تاريخهم وبشكل عنيف، كما عادوا الهندوس بهدف الحصول على وطن خاص بهم، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء الشديد للبريطانيين خلال فترة استعمار الهند، وكلمة سيخ كلمة "سنسكريتية" تعني المريد أو التابع.

المؤسس وأبرز شخصيات الجماعة السيخية:

سبق تأسيس الديانة السيخية كحركة إصلاحية على يد "كبير" kabir المولود عام 1440م، إلاَّ أنَّها لم تنضج وتنتشر إلاَّ على يد "ناناك" nanak الذي يعتبر المؤسس الأول والحقيقي للسيخية.

"ناناك" ويدعى "غورو" أي المعلم ولد سنة 1469م في قرية "ري بوي دي تلفندي" التي تبعد40 ميلاً عن لاهور، وكانت نشأته هندوسية تقليدية، ولما شبَّ عمل محاسباً لزعيم أفغاني في "سلطان بور"، وهناك تعرف على عائلة مسلمة "ماردانا" كانت تخدم هذا الزعيم، وقد أخذ ينظم الأناشيد الدينية، كما نظّم مقصفاً ليتناول المسلمون والهندوس الطعام فيه، ولقد كان لاختلاطه بالمسلمين ومجالسته للصوفية أثر فيه، مع ما قد عرف عنه من نقده لبعض جوانب الهندوسية.

يقول الشيخ مشهور حسن سلمان: "انكب في شبابه على دراسة الأديان، فدرس الديانة البوذية والهندوسية والإسلامية، والتقى برجل مسلم مخرف – للأسف – اسمه سيد حسن درويش، وكان يقول هذا بوحدة الوجود، وكان يحسِّن الأديان كلها، فأصابته دعوى تحسين الأديان كلها من خلال هذا الرجل، وغلاة الصوفية، وأعلام القائلين بوحدة الوجود منهم وعلى رأسهم ابن عربي، وابن الفارض؛ يمدحون الكنائس والقسيسين والحاخامات، ويرون أن جميع الأديان مقبولة، وكلها توصل إلى الله بغض النظر عن الطريقة.

فتأثر به هذا الرجل، وبقي فترة من الفترات يدعو إلى أن جميع هذه الأديان التي درسها فيها خير، وأنها على حق.

ثم بعد كبره استنكر كثيراً ما كان يشاهد مما يمارس ديانة من قبل الهندوس من مثل حرق جثث الموتى، وقد كرسه الهنود تقليداً مقدساً لهم، وبقي في حيرة من أمره، حتى يذكر بعض خواصه ممن كتب عن حياته أنه جاء مع بعض المسلمين إلى مكة وحج، وشارك المسلمين في حجهم، وأنه تخلف أياماً بعد أن رجع أصحابه وبقي في مكة، ثم تعرف على الشيعة، وسافر إلى كربلاء، ونظر إلى طقوسهم وشاركهم))1.

زار أنحاء العالم المعروفة لديه، وتعلم اللغات الهندية والسنسكريتية والفارسية، وادعى أنه رأى الرب حيث أمره بدعوة البشر، ثم اختفى أثناء استحمامه في أحد الجداول، وغاب لمدة ثلاثة أيام ظهر بعدها معلناً "لا هندوس ولا مسلمون".

كان يدّعي حب الإسلام، مشدوداً إلى تربيته وجذوره الهندوسية من ناحية أخرى، مما دفعه لأن يعمل على التقريب بين الديانتين، فأنشأ ديناً جديداً في القارة الهندية، وبعض الدارسين ينظرون إليه على أنه كان مسلماً في الأصل ثم ابتدع مذهبه هذا.

أنشأ المعبد الأول للسيخ في "كارتاربور" بالباكستان حاليّاً، وقبل وفاته عام 1539م عيّن أحد أتباعه خليفة له، وقد دفن في بلدة "ديرة باباناناك" من أعمال البنجاب الهندية الآن، ولا يزال له ثوب محفوظ فيه مكتوب عليه سورة الفاتحة وبعض السور القصيرة من القرآن.

وبعد وفاته ترك مبادئ ليست واضحة وليست كلية، ثم جاء بعده مجموعة من أتباعه خلفوه.

والإمام الثاني عندهم اسمه "آنجد" وكان عمره لما خلفه خمسة وثلاثين عاماً، ومات سنة 1552 للميلاد، وخلفه آخر اسمه " أمرداس" ومات سنة 1574للميلاد وقد نجح هذا في نشر التعاليم السيخية الجديدة، وعمل على أشياء ميزتهم عن الهندوس، فخصصهم بطقوس معينة عند الميلاد وعند الوفاة.

الأفكار والمعتقدات لجماعة السيخ:

1- القول بالتوحيد: يدعون إلى الاعتقاد بخالق واحد، ويقولون بتحريم عبادة الأصنام، وهذا أخذوه من المسلمين إلا أنهم خلطوه بشرك الهندوس، فزعم رئيسهم وفق ما ذُكر في كتابهم المقدس: "إن برهما خرج من سرة فشنو" وكلاً من برهما وفشنو من آلهة الهندوس، "فبرهما" هو الخالق عندهم، و"فشنو" هو الإله الحافظ لأمر العالم، وبهذا الجمع الغريب يكون السيخ قد جمعوا بين لفظ التوحيد عند المسلمين وحقيقة الشرك والتعدد عند الهندوس، كما يستعملون عدة أسماء للإله منها "واه غورو"، و"الجاب"، وأفضلها عند ناناك "الخالق الحق"، وكل ما عداه وَهْمٌ (مايا).

2- يمنعون تمثيل الإله في صور، ولا يقرون بعبادة الشمس والأنهار والأشجار التي يعبدها الهندوس، كما لا يهتمون بالتطهر والحج إلى نهر الغانج، وقد انفصلوا تدريجياً عن المجتمع الهندوسي، حتى صارت لهم شخصية دينية متميزة.

3- القول بوحدة الوجود: وهذا القول لا شك أنهم أخذوه عن الهندوسية، فالإسلام يفصل فصلاً تاماً بين حقيقة الإله الخالق المعبود وبين خلقه من الحيوان والجماد، وأما الهندوسية فتعتقد أن المخلوقات برزت من مادة الإله، ولذلك فغاية المنى عند الهندوسي أن يتحد بالإله، ولعل هذه النظرة الهندوسية هي التي أخذ السيخ منها القول بوحدة الوجود.

4- أصول الدين لديهم خمسة "بانج كهكها" أي الكافات الخمس ذلك أنها تبدأ بحرف الكاف باللغة الكورمكية وهي:

– الكيش: اقتداءاً بشمشون الجبار الذي اشتهر عندهم بأنَّ قدرته الخارقة تَكْمُن في شعر رأسه المسترسل، فقد أرخى على هذا الأساس السيخية شعور رؤوسهم، وأطالوا لحاهم، تقيداً بالقاعدة الأولى الكيش: "عدم مساس الشعر بمقص".

– الكانغا: وهي عبارة عن الضفائر المجدولة فوق الرأس، وذلك تعويضاً عن المشط، ولكي يكونوا على أهبة الاستعداد لنجدة الطائفة، وذلك يتطلب مهارة في الحركة والوثب "المشط يحمله كل فرد".

– الكاتشا: وهي عبارة عن تحريم ارتداء "الدوتي الهندي" وهو قماش فضفاض يلف حول الجسد فيعوق الحركة؛ لذلك عُدَّ هذا الزي الباهظ الثمن محرماً، ووضع مكانه "الكاتشا" وهو سروال متسع يضيق عند الركبتين للنساء والرجال على السواء "ارتداء السروال العسكري".

– الكارا: وتيمناً بفضائل ناناك الذي لم يعرف البهرجة حَرَّمت السيخية الزينة والحلي والجواهر، واكتفوا بسوار حديدي يُلف حول المعصم، ويُدعى "الكارا" والذي اعتمد على التقليد المتوارث، والقائل بأن الحديد يبعد إغواء الشيطان "وضع السوار الفولاذي في اليد اليمنى".

– الكريبان: أما القاعدة الخامسة والأخيرة فقد دعت إلى تقلد "الكيربان" وهو سيف تنطوي قبضته على الحد المستل الذي لا يبين له أثر إلا عند الحاجة فقط "حمل المُدى أو السيف ذي الحدين"2.

5- القول بتناسخ الأرواح: وهو من صلب عقيدة الهندوس، فالأرواح تنتقل من جسد إلى آخر دائماً وأبداً، إلا أن تنجو فتتحد بالإله برهما – وفق اعتقاد الهندوس -، وقد أدخل السيخ تعديلاً على عقيدة التناسخ فأرجعوا الأمر إلى الله – سبحانه -، وقالوا: إن التناسخ ليس بحتم بل قد ينجو الإنسان من التنقل أحياناً بمحض لطف الله – سبحانه -.

6- تحريم الرهبنة: حيث يوجبون على أتباع الطائفة السعي لطلب الرزق، وهذا بلا ريب مأخوذ من الإسلام الذي حرَّم الرهبانية، وأوجب على العبد اكتساب معيشته على خلاف مذهب الهندوس الذي يرغب أتباعه في الرهبنة، وترك العمل، والسلبية في الحياة.

7- الإيمان بأصل النبوة والرسالة: وأن الله يبعث إلى عباده رسلاً يهدونهم ويدلونهم إلى طريق الخير والصلاح، وهذا القدر يشبه معتقد المسلمين، أما الهندوس فيؤمنون بأن الله إذا أراد هداية خلقه نزل إليهم في صورة بشر لإنقاذهم، وقد تسرَّب القول بألوهية المصلح إلى السيخ من قبل زعيمهم "أرجن داس" المتوفي سنة 1601م، والذي أعلن القول بألوهية جميع المصلحين السابقين ابتداء بـ"ناناك" مؤسس السيخية، وانتهاء به، وجاء المصلحون من بعده فادعوا لأنفسهم مثل ما ادعى لنفسه.

8- للمعلم ويسمي عندهم "غورو" درجة دينية تأتي بعد مرحلة الرب، فهو الذي يدل في نظرهم على الحق والصدق، كما أنهم يتعبدون الإله بإنشاد الأناشيد الدينية التي نظمها المعلمون.

9- يعتقدون بأن ترديد أسماء الإله "الناما" يطهر المرء من الذنوب، ويقضي على مصادر الشر في النفوس، وإنشاد الأناشيد "كيرتا"، والتأمل بتوجيه من معلم "غورو"؛ كل هذا يؤدي إلى الاتصال بالإله.

10- ينكرون المعجزات والقصص والخرافات ذات الأساطير، إلا أنه على الرغم من ذلك فقد خلد السيخ معابد لهم "غور دوار" مبنية على قصص تتحدث عن معجزات وقعت.

11- يؤمنون بمجيء مخلص ينشر السيخية في جميع أنحاء العالم.

12- أباح ناناك الخمر، وأكل لحم الخنزير، وقد حرم لحم البقر مجاراة للهنادكة.

الخالصادال "الباختا":

مجموعة من الشباب الذين يرتبطون بنظام سلوكي ديني قاس، حيث ينصرفون إلى الصلاة والقتال من أجل الحق والعدل الذي يعتقدون به، ممتنعين عن المخدرات والمسكرات والتبغ.

قام "غوبند سنغ" وهو المعلم العاشر بإنشاء منظمة "الباختا" أي "خالصادال" التي سمى رجالها "أسوداً"، ونساءها "لبؤات"، وصاروا بعد عام 1761م حكاماً للبنجاب وذلك بعد ضعف المغول حيث احتلوا لاهور عام 1799م، وفي عام 1819م امتدت دولتهم إلى بلاد الباتان، وقد وصلت إلى ممر خيبر في عهد المهراجا رانجيت سنغ سنة 1839م متغلبين على الأفغان.

وعندما وصل الإنجليز حصلت مصادمات بينهم وبين السيخ، واضطروهم لأن يتراجعوا ويتوقفوا عند نهر سوتلج، واعتبار ذلك حدوداً لدولة السيخ من الناحية الجنوبية الشرقية، وانكسروا بعد ذلك، وتراجعوا أكثر، وأجبرهم البريطانيون على دفع غرامة كبيرة، وتسليم جامو وكشمير، كما عينوا في لاهور مقيماً بريطانياً يدير بقية مملكة السيخ، وصاروا بعد ذلك شديدي الولاء للإنجليز، بل ساعدوهم على احتلال البنجاب، وتحول السيخ إلى أداة في أيدي الإنجليز يضطهدون بهم حركات التمرد 1857م، وحصلوا من الإنجليز على امتيازات كثيرة منها منحهم أراض زراعية، وإيصال الماء إليها عبر قنوات؛ مما جعلهم في رخاء مادي يمتازون به عن جميع المقيمين في المنطقة.

وفي الحرب العالمية الأولى كانوا يشكلون أكثر من 20% من الجيش الهندي البريطاني، وفي يوم 31 أكتوبر 1984م أقدم السيخ على قتل رئيسة الوزراء الهندية "إنديرا غاندي" انتقاماً لاقتحام معبدهم، وحصلت مصادمات بين الطرفين عقب الاغتيال قتل بسببها عدة آلاف من السيخ يقدرها بعضهم بحوالي خمسة آلاف شخص.

اشتهر السيخ خلال حكمهم بالعسف والظلم، والجور والغلظة على المسلمين من مثل منعهم من أداء الفرائض الدينية والأذان، وبناء المساجد في القرى التي يكونون فيها أكثرية، وذلك فضلاً عن المصادمات المسلحة بينهما والتي يقتل فيها كثير من المسلمين الأبرياء.

كتب السيخية:

       كتاب "آدي غرانت" هو مجموعة أناشيد دينية ألفها المعلمون الخمسة الأوائل، ويبلغ نحو من (6000) نشيد ديني.

       كتاب "راحت ناما" يحتوي على تقاليد الخاصة وتعاليمهم.

       ما ضم إليها المعلم الأخير "غوبند سنغ" 115 نشيداً نظمها أبوه "تيغ بهادور"، كما تحتوي على أناشيد نظمها شيوخ من "الخالصادال الباختا"، وبعض رجال الصوفية المسلمين من مثل ابن الفارض على وجه الخصوص، وبعض شعراء بلاط غورو، وهذا الكتاب هو الكتاب المقدس الذي يعتبر أساس السلطة الروحية لديهم.

       أقدم مصدر عن حياة ناناك كتب بعد وفاته بخمسين إلى ثمانين عاماً، ومعظم علماء السيخ يرفضون عدداً من القصص الواردة فيه.

       هناك كتابات تاريخية سيخيه ترجع إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

مواطنهم وأماكن انتشار السيخ:

للسيخ بلد مقدس يعقدون فيه اجتماعاتهم المهمة وهي مدينة (أمرتيسار) من أعمال البنجاب، وقد دخلت عند التقسيم في أرض الهند، وهناك أربعة عروش تتمتع بالقداسة "عقل تخت" وهي في أمرتيسار، وأناندبور، وباتنا، وباندد، ولهم في مدينة أمرتيسار أكبر معبد يحجون إليه، ويسمى "دربار صاحب" أي مركز ديوان السيد الملك، وأما سائر المعابد فتسمى "كرو داوره" أي مركز الأستاذ.

ولا توجد إحصائية دقيقة يمكن الاعتماد عليها في عددهم، وإن كان أكثر الأقوال تجعلهم في حدود العشرين مليون نسمة يزيدون أو ينقصون قليلاً، وأكثرهم يعيش في البنجاب، إذ يعيش فيها 85% منهم، فيما يعيش الباقي في ولاية "هاريانا" وفي "دلهي" وفي أنحاء متفرقة من الهند.

وقد استقر بعضهم في ماليزيا، وسنغافورة، وشرق أفريقيا، وإنجلترا، والولايات المتحدة، وأستراليا، وكينيا، وأمريكا، وأفعانستان، وكندا، ورحل بعضهم إلى دول الخليج بقصد العمل وغيرها من الدول.

ولديهم اعتقاد راسخ بضرورة إيجاد دولة لهم، وأن ذلك أحد أركان الإيمان لديهم، إذ ينشدون في نهاية كل عبادة نشيداً يقولون فيه: "سيحكم رجال الخالصادال"، كما يحلمون بأن تكون عاصمتهم في شانديغار.

ولهم لجنة تجتمع كل عام منذ سنة 1908م، تنشئ المدارس، وتعمل على إنشاء كراسي في الجامعات لتدريس ديانة السيخ، ونشر تاريخها.

نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.3


 


1 من إجابة للشيخ مشهور حسن سلمان بموقع شبكة المنهاج الإسلامية.

2 الهندوس والسيخ للشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني (25-26).

3 ملاحظة: تم الاستفادة في النقل وكتابة غالب هذا المقال من "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة".